إن جميع التوقعات بالإنكماش الإقتصادي بين سنة ٢٠٠٠ و ٢٠٠٧ قد أثبتت خطأها حيث توقع الخبراء أن تؤدي الأحداث المتتالية التي مر بها العالم خلال تلك الفترة إلى ذالك. قائمة تلك الأحداث قد تطول ولكن نذكر بعضها فهناك أحداث ١١ سيبتمبر وماتلاها من حرب في العراق وأفغانستان, البرنامج النووي الإيراني, كوريا الشمالية تتقدم في خطوات سريعة لتصبح ثامن قوة نووية معترف بها عالميا, روسيا تحاول إستعادة أمجادها السابقة. في أمريكا اللاتينية هناك صعود هيوجو شافيز وقيادته حملة معادية للغرب ويكسب العديد من الأنصار والمؤيدين.
وقد زاد معدل دخل الفرد بنسبة ٣.٢% حيث توقف النمو الإقتصادي على الأقل في الغرب ولكن السبب كان ليس صدمة سياسية بل صدمة إقتصادية بدأت بإنهيار سوق التمويل العقاري في الولايات المتحدة وإمتدت لتشمل دولا عديدة.
خلال الحرب بين إسرائيل وحزب الله سنة ٢٠٠٦ فقد إرتفعت قيمة الأسهم في سوق الأسهم والبورصات الإسرائيلي وكذالك إرتفعت قيمة العملة الإسرائيلية (الشيكل). بين سنتي ٢٠٠٣ بداية الحرب على العراق و ٢٠٠٨ إزدهر إقتصاد تركيا والتي بينها وبين العراق حدود مشتركة بمعدل ٧% وذالك على الرغم من الإضطرابات التي سادت الجار الحدودي لتركيا.
السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا لم يتأثر الإقتصاد العالمي بكل تلك النوعية مما يطلق عليه صدمات سياسية؟
الجواب هو في ثورة الإعلام التي تنقل إلينا الأخبار والأحداث على مدار ٢٤ ساعة مما خلق حالة من الإشباع وعدم اللامبالاة. وبمناسبة الحديث عن الإعلام وتأثيره على الإقتصاد, عندي قصة قصيرة لأرويها لكم قد تساعدنا على فهم تلك النقطة.
يقال أنه عند إحتلال الجيش الألماني للعاصمة الفرنسية باريس فقد قام بداية بإعدام القطط والكلاب في الشوارع أمام مرأى المواطنين ثم عندما أصبح يعدم المواطنين أنفسهم, كانت هناك حالة من اللامبالاة وعدم الإهتمام والسبب هو الإشباع. المواطنون الفرنسيون أصيبوا بحالة من الإشباع بسبب منظر الإعدامات اليومية المتكررة للحيوانات فلم يبالوا بمنظر إعدام نظرائهم من قبل الجيش الألماني.
إن هاذا هو الحاصل بالنسبة للإعلام ودوره في التسبب بصدمات إقتصادية حيث أن متابعي المحطات الإخبارية والتلفزيونية والصحف والمجلات أصبحوا متعودين أو إنطبعت في أذهانهم أن الإعلام دائما يبالغ ويضخم الأمور فقد يصبح منخفض جوي بسيط عند تصويره في الوسائل الإعلامية عاصفة ضخمة وإنخفاض في درجات الحرارة إلى مادون الصفر.
التطرف هو عامل أخر يجب أخذه في الحسبان حيث نقوم بدراسة التغيرات الإقتصادية وأسبابها. إن الصورة النمطية التي ساهم الإعلام في الغرب في نشرها عن المسلمين تهدف في المجمل إلى شيطنتهم وساعد في ذالك أفعال تصدر من بعض أفراد الجاليات المسلمة تساهم في تثبيت تلك الصورة النمطية. الإعلام الغربي مزدوج المواقف بكل وقاحة فلم أسمع طوال سنين طويلة عشتها في الغرب أي إدانة صريحة وواضحة لمجازر النظام المجرم الفاشي في بورما حيث يتم شواء أطفال المسلمين هناك وأيضا في أفريقيا الوسطى حيث يقتل المسلمون في الشوارع في عملية تطهير عرقي وقحة تحت إشراف الجيش الفرنسي وقوات الأمن المحلية.
مرحلة ماقبل سيبتمبر ومابعد سيبتمبر ٢٠٠١ هي الطريقة التي يجب فيها النظر للأمور حيث أن إسائة تقدير قوة التنظيمات المتطرفة ومدى إرتباطها ببعضها البعض قبل ذالك التاريخ قد أدى إلى قيام أحدها, تنظيم القاعدة, لإستغلال ثغرات أمنية وتفجير برجي التجارة ومبنى البنتاجون بإستخدام طائرات مخطوفة مليئة بالركاب وطائرة أخرى تم إسقاطها قيل أنها كانت تستهدف البيت الأبيض. مرحلة مابعد سيبتمبر ٢٠٠١ تختلف حيث تتم ملاحقة التنظيمات المتطرفة ومصادر تمويلها فيما يسمى بتجفيف منابع الإرهاب. في أندونيسيا تم القبض على كل من زعيم الجمعية الإسلامية وعلى زعيم تنظيمها العسكري حيث أن ذالك التنظيم مسؤول عن تفجير بالي ٢٠٠٢. وبمساعدة أمريكية تمكنت القوات الفيليبنية من قتل زعيم تنظيم أبو سياف المتطرف في كانون الثاني ٢٠٠٧. في مصر والسعودية تمت ملاحقة خلايا التنظيمات المتطرفة والقبض على أعضائها ومن هرب منهم لم يتمكن من شن أي هجمة رئيسية لسنوات طويلة وتحولت التنظيمات المتطرفة إلى شركات تسجيلات صوتية وتلفزيونية يصدرون كل فترة تسجيل صوتي أو فيديو لأحد زعمائهم.
فترة التحول الرئيسية للتنظيمات المتطرفة جائت مع عملية غزو العراق وإسقاط نظام الرئيس العراقي صدام حسين حيث بدأت مرحلة الإستقطاب للفئات السنية من قبل التنظيمات المتطرفة التي تماثلها أيدولوجيا وذالك من أجل شن حرب مقدسة ليس ضد الأمريكيين بشكل رئيسي بل ضد الشيعة والذين بدورهم كان ردهم بالإصطفاف خلف تنظيمات شيعية عسكرية وتحول العراق إلى ساحة إقتتال دموي إسلامية - إسلامية وغرق العراق في الفوضى والمجازر الطائفية إلى وقتنا الحالي. فتاوي تنظيم القاعدة قبل المرحلة العراقية لاتذكر أي جهاد مقدس ضد الشيعة فما الذي تغير؟ وماهو الهدف من زيادة حدة التقسيم الطائفي والتقاتل بين التنظيمات والمذاهب الإسلامية؟
الكثير من المحللين الغربيين يرون أن زيادة التنوع داخل الجسم الإسلامي سوف يساهم في تخفيف لهجته ونبرته العدائية لكل ماهو غربي تماما كما كان الحال أيام الشيوعية حيث تنوع المذاهب الشيوعية قد أدى إلى جعل الحركة الشيوعية ككل أقل خطرا على الغرب لإنشغال الشيوعيين بصراعات داخلية.
النقطة التي ربما قد يمر عليها البعض مرور الكرام هي أن لايوجد شعبية للنموذج الذي تحاول التنظيمات المتطرفة ترويجه ولرؤيتها للدولة الإسلامية وشكلها المستقبلي بعكس التنظيمات الشيوعية أو الفاشية. لا أحد يشجع النموذج المتطرف إلا قلة قليلة أدمنت العنف وسفك الدماء. تلك التنظيمات تعمل في بيئات لاتكن لها كل الود ولا يوجد لهم الكثير من الدعم في أوساطها مما يجعل مهمة الحفاظ على بنية خلاياهم صعبة وتسهل عمل السلطات الأمنية في ملاحقتهم القبض عليهم.
إن الأعمال التي تقوم بها فئة قليلة من المتطرفين تساهم في نشر صورة مسيئة للإسلام والمسلمين في الغرب حيث تدعو جهارا نهارا لأسلمة أوروبا مما ساهم في إنتشار الحساسية من المسلمين وأصبح هناك من يحصي على المسلمين أنفاسهم في إنتظار فرصة للصيد في الماء العكر. فمثلا تم النظر لرفض سائق تكسي صومالي إصعاد راكب للتكسي الذي يقوده بسبب حمله بعض المشروبات الكحولية على أن ذالك دعوة لتطبيق الشريعة.
تأثير التنظيمات المتطرفة وأعمالها الإرهابية يتم إمتصاصه بسرعة أفضل وذالك لقلة الشعبية التي تتمتع بها تلك التنظيمات حيث أصبح تعافي الأسواق المالية والإقتصادية بوتيرة أسرع ظاهرة يجب التوقف عندها. إثر أحداث سيبتمبر ٢٠٠١ فقد تمكنت الأسواق المالية من التعافي بعد فترة شهرين. بعد تفجيرات مدريد ٢٠٠٤ كانت الفترة اللازمة لتعافي الأسواق المالية شهر واحد فقط. في حالة تفجيرات لندن ٢٠٠٥ فإن الأسواق المالية البريطانية لزمها ٢٤ ساعة فقط للتعافي. الولايات المتحدة خسرت مليارات الدولارات إثر أحداث سيبتمبر ٢٠٠١ وكذالك أندونيسيا إثر تفجيرات بالي ولكن تأثير تفجير بوسطن ٢٠١٣ لم يكن تأثيرها يذكر وتفجير فندق ماريوت جاكرتا ٢٠٠٣ حيث إستعاد الإقتصاد الأندونيسي عافيته في وقت قياسي.
الشيئ الوحيد الذي يمكن أن يحدث فرقا هو بالنسبة للأعمال التي ترتكبها التنظيمات المتطرفة هو إستحصالهم على أسلحة دمار شامل وتنفيذ هجمات بواسطتها ولكن ذالك بالنسبة للمطلعين على التفاصيل الأمنية المحيطة بتلك النوعية من الأسلحة يعلم علم اليقين ان تلك المحاولات تزداد صعوبة ولم تقترب أحدها مجرد الإقتراب من مجرد تحقيق أي نجاح يذكر.
إن نجاح أي عمل تقوم به التنظيمات المتطرفة يعتمد على ردة فعل الفئات أو البلدان المستهدفة بتلك الأعمال حيث يراقب زعماء تلك التنظيمات ردات فعل المواطنين في الغرب على أي عمل يقومون به, فإن كانت ردة الفعل تعبر عن قلق وخوف ورعب وفوضى فمعنى ذالك نجاح ذالك العمل والتخطيط للعمل القادم. وإذا كانت ردة الفعل هي عبارة عن مزيج من الوعي والهدوء وعدم الفزع والتصرف بطيش فإن ذالك يعني فشل ذالك العمل وإعادة النظر بإحتمالية القيام بأعمال مماثلة في المستقبل.
إن هؤلاء المتطرفون هم عبارة عن فئة قليلة يتناقص عدد المنتمين لها يوما بعد يوم ويتضائل دورها وتأثيرها لأن الأغلبية تعادي الأيدولوجيا التي تدين بها تلك التنظيمات مما يجعل تأثيرها لا يكاد يذكر.
في المجتمعات المعقدة والمفعمة بالحيوية كالولايات المتحدة, فإن حجم إقتصادها يبلغ ١٤ تريليون دولار , وهو من التعقيد والتماسك مايجعل عملية التأثير عليه أكثر تعقيدا مما يتصوره من يحاولون القيام بتلك النوعية من الأعمال.
دول مثل إيران وكوريا الشمالية وفنزويلا تمثل تهديدا قائما للولايات المتحدة ولكن لننظر للأمور بموضوعية فالناتج المحلي الإجمالي لإيران هو ١ٍ\٤٣ مقارنة بالولايات المتحدة وإنفاقها العسكري ١\٧٢ مقارنة بالبنتاجون. كوريا الشمالية تمثل كابوسا للصين تبقي مسؤوليها مستيقظين طوال الليل في حالة أي إضطرابات خوفا من إغراق الصين باللاجئين. أما بالنسبة لفنزويلا فهي ليست وحدها في أمريكا اللاتينية فدول مثل البرازيل وتشيلي والمكسيك قد إختارت الطريق نحو الأسواق المفتوحة والتجارة الحرة هي دول قوية ومؤثرة. العبرة هي أن تلك الدول التي تعادي الولايات المتحدة هي جزء من المنظومة العالمية ولكنها لاتشكل كل المنظومة. التنظيمات الإسلامية المتطرفة ينطبق عليها نفس المبدأ فهي لا تشكل كامل المنظمة الإسلامية في المنطقة بل جزء منها.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment