تعتبر سنة 2020 سنة دموية بامتياز لها ما لها وعليها ماعليها. هناك الكثير من التوقعات والتنبؤات المتعلقة بسنة 2020 بداية من نوسترداموس وأشخاص معاصرين يظهرون على شاشات الفضائيات. حرائق ضخمة في أستراليا, إغتيال قائد فيلق القدس في القوات المسلحة الإيرانية الجنرال قاسم سليماني, وفاة لاعب كرة السلة الأمريكي الأسطورة كوبي براينت, الإعلان رسميا عن تفاصيل صفقة القرن وظهور فيروس كورونا في مدينة ووهان في الصين وانتشاره في دول العالم حيث أعلنت هيئة الصحة العالمية عن تحوله الى حالة طوارئ صحية عالمية. سنة 2020 لم تنتهي بعد ومازلنا في شهر أبريل حيث بوادر ظهور أزمة مالية وإقتصادية تفوق في شدتها أزمة 2007 ومن قبلها أزمة 1929 وهو ماحذَّرَ منه عدد من الإقتصاديين في دول غربية وفي العالم العربي, إن نهاية الرأسمالية قادمة وهناك نظام إقتصادي عالمي جديد سوف يحل محل الرأسمالية.
إن تاريخ وأسباب الأزمات الإقتصادية معقد وطويل ويستحيل شرحه في موضوع واحد وذلك بسبب تنوع الآراء التي تعتنقها المدارس الإقتصادية المختلفة والتي يؤمن بعضها بأنه يستحيل حصول الكساد لأن العرض يخلق الطلب الخاص به(نظرية ساي) وأن إقتصاد السوق الحر سوف يفرض حالة من التوازن الذاتي(الكلاسيك), بينما يؤمن البعض الأخر أن النظام الاقتصادي الرأسمالي لا يمكنه تحقيق التوازن الذاتي بشكل مستمر وأنه لابد من تدخل الدولة(المدرسة الكينزية) عبر زيادة الإنفاق على المشاريع العامة والبنية التحتية للتعويض عن حالة النقص في الطلب. الوضع الإقتصادي الحالي ينذر بالأسوأ خصوصا أن الجهود الحكومية قد فشلت في إنتشال الاقتصاد العالمي من حالة الانكماش التي تحولت مع مرور الوقت الى ركود إقتصادي بسبب أزمة الرهون العقارية 2007 في الولايات المتحدة.
أزمة فيروس كورونا تهدد الإقتصاد العالمي بالإنهيار الكامل خصوصا بسبب الإجرائات الشديدة الصرامة التي قامت بعض الدول باتخاذها خصوصا إغلاق المطارات وحظر السفر حتى داخل البلد نفسه وحظر التجول الذي فرضته بعض الدول بشكل جزئي بينما دول أخرى فرضت حظر تجول كامل وأعلنت قوانين الطوارئ. قطاعات مثل الطيران والشحن(بري,بحري,جوي) مهددة بالإفلاس الكامل وشركات الطيران مهددة بالانهيار. هناك عدد من شركات الطيران سوف تختفي وتظهر شركات طيران جديدة نتيجة عمليات الاستحواذ والدمج. قطاع السياحة مرتبط ارتباطا وثيقا بقطاع الطيران ويليه على قائمة أكثر القطاعات المهددة. هناك إغلاق كامل للأماكن السياحية في أغلب دول العالم وحتى السياحة الداخلية سوف تفشل في انتشال السياحة من أزمتها بسبب القيود على التنقل حتى بين المدن في الدولة نفسها.
على أرض الواقع, أغلب القطاعات الإقتصادية مهددة مع استثناء شركات تصنيع المواد الغذائية والطبية ومستلزمات النظافة خصوصا مواد التعقيم والتنظيف ومايرتبط بها. وقد شاهد الجميع أرفف المتاجر الفارغة في عدد من الدول الغربية وحتى تزاحم المواطنين على الشراء في دول عربية مما أدى الى بعثرة وتشتيت جهود مكافحة فيروس كورونا بسبب التدافع والتزاحم. كما أن قطاع البنوك وصناديق التحوط يمرون بفترة ذهبية مع تزايد الطلب على إصدار السندات والقروض من أجل تمويل خطط تنموية حكومية من أجل تخفيف الآثار الاقتصادية لأزمة فيروس كورونا. الولايات المتحدة سوف تصدر سندات دين سيادي تزيد عن تريليون دولار. الإتحاد الأوروبي يدرس إصدار سندات كورونا من أجل دعم إقتصاد دول مثل إيطاليا وإسبانيا الأكثر تضررا من الوباء.
الإنهيار الإقتصادي القادم بدأ ببطئ منذ سنة 2007 ثم فجأة سوف ينهار كل شيئ مرة واحدة خصوصا في بلدان لم تواكب مكافحة الكورونا بإجرائات اقتصادية فعالة وأغلب تلك الدول يقع في الوطن العربي. هناك دول قامت بدفع 75%-80% من رواتب موظفي القطاع العام وحتى شركات القطاع الخاص التي توافق على عدم تسريح موظفيها مثل بريطانيا والدنمارك. دول مثل كندا صرفت مبالغ مالية وصلت الى 2000 دولار الى كل شخص يقل دخله عن مستوى محدد وتم تسريحه من وظيفته بسبب أزمة فيروس كورونا. كما أن كندا, بريطانيا, الدانمرك ودول أوروبية أخرى قام بتأجيل دفعات القروض خصوصا الرهن العقاري وإيجار المنازل. ولكن دول غينيا الإفريقية أعلنت خطة من أكثر من 30 بند حتى إنتهاء فترة الخطر: مجانية فواتير الكهرباء والمياه للاشتراكات المنزلية وتأجيلها للاشتراكات التجارية فترة 3 شهور, تثبيت أسعار المواد الطبية والأدوية والمعدات الصحية ومواد التعقيم الى أجل غير مسمى, تجميد إيجارات المباني العامة والخاصة من 1/إبريل الى نهاية شهر ديسمبر, مجانية وسائل النقل من مواصلات عامة والسكة الحديد حيث سوف تقوم الحكومة بتقديم الدعم الى تلك القطاعات ومجموعة أخرى من الإجرائات. في دول عربية, يتم فرض حظر التجول والحظر المنزلي من دون أي خطط إقتصادية لتقديم الدعم الى من خسروا أعمالهم ووظائفهم إلا أن يكونوا ربما موظفين حكوميين. ومن يخرج من منزلة ويخالف التعليمات يعاقب بالسجن والغرامة. حتى في دول إفريقية تهتم بمواطنيها أكثر من بعض الدول العربية.
وفي ختام أزمة كورونا, سوف يخيب أمل أيتام الشيوعية والاشتراكية والمنظرين وفلاسفة الإقتصاد خصوصا في الوطن العربي التي تتمنى إنهيار الرأسمالية وزوالها. الرأسمالية نظام اقتصادي ليس وليد نظريات بل هو وليد الحاجة الإنسانية حيث وجد ليبقى. النظام الرأسمالي يمكن أن يضعف ولكنه لن ينهار, قوى التدمير الخلاق(Creative destruction) سوف تعيد توجيه رؤوس الأموال الى حيث القطاعات الأكثر ربحية خلال الأزمات الإقتصادية. النظام الإقتصادي الرأسمالي أزاح الأنظمة الإقتصادية المنافسة واحدا تلو الآخر. وحتى الإقتصاد الإسلامي في جوهره هو نظام اقتصادي رأسمالي وتعد المدرسة الكينزية هي الأقرب للإقتصاد الإسلامي من ناحية تدخل الدولة في الأسواق لمعالجة الإختلالات الإقتصادية وحالة عدم التوازن. النظام الإقتصادي الرأسمالي هو نهاية المطاف, قمة التطور وذروة التاريخ.
ملاحظة: يمكن لمن يرغب في المزيد من المطالعة حول الكساد والدورات الاقتصادية أن يقرأ لعالم الإقتصاد الأمريكي من أصل نمساوي جوزيف شومبيتر وعالم الاقتصاد الروسي نيكولاي كوندراتيف.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment