بداية, أحب أن أوضح أن جميع الأديان بلا استثناء تمتلك صفحات مظلمة من تاريخها تحاول وبإستمرار إخفائها عن أتباعها أو إنكارها, وفي أفضل الأحوال تقديم تبريرات غير معقولة يتم الخلط فيها بين الدين والسياسة بطريقة تثير دهشة كل عاقل في المدى الذي من الممكن أن يصل إليه رجال الكهنوت في سبيل بحثهم عن الثروة والسلطة. إن التقليد الأعمى والتفسير الحرفي للنصوص الدينية من قبل رجال الكنيسة قد أدى بأوروبا إلى اكثر الصفحات ظلامية في تاريخها حيث سيطرت الكنيسة على الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية. إن مشكلة المسيحية, وهي مازالت قائمة حتى يومنا هذا, تمسكها بالتقليد والموروث واستمرار بحثها عن دور سياسي هنا أو هناك على الرغم من تقديم مبدأ فصل الدين عن الدولة الذي يكاد أن يكون الأمر الإيجابي الوحيد الذي قامت به الثورة الفرنسية(١٧٨٩-١٧٩٩) حيث بدأ عصر التنوير ومقاومة سلطة الكنيسة المطلقة.
الإسلام تعرض لتقلبات وعصف فكري بدأ مباشرة بعد وفاة الرسول عليه أفضل الصلاة والتسليم حيث كاد أن ينشب نزاع بين الصحابة حول خلافته حيث أمكن تجنب ذلك بشق الأنفس بفضل براعة وحنكة عمر إبن الخطاب رضي الله عنه الذي أخذ بيد أبي بكر رضي الله عنه وبايعه. ولكن الإستقرار لم يدم طويلا حيث أنه من بين الخلفاء الأربعة, توفي ثلاثة منهم اغتيالا. وخلال العهد الأموي, تم اغتيال الخليفة عمر بن عبد العزيز بالسم لأنه كان حازما في أمور الدولة حاول أن يقيم ميزان العدل فقتله أولاد عمومته وأقربائه. وكما نشب الشقاق بين الأمويين أنفسهم, فإن العباسيين لم يكونوا بأفضل حالا, فهم قد قاموا وفور استيلائهم على الخلافة بملاحقة كل من ينتمي لبني أمية وقتله ثم جرى عليهم ما جرى على الذين من قبلهم فقتلوا بعضهم البعض في سبيل الحكم والسلطة.
إن محاولة تبرئة الأديان من تاريخها الدموي وكمية العنف والدماء التي سفكت بإسم الله والرب قد فشلت أما الحقائق التاريخية الدامغة التي تدين رجال الكهنوت وتفسيراتهم المغلوطة للنصوص الدينية. إن الغلو في الدين والتطرف أمران لم يسلم منهما الإسلام, المسيحية أو اليهودية على حد سواء. وأنا هناك أتحدث عن الأديان الثلاثة الرئيسية ولكن ما ذكرته يشمل جميع الأديان وإلا كيف يمكن أن يتم تبرير جرائم البوذيين في بورما(ميانمار) وجرائم السيخ والهندوس المتطرفين في الهند. إن الدين ليس إلا عاملا محفزا لنوازع الخير أو الشر التي تكون مغروسة في أعماق النفس البشرية وكيفية فهم النصوص الدينية هو أمر منوط بتوجه الشخص نفسه نحو تلك النوازع. محاولة تبسيط مشكلة العنف في الأديان وحصرها بمفهوم الإرهاب الإسلامي هو تعامل غير حيادي مع تلك المسألة فجميع الكتب المقدسة تحتوي على نصوص يمكن أن يفهم منها إرتكاب العنف بحق المخالفين وحتى غير المخالفين. كما أن حصر مشكلة إقتباس النصوص عند إرتكاب أعمال العنف والإرهاب هو محاولة جبانة للهروب الى الأمام. وسوف أقوم في الفقرة التالية بإستعراض لبعض النصوص الدينية وكيف أنها ناقضت التراث الشفوي الموروث حيث أدى ذلك الى ارتكاب المجازر الدموية بحق المخالفين وغير المخالفين.
العهد القديم من الكتاب المقدس يحتوي على أكثر النصوص دموية واجراما. في سفر هوشع ١٦:١٣, يأمر الرب بمعاقبة مدينة السامرة بسبب تمردا عليه حيث يقتل الرجال, يحطَّمُ الأطفال وتشق بطون الحوامل. وفي مزمور ١٣٧, يبارك الرب من يمسك أطفال بابل ويضرب بهم الصخرة. وفي أكثر من إصحاح في سفر الخروج, على سبيل المثال (خروج ٢٣:٢٣), يعد الرب موسى إبادة جماعية لشعوب الكنعانيين والحثيين والأموريين واليبوسيين وغيرهم ممن يسكنون في أرض الميعاد المزعومة. في صموئيل الأول ١٥:٣, يأمر الرب بقتل رجال ونساء وأطفال العماليق وذلك يشمل الرضع منهم. بل حتى البقر والغنم والجمال والحمير لم تسلم من أوامر القتل. مصير سكان مدينة أريحا لم يكن بأفضل حالا من قوم العماليق حيث قتل بحد السيف سكانها من رجال ونساء وكبار السن وأطفال ولم تسلم ماشيتهم من القتل. ثم قام يشوع بعد نهب المدينة وجعل كل الذهب والفضة في خزانة الرب بحرقها وقام بإصدار أمر بمنع بنائها مرة أخرى. في العهد الجديد من الكتاب المقدس, تتناقض أوامر التسامح والمحبة مع أوامره بقتل المخالفين بالسيف. في نصوص(متى ١٤:١٠, لوقا ٥:٩ و١١:١٠) يأمر المسيح حوارييه بأن ينفضوا عن أقدامهم غبار المدن التي يبشرونها ولا تستمع لهم بالتوبة واقتراب الملكوت. ولكنه في لوقا ١٧:١٩, يأمر بذبح أعدائه الذين لم رفضوا أن يملَّك عليهم بالسيف. القرآن الكريم يأمر بحرية العبادة كما ذكرت سورة البقرة آية ٢٥٦{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ…} ولكن الأحاديث في كتب الصحاح تذكر نقلا عن الرسول عليه أفضل الصلاة والتسليم: [أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله…], وحديث [بُعِثْتُ بين يَدَيِ السَّاعة بالسَّيف...وجُعِلَ رِزْقي تحت ظلِّ رُمْحي…]. إن القرآن وحي تكفل الله بحفظه من التحريف ولكن السنة النبوية التي كان يتم تناقلها شفاهة حتى تدوينها من قبل البخاري ومسلم وغيرهم وبعد فترة زمنية طويلة من وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام تقدر بأكثر من ٢٠٠ عام. إن المخطوطات الأصلية لمؤلفات البخاري ومسلم وكتب الصحاح الأخرى مفقودة وأقدم النسخ ترجع الى ١٥٠-٢٠٠ سنة بعد وفاة مؤلفيها, أي في القرن الرابع الهجري. فإذا كان السؤال عن النسخ الأصلية لكتب الصحاح هو شطط في الطلب ويؤدي بالسائل الى مصحة عقلية لخروجه عن السوية البشرية السليمة كما ذكر موقع الإسلام سؤال وجواب للشيخ محمد صالح المنجد, كيف يناقض رجال الدين المسلمين مع أنفسهم ويعيبون على المسيحيين فقدان نسخ الأناجيل الأصلية والكتاب المقدس؟
إن جميع الأديان تعرضت للعصف الفكري الذي تعرض له الإسلام ولكن الإسلام حافظ على خصوصية نصوصه الدينية المقدسة المتمثلة في القرآن الذي بقي محفوظا من التحريف ولذلك بقي أصل الدين محفوظا بسبب أمانة المسلمين في نقل كتابهم حيث كان يتم إنتاج مخطوطات متطابقة للقرآن وأي خطأ في النسخ كان يتم تصحيحه بينما تكاد لا تجد مخطوطتين متطابقتين للكتاب المقدس. ولكن المشكلة التي تعاني منها الأديان وخصوصا الإسلام هي تغليب كتب التراث على النصوص المقدسة(القرآن), جهود بشرية على الوحي الإلهي, الحديث الشريف على القرآن الكريم. بل وأصبح رجال الدين يحاولون التنقيب في كتاب التاريخ والتراث لتبرير تناقض الأحاديث مع الآيات القرآنية مع العودة للمربع الأول الذي لجأت إليه الكنيسة من قبل وهو حرمان وتكفير كل من يخالف آراء الكنيسة, وهو ما قام به رجال الدين المسلمين حيث يعتبر ذلك سلاحهم الأخير في مواجهة كل من يخالف آرائهم حيث يتعرض البعض للقتل بدعوى التكفير وإهدار دمه.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment