رجال الدين من كافة الأديان والملل والنحل لا يعملون بالمثل القائل (أعطي الخباز خبزه) لأنه برأيهم الكتب المقدسة فيها كل شيئ, أمور الدين والدنيا. ونرى رجال الدين يخوضوا في كل شيء من السياسة والأدب والفن ويفتون في كل أمور الدنيا ولا يقتصرون على الأمور الدينية. في قلقيلية, مدينة في فلسطين في الضفة الغربية, إمام مسجد يدعى بسام جرار وله قناة على اليوتيوب وهو من دعاة الفتنة والخروج على الحكام وأولي الأمر. وفي تحليله للإنتخابات الرئاسية الأمريكية وفوز دونالد ترامب في منصب الرئاسة, يرى بسام جرار أن ذلك إنتصار للإرادة الشعبية الأمريكية والإعلام الشعبي, خصوصا وسائل التواصل الإجتماعي, على الإعلام التقليدي والنخب الحاكمة.
بداية, ليس هناك إرادة شعبية ساهمت في فوز دونالد ترامب بل الإرادة الشعبية كانت مع هيلاري كلينتون التي فازت في عدد الأصوات ولكن ترامب حسم السباق الى الرئاسة لأنه حصل على عدد أكبر من أصوات المجمع الانتخابي. فوز دونالد ترامب ليس إلا دليلا على حالة الملل التي أصابت الناخب الأمريكي من أكاذيب السياسيين وألاعيبهم حيث إمتنع عن المشاركة في الإنتخابات عدد كبير من المؤهلين للتصويت خصوصا الشباب ومن يحق لهم التصويت لأول مرَّة.
هناك بعض الأمور المهمة علينا أن نأخذها في الحسبان عند محاولة توقع نتيجة الإنتخابات الرئاسية الأمريكية, التصويت بكثافة خصوصا من فئات مثل الأقليات العرقية والسود يعني ترجيح الكفة لصالح المرشح الديمقراطي. أما الفئات المهمشة من ذوي العرق الأبيض ومعارضي الهجرة خصوصا في ولايات تقع على الحدود مع المكسيك مثل أريزونا, نيومكسيكو وتكساس فهي ولايات جمهورية. هناك ولايات توصف بأنها معمدانية مثل ولاية أوهايو التي تصوت تقليديا للحزب الجمهوري بسبب دعايتهم للمحافظة على قيم مسيحية محافظة مثل معارضة الإجهاض والمثلية الجنسية. أي شخص ممكن يراجع الخريطة الإنتخابية الأمريكية ويتأكد مما ذكرت. هناك بالطبع استثناءات مثل ولاية أوهايو وولاية ميشيغان وهي من ولايات حزام الصدأ التي فاز بها دونالد ترامب رغم أنها تعتبر معاقل تقليدية للديمقراطيين.
تلك كانت مقدمة قصيرة جدا واي شخص لديه أدنى مستوى من الوعي السياسي كان سوف يلاحظ أن فوز دونالد ترامب هو المرجح خلال إنتخابات 2016 وحتى انتخابات 2020 بسبب إنقسام الديمقراطيين ومعارضة الكثيرين منهم للمرشح جون بايدن الذي شغل في السابق منصب نائب الرئيس خلال فترة حكم باراك أوباما(2008-2016).
ولكن خصوم دونالد ترامب السياسيين استمروا في المناكفة واختلاق المشكلات له والسعي الى عزله بسبب مزاعم عن تزوير الانتخابات والتلاعب في النتائج وهو أمر قد لاحظت أنه أصبح روتينيا مع كل إنتخابات أمريكية يفوز فيها مرشح جمهوري, جورج بوش الإبن(فلوريدا-2000) و(أوهايو-2004). البعض يظن أنها مراهقة سياسية ولكنها خطة مدروسة من أجل دفع ترامب الى إتخاذ بعض القرارات التي كان سوف يرفضها في غياب الضغوطات. الغارات الجوية في سوريا كانت نتيجة ضغوطات تعرض لها سببها التحقيق في تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية ومحاولة محاكمته وعزله. الطريف أنه هناك إتهامات تم توجيهها الى المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون حول إن كانت تعمدت الإهمال في قضية تسريب الإيميلات الشهيرة وهي إتهامات لم تركز عليها وسائل الإعلام الرئيسية.
ومع إقتراب موعد الإنتخابات الرئاسية الأمريكية(2020), بدأ ترامب في العزف على وتر الخلافات التجارية مع الصين وأوروبا وآسيا ولم تسلم دولة حتى حلفاء الولايات المتحدة من نيران صديقة حيث بدأت حرب تجارية. ولكن ذلك مهزلة بكل المعايير. خلال احتفالات أعياد الاستقلال في الولايات المتحدة, يتم إطلاق ألعاب نارية بقيمة مئات الملايين من الدولارات مستوردة من الصين. بضائع تجارية تحمل علامة إيفانكا ترامب وتتبع لها مباشرة تصنع في الصين وليس في الولايات المتحدة. خط الموضة الذي يحمل إسم إيفانكا ترامب صنع في الصين وسنغافورا وحتى نظاراتها المفضلة صنعت في المكسيك. حتى شعارات الحملات الإنتخابية ومواد الدعاية مثل القبعات والرايات والأقلام صنعت إما في الصين أو في دول أمريكا اللاتينية مثل المكسيك وليس في الولايات المتحدة.
وآخر البهلوانيات التي قدّمَ لها الرئيس الأمريكي هي توجيه الاتهامات الى منظمة الصحة العالمية بأنها فشلت في إدارة أزمة فيروس كورونا وأنها تحابي الصين. الرئيس الأمريكي أصدر قرارا بتعليق مساهمة الولايات المتحدة المالية في المنظمة والتي بلغت سنة 2019 مبلغ 453 مليون دولار وتقدر بأنها 20% من ميزانية المنظمة خلال تلك السنة. إن القرار الذي اتخذه دونالد ترامب تعرض الى انتقادات من كبار الشخصيات العامة مثل بيل غيتس الذي وصف القرار بأنه خطير للغاية. الرئيس الأمريكي يواجه أخطر أزمة خلال رئاسته بعد تفشي وباء فيروس كورونا وتجاوز عدد الإصابات في الولايات المتحدة 600 ألف إصابة وعدد الوفيات يزيد عن 30 ألف خلال فترة زمنية قصيرة جدا مقارنة بدول مثل الصين أو إيطاليا مما جعل الولايات المتحدة بؤرة للوباء ودعاية سلبية خلال الانتخابات الرئاسية.
دونالد ترامب يعلِّق أخطائه مرَّة على شماعة الصين, الإتحاد الأوروبي ومرة على منظمة الصحة العالمية ومرة على خصومه الديمقراطيين. دونالد ترامب رجل أعمال وليس لديه خبرة سياسية ولكن انتخابه كان أمرا مفروغا منه. دونالد ترامب يتم تحضره منذ نهاية الثمانينيات وتهيئة المسرح له حتى يفوز في الإنتخابات الرئاسية و من يتابع مقابلاته وتصريحاته سوف يستنتج ذلك.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment