هناك الكثير من الأحداث الجارية على المستوى الدولي منذ بداية السنة والتي تدفع في إتجاه عدم التفاؤل وتوقع الأسوأ مما هو قادم من أحداث. وأنا هنا لا أتحدث عن نوسترداموس وشياطينه التي كانت تخبره الغيب, ولا عن الرموز المخفية في مسلسل عائلة سيمبسون, ولا عن نظريات المؤامرة التي لا أعتقد بها البتَّة. وحتى لو استثنينا مشكلة فيروس كورونا, مازال هناك الكثير والكثير من المفاجأت. رجل الأعمال وعملاق التكنولوجيا الأمريكي بيل غيتس شخص لا يتكلم من فراغ فهو من أهل مكة وهو أدرى بشعابها. خلال عدد من المناسبات لعل أهمها وأكثر إثارة للجدل حديث ألقاه سنة 2015 خلال أحد مؤتمرات تيد(Ted Talk) وهي مؤتمرات تعقد بشكل دوري للتعريف ونشر الأفكار الجديدة. خلال ذلك الحديث القصير الذي قد لا يتجاوز في بعض الأحيان 20 دقيقة, حذَّرَ بيل غيتس من أن العالم غير مستعد لمواجهة الوباء القادم. وفي فيديو آخر توقع بيل غيتس عدم عودة التجمعات الجماهيرية خصوصا في أماكن العبادة إلا بعد تطبيق برنامج تلقيح شامل. وقد توقع البعض أن يكون ذلك البرنامج إجباريا حيث يتم رفض تقديم خدمات حكومية أو علاجية لكل شخص يرفض تلقي اللقاح.
في أحد الوثائقيات التي شاهدتها على شبكة نيتفلكس, كان هناك حالة من الجدل في أحد الولايات الأمريكية نتيجة تفشي حالات من الحصبة خصوصا في المدارس ومحاولة حكومة الولاية فرض التلقيح الإجباري على جميع الأطفال ولكن تم رفض مشروع القانون الذي كان ينص على منع أي طفل يرفض أهله تلقي اللقاح من الدوام المدرسي. العالم يعيش كابوسا نتيجة إهمال مسألة الرعاية الطبية والإنفاق على الصحة العامة حيث تعرضت موازنات الصحة على مستوى العالم في دول عديدة الى التآكل بشكل مستمر. قد لا أتفق مع بيل غيتس في بعض وجهات نظره, وأنا هناك مجرد شخص عادي ولست ندا له بأي شكل من الأشكال, ولكن هناك الكثير من الإشاعات حول أجندات مالتوسية من أجل تقليص عدد سكان العالم ويقال أن بيل غيتس من المؤمنين بها حيث حذر سابقا من الزيادة السكانية. ولكن غيتس كان على صواب حين أخبر الجميع أنهم ليسوا مستعدين.
إن أزمة فيروس كورونا قد كشف عيوب النظام الرأسمالي الحالي وأنه بحاجة الى إصلاحات جذرية من أجل الحد من الطموح والجشع الغير محدود للنفس البشرية. هناك اختلالات رئيسية وجوهرية لابد من الوقوف عندها. هناك أطباء, ممرضون وعاملون في قطاع الصحة يتقاضون خلال سنة ما يتقاضاه لاعب كرة قدم في دوري الدرجة الأولى الإيطالي خلال أسبوع. حتى أن بعض الأطباء يفخر بدخله المرتفع ولايعلم أن هناك رياضيين يحققونه خلال أسبوع واحد بل ويتهربون من الضرائب ولديهم شركات وهمية وحسابات في ملاذات ضريبية. كلما زاد دخلك, زادت رغبتك في التهرب من الضرائب و ازدادت قدرتك على ذلك. عدد كبير من الأطباء والممرضين سقطوا ضحايا فيروس كورونا بسبب احتكاكهم المباشر بالمرضى وعدم توفر ملابس ومعدات واقية. في دول مثل مصر وحتى في دول أوروبية مثل إيطاليا وفي بريطانيا, أصيب ثلاثة أطباء بفيروس كورونا بسبب عدم توفر معدات وقاية واستخدامهم أكياس القمامة البلاستيكية لصناعة ملابس طبية للوقاية من المرض.
العالم كان لديه الوقت حتى يتحضروا من أجل مجابهة وباء فيروس كورونا وغيره من الفيروسات والأوبئة ولكنهم إختاروا أن لا يفعلوا. السياسيون فضلوا إنفاق أموال دافعي الضرائب على الأسلحة وأمور ثانوية أخرى لأن الرعاية الصحية سوف تساعد على إطالة عمر الشخص وتقليل عدد وفيات المواليد وزيادة متوسط معدل العمر وهو ما يتعارض مع أجندات تقليص السكان التي يعتنقها أشخاص مثل بيل غيتس ونادي روما. وفي وسط تلك الأزمة التي شغلت العالم, هناك فتحة مضيئة في نهاية نفق مظلم. وكما أظهرت الأزمة أسوأ جوانب الشخصية البشرية, إلا أنها أظهرت أيضا جانبها المضيء. هناك تضامن مع الأطباء والعاملين في القطاع الصحي, هناك مبادرات فردية مثل قيام من السكان الأصليين في أحد المدن الكندية برقصة تقليدية بإستخدام نوع من الطبول التقليدية(يشبه طبلة الرق العربية ولكن أكبر حجما) في منطقة سكنه, هناك غناء جماعي من على شرفات المنازل والبيوت. أنشطة ترفيهية وحتى أنشطة رياضية جماعية وماراثون على شرفات عمارة سكنية من أجل رفع معنويات السكان. حكومات دول عربية وغربية تصرفت بسرعة وكفائة في محاولة للتخفيف من آثار الأزمة. بينما هناك حكومات فرضت حظر التجول في بعض الحالات حظر تجول كامل وسجن وغرامة من يخالف من دون أخذ الإعتبار أن هناك أسر كاملة تعيش كل يوم بيومه ولا يمكنها تحمل كلفة منع تجول لفترة زمنية قصيرة أو طويلة.
الحكومة الكندية صرفت 2000 دولار شهريا ولمدة أربعة أشهر لمن خسروا أعمالهم ووظائفهم بسبب أزمة فيروس كورونا, الحكومة البريطانية تكفلت بدفع 80% من أجور الموظفين في الشركات التي قررت عدم الإستغناء عن موظفيها, الحكومة الدنمركية سارت على خطى نظيرتها في بريطانيا مع قرار دفع 75% من الأجور, الحكومة الفرنسية قررت تأجيل دفع إيجارات المنازل والعقارات التجارية وقروض البنوك وفواتير الماء والكهرباء. حتى حكومة دولة غينيا, إحدى دول إفريقيا الأكثر فقرا, أعفت السكان من دفع فواتير المياه والكهرباء وتأجيل القروض وإيجارات المنازل لمدة ثلاثة أشهر من ضمن 30 إجراء أخر أعلن عنها رئيس الوزراء.ابراهيما كاسوري فوفانا. ولكن على الجانب الأخر, هناك دول عربية وآسيوية تعلن حظر التجوال وتمنع مواطنيها من الخروج من منازلهم ولا تهتم بأي طريقة يحصلون على معاشهم أو من أين يحصلون على الأموال من أجل الإيفاء بالتزاماتهم من مأكل ومشرب وفواتير كهرباء ومياه. المهم أن يطبلون في الإعلام ويزمرون عن إنجازات مكافحة الفيروس ويعقدون مؤتمرات صحفية بينما المحجورين في بيوتهم لهم الله. والحقيقة أن الفشل خلال تلك الأزمة لم يكن محصورا بالحكومات وإن كانت الإعلام يحاول أن يوحي بعكس ذلك, ولكن أثرياء الوطن العربي وكبار رجال الأعمال فشلوا من الناحية الأخلاقية وحيث أنهم بعد كل تلك السنين من مراكمة الثروات, يقوم بعضهم بفصل موظفين أو الضغط عليهم للقبول بنصف الراتب ولا نسمع عن تبرعاتهم إلا فيما ندر.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment