إن مصطلحات مثل الإرهاب الإسلامي والإرهابيون المسلمون لا تخدم إلا أغراض وأهداف البروباغندا الغربية في تشويه صورة الإسلام والمسلمين وتبرير التواجد العسكري في المنطقة العربية للسيطرة على مصادر الثروات فيها خصوصا النفط والغاز. تلك المصطلحات التي خلقت من العدم بسبب ظروف الصراع مع الإتحاد السوفياتي خصوصا نهاية السبعينيات من القرن العشرين والحرب الأفغانية(١٩٧٩-١٩٨٩) يتم توظيفها إعلاميا في إطار صراع الحضارات وذلك ضمن إطار ماكينة إعلامية تعمل بتناغم وتنسيق بين جميع أطرافها حيث يتم صرف أموال هائلة لخلق صورة نمطية عن المسلمين الإرهابيين والاسلام الإرهابي منبع كل الشرور.
إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ليس أول رئيس دولة, سياسي أوروبي, أكاديمي أو كاتب غربي يستخدم تلك المصطلحات ويوظفها في إطار صراع الحضارات الإسلامي-المسيحي, رئيسة الوزراء الألمانية أنجيلا ميركل إستخدمت ذلك المصطلح قبل ذلك. كما أنني شاهدت تسجيلا على اليوتيوب يتحدث فيه قسيس فرنسي محذرا فيه من سقوط أوروبا في الهاوية وكذلك فرنسا بسبب الفاشية الإسلامية والتي يعتبرها أشد خطرا من النازية. إن توظيف مصطلحات الإرهاب الإسلامي وتعميم تهمة الإرهاب على المسلمين لا يخدم إلا المصالح الداخلية والخارجية للنخب السياسية والاقتصادية الغربية. داخليا, فإن إستخدام تلك المصطلحات وتعميمها على محطات الأخبار والإذاعات والصحف والشبكة العنكبوتية وتكرارها ليل نهار يخلق حالة من القلق أو لنقل الخوف أو الهلع لدى الشعوب الأوروبية حيث يسهل تمرير قوانين إستثنائية تحت مسمى مكافحة الإرهاب بينما هي على أرض الواقع هي قوانين مصممة للمزيد من السيطرة والتحكم بشعوب القارة الأوروبية وسلبها حريتها. كما أنه من الممكن تمرير أجندات إقتصادية أو قرارات سياسية أو حتى تعديل القوانين وكل ذلك سوف يواجه بمعارضة شعبية في الظروف الاعتيادية. خارجيا, يتم ابتزاز الدول التي يطلق عليها الدول المارقة سياسيا واقتصاديا حيث يتم فرض أجندات اقتصادية عليها تتعلق بإدخالها في دوامة العولمة واتفاقيات التجارة الحرة والانصياع لرغبات الدول الكبرى في المحافل الدولية خصوصا الأمم المتحدة والمؤسسات والهيئات التابعة لها. الدول المارقة هي الدول التي تعارض السياسات الأمريكية في العالم توصف بتلك الصفة.
الرئيس الفرنسي الذي أحرجه سؤال صحفي مصري له عن مظاهرات السترات الصفراء خلال لقاء مشترك جمعه من الرئيس عبد الفتاح السيسي أثناء زيارته لمصر وأجاب بأن سقوط قتلى وجرحى واعتقال عدد كبير من الأشخاص كان بسبب قيامهم بأعمال الشغب والتخريب وليس بسبب معارضتهم سياسات الحكومة أو تعبيرهم عن أرائهم. الرئيس الفرنسي غمز ولمز من طرف حقوق الإنسان في مصر خصوصا اعتقال المدونين بسبب كتاباتهم. ولكن المشكلة أن الجميع شاهدوا على قنوات الأخبار التي يبث بعضها مباشر من فرنسا كيف تعاملت الشرطة الفرنسية مع المتظاهرين وكيف استخدمت الرصاص الحي وقتلت عددا منهم وكيف إعتقلت آلاف المتظاهرين بطريقة مهينة لا تحترم كرامتهم ولا حقوقهم الدستورية بل وضربتهم ضرب غرائب الإبل كما تقول العبار العامية الشائعة. إذا القضية ليس لها علاقة بحقوق الإنسان التي هي أداة للابتزاز السياسي تستخدمها الدول الغربية ضد دول العالم الثالث, فلا يوجد أي فائدة ترجو من دول تحترم حقوق مواطنيها أو لنفترض أنها تفعل ذلك, بينما تسلب الشعوب الأخرى حقوقها وتحرمها من العيش بكرامة.
فرنسا التي تفتخر بتراثها الإنساني وثورتها التي غيرت العالم, الثورة الفرنسية(١٧٨٩-١٧٩٩), التي قسمت التاريخ إلى ما قبل وما بعد الثورة الفرنسية, الثورة التي قدمت للعالم مبدأ فصل الدين عن الدولة, لم تقم على تطبيق مبادئ تلك الثورة في البلدان التي احتلتها و استعمرتها ونهبت خيراتها لعشرات السنين. فرنسا ليست عبارة إلا عن دولة استعمارية تحن فيه لماضيها الاستعماري وتحاول بخطى حثيثة استعادته وتقاسم الكعكة الإستعمارية وفق إتفاقية سايكس-بيكو٢ مع دول استعمارية مثل الولايات المتحدة, بريطانيا, إيطاليا, ألمانيا وحتى بلجيكا. تلك الدولة التي تسيطر عليها ثقافة تفوق الرجل الأبيض العرقية العنصرية استعمرت بلدانا مثل لبنان, سوريا, تونس, المغرب, الجزائر ودول أخرى في أفريقيا وآسيا سيطرت عليها فرسا بالقوة المسلحة ولم تخرج منها إلا بالمقاومة المسلحة لسكانها الذين رفضوا الخضوع للمحتل. إن فرنسا التي استعمرت الجزائر ١٣٢ سنة ارتكب جرائم يندى لها الجبين حيث ترفض الإعذار عنها ودفع التعويضات المناسبة وتعتبر تلك نقطة خلاف رئيسية بين الحكومتين, الجزائرية والفرنسية, حتى يومنا هذا. فرنسا قامت بإجراء تجارب نووية في صحراء الجزائر على أهداف حية لمواطنين جزائريين تم اختطافهم واعتقالهم بهدف استخدامهم فئران تجارب لدراسة أثر الإشعاعات على البشر.
الرئيس الفرنسي الذي يقوم بجولة خارجية تهربا من إستحقاقات مظاهرات السترات الصفراء المستمرة في فرنسا والتي تهدد بإنتقال عدوى التمرد الى باقي أوروبا وحتى في دول عربية بدأ مواطنوها بتقليد المتظاهرين الفرنسيين. الرئيس الفرنسي ومن قبله رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون يتوعدون كل من يهدد الأمن القومي لبلادهم بالمحاسبة حتى لو كلف ذلك سقوط قتلى وجرحى وانتهاك حقوق المواطنين الدستورية بينما يعتبرون مظاهرات الربيع العربي خصوصا في تونس, سوريا, مصر وليبيا سلمية وأن أنظمة الحكم هناك تقمع المتظاهرين السلميين وتحرمهم حرية الرأي والتعبير. وكل ذلك يقال على الرغم من مقاطع الفيديو المثبتة التي تبثها التنسيقيات وصفحات النشطاء و الثورات المزعومة على وسائل التواصل الإجتماعي حيث يتم مهاجمة الممتلكات العامة والخاصة مثل الدوائر الحكومية ومصانع الأدوية وحليب الأطفال وحرقها وتخريبها. كما أن تلك الصفحات تتفاخر بنشر فيديوهات الإعتداء على رجال الأمن والشرطة والقوات المسلحة في بلدان الربيع العربي المزعوم بدون أن يلقى ذلك أي إستنكار من قبل وسائل الإعلام الغربية خصوصا الأمريكية والبريطانية والفرنسية التي تتعامل مع الأحداث ازدواجية ونفاق حيث أن القوانين المعمول بها في تلك البلدان قد تلقي بمواطنيها سنين طويلة وراء القضبان بتهمة مقاومة رجال الشرطة والأمن والإعتداء عليهم.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment