قبل أن أدخل مع القراء والمتابعين في لب الموضوع فإنني أحب أن أنوه بردة الفعل الممتازة والتفاعل الرائع مع موضوعي بعنوان (الأثار المترتبة على تحقيق الولايات المتحدة الإكتفاء الذاتي من النفط والعوامل المؤثر على سعره). موضوعي الحالي هو إستكمال لردي المفصل على مزاعم مواقع إخبارية أجنبية وشركات نفط وتصريحات هنا وهناك هدفها ليس إلا التلاعب بأسعار النفط لأغراض سياسية وإثارة الفزع بين الدول المنتجة له. المشكلة أنني بعد عمل جولة سريعة في الإنترنت والصحف عن الردود المتوفرة على تلك التصريحات, لم أحد ردا واحدا يشفي الغليل ويكون على مبدأ قطعت جهيزة قول كل خطيب.
لست من جماعة التفاخر ومن يقولون أنا ولكني أحس بحجم المؤامرة على شعوب ودول المنطقة وخصوصا دول الخليج العربي حيث تحاول شركات النفط الأجنبية لعب دور مشبوه وإبتزاز مواقف سياسية معينة بطريقة غير مباشرة. ذالك الدور المشبوه لتلك الشركات التي لاترحم من يقف في طريقها سوف يكون لي معه عودة وبالتفصيل الممل وأعدكم بذالك متى سمح لي الوقت ووعد الحر دين.
عنوان الموضوع مرة أخرى وهو (هل سوف تقوم الولايات المتحدة الولايات المتحدة بالتخلي عن الإيثانول-٨٥ سنة ٢٠١٤؟) وقد يكون من الأصح للعنوان إضافة تخفيض إنتاجه بعد كلمة إيثانول-٨٥(بالتخلي عن الإيثانول-٨٥ أو تخفيض إنتاجه..). ولكن ماهو الإيثانول-٨٥ وماهو سبب وجود الرقم ٨٥ مرتبطا بالإسم؟ وهل يعد الإيثانول-٨٥ أحد الأركان الرئيسة لحل مشكلة الطاقة؟ الجواب في السطور التالية.
القانون الثاني من قوانين الديناميكا الحرارية, وهنا سوف أنقله لكم من موسوعة الويكي ثم أكتبه لكم بلغتي كما فهمته.
قانون الديناميكا الثاني - موسوعة الويكي: يتعلق القانون الثاني بالاعتلاج أو الأنتروبية وينص على مبدأ أساسي يقول بأن تغيرًا تلقائيًا في نظام فيزيائي لا بد وأن يترافق بازدياد في مقدار اعتلاج هذا النظام.
تعريفي للقانون هو: لايوجد نظام يعمل بكفائة ١٠٠% فالطاقة عند إنتقالها من صيغة لأخرى فإنها سوف تخسر نسبة معينة كفاقد إما على شكل حرارة أو ضجيج أو تأثيرات أخرى مختلفة.
محرك السيارة وتوربينات توليد الطاقة بواسطة الرياح لديها معدل كفائة ٢٠% تقريبا مايعني أن ٢٠% هي المقدار الذي يتم الإستفادة منه بينما ٨٠% طاقة ضائعة أو متسربة حسب القانون الثاني للديناميكا الحرارية. الإيثانول كفائته ١٥% تقريبا بمعدل فاقد ٨٥% ولذالك تمت تسميته إيثانول-٨٥ أو إختصارا (E-85) وذالك بالنسبة للسيارات ذات المحرك المعدل أما المحرك العادي(القياسي) فتكون نسبة الإيثانول في الوقود ١٠%.
مانسبته ٩٥% من الإيثانول الذي يتم تقطيره في الولايات المتحدة يكون مصدره محصول الذرة أما في أندونيسيا فزيت النخيل وفي بلدان كالبرازيل, فمصدره محصول قصب السكر ويمكن إنتاجه من السكريات البسيطة.
إستخدام الإيثانول كوقود للسيارات ليس بأمرا جديدا فأول سيارة لهنري فورد كانت تسير على الإيثانول بنسبة ١٠٠% بينما تم تقديم أول سيارة تعمل على خليط من الإيثانول ووقود السيارات سنة ١٩٠٥. الأمر الجديد هو الفكرة الخاطئة أن الإيثانول يعد بديلا عن وقود السيارات وكونه مجديا من الناحية الإقتصادية وأكثر ملائمة للبيئة.
في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الإبن فقد صدر أمرحكومي ملزم بزيادة إنتاج تلك المادة لتصل إلى ٣٥ مليار جالون سنة ٢٠١٧ وذالك بعد أن إرتفع من مليار جالون سنة ٢٠٠٠ إلى ستة مليار جالون سنة ٢٠٠٧. وبالرجوع إلى إحصائيات سنة ٢٠٠٧ ومستوى إنتاج بلغ ٦ مليار جالون وإستهلك مساحة ٣٣% تقريبا من أصل مساحة الأراضي المزروعة بالذرة وهذه نقطة سوف نرى تأثيرها على نسبة التضخم وإرتفاع أسعار المواد الغذائية واللحوم في السطور القليلة القادمة. أما بالنسبة للإتحاد الأوروبي فإن هناك قرار تم إتخاذه برفع نسبة الوقود الحيوي المستهلك في دول الإتحاد إلى ٢٠% بحلول سنة ٢٠٢٠.
هل يعد إنتاج الإيثانول مجديا من الناحية الإقتصادية؟
الحقيقة التي تخفيها الحكومات في الولايات المتحدة وأووبا انه بدون الدعم الحكومي والإعفائات الضريبية فإنه لايمكن تسويق الإيثانول كمصدر بديل بل وأساسي للوقود. سوف أتخذ من زراعة الذرة وإنتاج الإيثانول في الولايات المتحدة كنموذج لفحصه.
ولنبدأ بتلك المساحات الشاسعة من الأراضي المزروعة بالذرة الذي يعد المصدر الرئيسي في أمريكا لإنتاج الإيثانول حيث أن المعدات الزراعية وخصوصا الجرارات الضخمة تستهلك كميات هائلة من النفط والغاز كوقود ثم عملية التقطير وعملية نقل الإيثانول من مكان الإنتاج إلى مكان الإستهلاك حيث لايمكن نقل الإيثانول بواسطة الأنابيب كالنفط والغاز, كلها تعد مستهلكة لمصادر الوقود المختلفة.
وإذا أزحنا جانبا كل ذالك فعملية زراعة تلك المساحات الشاسعة من الاراضي تستهلك كميات ضخمة من السماد والذي يتطلب إنتاجه كميات متزايدة من الطاقة من مصادر كالنفط مثلا. مكننة مساحات زراعية ضخمة بهدف تحويل الوقود إلى طعام على المائدة هو هدف لتلك النوعية من العمليات الزراعية, عكسها يعني تحويل الطعام إلى وقود سوف يجعلها غير ذات جدوى من الناحية الإقتصادية لسبب النسبة العالية من الفاقد. بحسبة بسيطة فإن كل جالون من الإيثانول يتكون بنسبة ٧٥% من مصادر أخرى للطاقة كالنفط والغاز والفحم الحجري والتي يتم إستهلاكها في عمليات الزراعة والنقل والإنتاج والمتبقي وهو ٢٥% سوف يتم فقدان ٨٥% من الطاقة التي يمكن إنتاجها منه والإستفادة منها في محرك السيارة.
ولكن ماهو سبب التوسع في إنتاجه خصوصا في الولايات المتحدة للدرجة التي وصلت لإصدار مرسوم حكومي بذالك الخصوص؟
الإعفائات الضريبية لمزارعي الذرة ومنتجي الإيثانول والشركات المسوقة له والتي تجعل من إنتاجه عملية مجدية إقتصاديا بالنسبة لهم.
الضريبة التي تعرف في الولايات المتحدة(Ethanol Excise Tax Credit) تمنح المستفيد منها إعفاء ضريبي بمقدار ٤٥ سنت لكل جالون إيثانول تم بيعه كوقود للمركبات كما أن حكومات الولايات التي تعد منتج رئيسي للذرة تقوم بمنح المزارعين مبالغ إضافية تحت بند دعم أو إعفائات ضريبية محلية. كما أنه هناك تعرفة حماية جمركية تبلغ ٥٤ سنت على كل وقود من الإيثانول البرازيلي المستخرج من قصب السكر الأكثر كفائة من ذالك المستخرج من الذرة.
لن أسأل عن إتفاقيات التجارة الحرة والجات والعولمة والتي تلتف أمريكا عليها بألف طريقة وطريقة منها الإعفائات الضريبية الفيدرالية والمحلية والمنح تحت بند الدعم بينما قد يتم إتهام الدول الأخرى التي تقوم بنفس الممارسات أو تقوم بفرض تعرفة حماية جمركية مماثلة على الإيثانول أو المنتجات الأمريكية بأنهم شيوعيون!!!
مجموع الدعم الحكومي المقدم والإعفائات الضريبية لإنتاج الإيثانول قد تبلغ ٨ مليار دولار في بعض السنين تزداد بإزدياد كمية الإيثانول المنتجة وتبلغ ٥٠% من تكلفة الإنتاج تقريبا. الإرتفاع المستمر في أسعار النفط والغاز والفحم المستخدم في إنتاج الإيثانول سوف يرفع مستوى الدعم الحكومي إلى ٢٥ مليار دولار من جيب دافع الضرائب الأمريكي كنتيجة لتحقيق هدف إنتاج ٣٥ مليار دالون سنة ٢٠١٧.
هل يمكن تصنيف الإيثانول كوقود صديق للبيئة؟
هناك من يظن أنه من أسباب التشجيع على إنتاج الإيثانول كونه صديقا للبيئة ولكن الحقيقة التي تحاول الحكومات والشركات تضليل المستهلكين هي أن معامل تقطير الإيثانول تعمل بواسطة النفط أو الغاز أو الفحم وهو أكثرها تلويثا للبيئة. كما أن السماد المستخدم في زراهة مساحات زراعية شاسعة بالذرة يحتوى على النيتروجين والذي يتفاعل مع الظروف الجوية مطلقا نيتروس أوكسيد(Nitrous Oxide) وهو أشد ضررا على البيئة وتأثيرا بالمناخ ٢٩٦ مرة مقارنة بثاني أوكسيد الكريون(CO2).
في بلد مثل أندونيسيا والتي تنتج الإيثانول من زيت أشجار النخيل فإنه يعد أشد ضررا على البيئة بمقدار ١٠ من الوقود التقليدي كما أنه يتوقع إختفاء ٩٨% من الغابات المطيرة في أندونيسيا لزيادة المساحات المزروعة بأشجار النخيل, الغابات المطيرة تعد مصدرا رئيسيا لإنتاج الأوكسجين وإمتصاص ثاني أوكسيد الكربون من الجو.
الإيثانول سبب رئيسي لإرتفاع أسعار المواد الغذائية حول العالم
قد يظن البعض أن التوسع في إنتاج الإيثانول قد تسبب بأضرار إقتصرت على دافع الضرائب أو البيئة ولكن قد لا يعلم البعض أنه من أسباب التضخم وزيادة أسعار المواد الغذائية والإستهلاكية بشكل عام هو التوسع في مساحات زراعة الذرة المخصصة لإنتاج الإيثانول.
نسبة زراعة محاصيل الذرة قد إرتفعت ٢٠% سنة ٢٠٠٧ كما أن ترتيب الذرة بين أكثر ٨ محاصيل زراعة في الولايات المتحدة قد إزداد ٣٠%-٤٠%. بين سنتي ٢٠٠٥ و٢٠٠٧ فإن سعر الذرة قد إرتفع ٦٠% حيث بلغت نسبة الأراضي الزراعية المزروعة بالذرة المخصصة لإنتاج الإيثانول مستويات غير مسبوقة نتيجة إتجاه المزارعين لزراعة محصول الذرة بسبب عائده المادي المرتفع.
لعل أول وأهم ضحايا إعطاء الأولوية لزراعة الذرة عند الفلاحين هو فول الصويا حيث أن فول الصويا يزرع مداورة بينه وبين محاصيل الذرة وهو مبدأ يشمل محاصيل أخرى وذالك للمحافظة على خصوبة الأراضي الزراعية من الإستنزاف. فول الصويا ليس الضحية الوحيدة بل هناك أيضا الأرز الذي إرتفعت أسعار وحصلت إضطرابات في بعض البلدان كما أن أسعارالقمح قد إرتفعت بين منتصف سنتي ٢٠٠٦ و ٢٠٠٨.
إرتفاع أسعار الذرة المخصصة لإنتاج الإيثانول قد أدى إلى تصدير ذالك التضخم في الأسعار إلى الكثير من المنتجات التي يدخل في صناعتها الذرة أو فول الصويا. المشكلة انه قبل ذالك كانت تربية الماشية كمصدر اللحوم والحليب هي المستهلك الأكبر للذرة بنسبة ٥٠% التي تعد كغذاء رئيسي بالنسبة لها وبسبب إعطاء الأولوية في زراعة الذرة لإنتاج الإيثانول فقد أدى ذالك لإرتفاع أسعار اللحوم والحليب بشكل غير مسبوق. المواد الغذائية التي تدخل الذرة في إنتاجها تشمل قائمة قد تصل لألاف المنتجات منها زيت الذرة ومنتجات العلكة وتحلية المشروبات الغازية والكثير الكثير من المنتجات. الشيئ الغير مفهوم هو إستمرار تضخم أسعار المنتجات الغذائية وأسعار الطعام على الرغم من الأزمة الإقتصادية سنة ٢٠٠٧\٢٠٠٨ والتي أدت إلى كساد على مستوى العالم. أسعار المواد الغذائية في الولايات المتحدة إرتفعت بنسبة ٥% سنة ٢٠٠٩ على الرغم من مستوى تضخم صفر% وإستمرار الكساد الإقتصادي.
إرتفاع سعر الذرة المخصصة لإنتاج الإيثانول كانت له أضرار ولكن ليس على الجميع فالشركات التي تبيع المعدات الزراعية إستفادت من زيادة السيولة بأيدي المزارعين كما أن منتجي البوتاس في الولايات المتحدة وبشكل رئيسي في كندا قد إستفادوا أيضا من زيادة الطلب على البوتاس المستخدم في صناعة الأسمدة حيث أنهم يعملون أوقات إضافية لتلبية الطلب المتزايد.
الأثار السلبية للزيادة في إنتاج الإيثانول قد لعبت دورا في إنخفاض الدعم الشعبي مماسوف يؤدي إلى إنخفاض مستوى إستهلاكه وخصوصا بعد تبدد الوهم بخصوص ثمنه المنخفض وكونه صديقا للبيئة. أثار سلبية كإرتفاع أسعار المواد الغذائية وتحمل دافع الضرائب الأمريكي العبئ الأكبر للإعفائات يتمتع بها المزارعون لمحاصيل الذرة والمصنعون للإيثانول المنتج من تلك المحاصيل سوف تؤدي في النهاية إلى إنهيار ذالك الدعم الشعبي حيث كما يقول المثل الإنجليزي(The Sooner, The better).
النهاية
شكرا لتفاعلكم ووقتكم
hi sbaba 2as3ar ghala2 ek gheza2 el 3alamya w 5ososan usa hye el modarabat bil moushta2at el malya fi bank goldman sachs
ReplyDelete