العالم لا يحكمه التافهون كما ذكر الكاتب والفيلسوف الكندي د.آلان دونو, بل يحكمه الأغبياء وذلك من حكم الأمور المعلومة بالضرورة. منذ سنة 2003, كان من الواضح أن طبيعة الأمراض والأوبئة القادمة سوف تصيب وتؤثر بشكل كبير على الجهاز التنفسي وسوف يكون عدد المصابين يفوق كل التوقعات. الآن, وفقط الآن بدأت حالة من الهلع والذعر من أجل تصنيع الكمامات وأجهزة التنفس الصناعي وإجراء الأبحاث على اللقاحات والفيروسات. في الولايات المتحدة وحدها, توقعات الإصابة أكثر من مليون شخص, هل هناك مليون جهاز تنفس في المستشفيات الأمريكية؟ ينفقون الأموال على الطائرات والأسلحة ولاعبي كرة القدم, السلة, البيسبول وكرة القدم الأمريكية بمئات الملايين والباحثون والعاملون في المجال الطبي, خط الدفاع الأول للبشرية, لهم الفتات.
بينما يبكي المسؤولون والسياسيون الأوروبيون على أطلال إتحادهم الذي تحول الى ما يشبه مغارة لصوص تذكرني بحكاية علي بابا ولصوصه الأربعين, تحولت جانحة الكورونا من أزمة صحية الى أزمة تهدد كينونة ووجود الإتحاد الأوروبي نفسه. تركيا, دولة عضو في الناتو ومتقدمة بطلب عضوية كامل في الإتحاد الأوروبي قد صادرت بذريعة منع التصدير شحنة أجهزة تنفس بلغ عددها 162 كانت إسبانيا قد قامت بشرائها من الصين. أما دولة التشيك, فقد استولت على شحنة أقنعة واقية وهبتها الصين الى إيطاليا وصرَّحت بأن ذلك تم في إطار عملية ضد مهربين ومحتكري تلك السلعة الحيوية في زمن الكورونا. فرنسا قامت بالاستيلاء على شحنة أقنعة طبية قامت شركة مولنليك السويدي بشرائها لصالح إيطاليا وإسبانيا وذلك أثناء مرورها عبر الأراضي الفرنسية. حتى أن شحنة من 6 ملايين قناع طبي واقي كانت متوجهة من كينيا الى المانيا قد إختفت فجأة ولايعرف مصيرها الى الآن. ولم يبقى دولة في أوروبا إلا ومارست لصوصية الأجهزة والمعدات الطبية حتى إيطاليا التي اتهمتها الحكومة التونسية بالاستيلاء على سفينة تحمل شحنة كحول طبي كانت متوجهة الى تونس.
وقد شاهدنا على التلفاز ومواقع مشاركة الفيديوهات مثل يوتيوب كيف تحول مواطنو دول غربية وأوروبية الى أبطال في فنون القتال المختلط والكيكبوكسينغ من أجل ورق محارم الحمام وكيف أفرغوا رفوف المتاجر على آخرها من جميع المواد الغذائية والغير غذائية خصوصا مواد التنظيف والكحول الطبي. حتى أن مشهدا مؤثرا لإمراة كبيرة في السن في الولايات المتحدة وهي تجول أحد متاجر التجزئة في محاولة عبثية بحثا بين الرفوف الفارغة عما يسد رمقها. أما بالنسبة للكمامات ومستلزمات التعقيم فقد تحولت الى سلعة نادرة. في مدينة نيويورك, داهم مكتب التحقيقات الفيدرالي أحد المنازل وصادر أكثر من 80 ألف قناع(N-95) كان أحد الأشخاص يبيعها بسعر مضاعف بلغ 700%(12 دولار للقناع الواحد). حتى ورق الحمام ومستلزمات ضرورية أخرى أصبحت تباع على موقع أمازون بأسعار مضاعفة أو في مزادات على موقع إي-باي الشهير. أمر لا يمكن تخليه, مزاد على حزمة من ورق الحمام, من يدفع أكثر.
وتأبى الولايات المتحدة التي توصف بأنها قرصان العالم الأول إلا أن تظهر وجهها القبيح للجميع حيث قامت بتحويل مسار رحلة جوية تحمل إمدادات طبية الى ألمانيا. كما أنها تقوم بشراء الأقنعة والمعدات الطبية مقابل أثمان مرتفعة في مسعى من أجل حرمان دول أخرى منها. الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يرغب في رفع حالة الإغلاق وعودة الحياة الى طبيعتها في اسرع وقت ممكن وذلك في استهتار بحياة وأرواح الأمريكيين خصوصا كبار السن واستجابة الى ضغوطات مجتمع المال والأعمال وبنوك وول ستريت. هناك مناطق ومدن منكوبة حيث سجلت في مرحلة ما 100 ألف إصابة وعدد كبير من الوفيات نصفهم, 50 ألف إصابة في مدينة نيويورك التي تعاني من نقص حاد في اسرَّة المستشفيات وأجهزة التنفس. حتى خطة الإنقاذ التي أقرّها الرئيس ترامب وبلغت 2.2 تريليون دولار جاءت هزيلة من ناحية توزيع الأموال حيث تم تخصيص 100 مليار من أجل تقديم الدعم الى القطاع الصحي والباقي مصيره معروف, شركات الطيران وبنوك وول ستريت ومؤسسات مالية مقربة من البيت الأبيض وعلى رأسها بنك غولدمان ساكس.
إن الإستجابة الأمريكية لتبعات أزمة كورونا الإقتصادية كانت ضعيفة مقارنة ببعض الدول مثل: 2000 دولار شهريا في كندا للأسر التي يقل دخلها عن مستوى محدد, 75% من الأجور الشهرية في الدانمرك و80% في بريطانيا طوال مدة تطبيق حظر التجول. بينما في الولايات المتحدة, دفعة نقدية لبعض الأسر تبلغ 1200 دولار في المناطق أو المدن التي تعلن حظر التجول. دول مثل فرنسا وكندا أعلنت تأجيل استيفاء جميع أنواع القروض البنكية والدفعات النقدية خصوصا إيجارات المنازل بينما يطرد أمريكيون من منازلهم بسبب عدم دفعهم الإيجار وعدم قدرتهم على إيجاد عمل بديل. أرقام طلبات إعانات البطالة في الولايات المتحدة بلغت 10 مليون وهو رقم مرتفع.
العرب في بعض الدول أثبتوا جهلهم ومخالفتهم التعليمات حيث يقومون بالسلام والاحتضان والتبويس وهي عادات اجتماعية خاطئة في الأوقات العادية, فما بالكم في زمن الكورونا. في دولة عربية, قام أفراد من أسرة بعدم الإلتزام بالحظر المنزلي 14 يوم بسبب مخالطتهم مصابا بفيروس كورونا وفتحوا محلهم وتبين أنهم مصابون بالكورونا وتم إغلاق البلدة بالكامل وحظر التجول فيها. في دولة عربية أخرى, مواطن يقيم حفل زفافه ويدعو 400 شخص على الرغم من تحذيرات حكومية وتعليمات منع التجمعات. عدد من المدعوين منهم والده قدموا من دول أوروبية موبوءة بالكورونا ونقلوا العدوى الى عدد غير معروف من المدعوين. وفي بعض الدول التي أعلنت حظر التجول, يقيم المواطنون حفلات وتجمعات في بيوتهم في تجاهل واضح للتعليمات. محل حلاق في مدينة عربية قام بفتح محله رغم قرار الحظر وأحد زبائنه ممن تعامل معه كان مصابا بالكورونا ونقل العدوى الى عدد غير محدد من الأشخاص. في دول مثل الهند, يتعرض المخالفون لتعليمات حظر التجول الى الضرب المبرح من الشرطة المكلفة تطبيق القانون حيث يتجول هؤلاء حاملين عصي غليظة من الخيزران. وفي الفلبين, هدد رئيسها بإطلاق النار على المخالفين لحظر التجول. ويبدو أن بعض تلك الأمور يجب تطبيقها في بعض الدول العربية التي يتصرف بعض مواطنيها بحماقة وانانية ولامبالاة ويساهمون في زيادة عدد المصابين بالعدوى.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment