يبدو أن قرار الرئيس الأمريكي الإنسحاب من سوريا قد أدت الى إصابة بعض المعارضين السوريين وحتى الأكراد بلوثة عقلية لأن ذلك القرار قد كشف ضعفهم وجعلهم مكشوفين في العراء على الرغم من أكثر من ثمانية سنين من الدعم الغربي بالمال والسلاح وتسخير آلاف القنوات الفضائية والتلفزيونية والإذاعات والصحف ومواقع الإنترنت لخدمة قضيتهم الثورية المزعومة. إعلام الثورة المزعومة يعيد ويكرر في كل مرة نفس الأسطوانة المشروخة عن التدخل الأجنبي في سوريا ولكن ذلك لا يشمل التدخل الأمريكي والفرنسي والبريطاني وحتى الصهيوني حيث يعالج جرحى التنظيمات الإرهابية في مستشفيات فلسطين المحتلة وتحظى تلك التنظيمات بكافة أنواع الدعم من الكيان الصهيوني الغاصب.
الأكراد من ناحيتهم وبعد أن انكشفوا أمام قوات الجيش التركي العازمة على استئصال شأفتهم حتى لا يمكن لهم المطالبة بدولة مستقلة, سارعوا الى إعلان التوبة والندم للدولة السورية والمطالبة بإرسال قوات من الجيش العربي السوري من أجل التصدي للجيش التركي والميليشيات المساندة له التي أعملت في الأكراد قتلا وتنكيلا خلال عملياتها الأخيرة في بعض مناطق سوريا حيث ألحقت بهم خسائر كبيرة. إن مشكلة الأكراد أنهم لم يتعلموا من دروس التاريخ وتلك هي نفس المشكلة التي يعاني منها أولئك الثوريون الحالمون بإسقاط الأنظمة وتسليم البلدان العربي الى فوضى كونداليزا رايس الخلاقة, هم ليسوا إلا أدوات سوف يتم التخلص منها فور انتهاء الحاجة إليها وذلك ما حصل قبل ذلك في أفغانستان حيث قام الإعلام العربي بتحريض الشباب من أجل قتال الشيوعية ثم تم زجهم في السجون فور عودتهم لبلدانهم بطلب أمريكي تحت مسمى إعلامي هو "العائدون من أفغانستان." الأكراد يريدون من أمريكا أن تحارب تركيا, العراق, إيران, سوريا وأن تيم تقسيم تلك البلدان بمباركة أمريكية من أجل إقامة دولة كردية مزعومة يرون أن لهم حقا تاريخيا فيها.
الدول الغربية تورطت في سوريا بداية من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا حتى دولة مثل الدانمارك أرسلت قوات خاصة و فرقاطة حربية الى سوريا. والآن تتخوف الدول الغربية من قضية "العائدين من سوريا والعراق" حيث تورط آلاف من الشباب الغربي في القتال الدائر في البلدين. دول مثل السويد والدنمارك لا تمتلك الإمكانيات للتعامل مع أولئك العائدين المتشبعين بالفكر المتطرف. الدانمارك دولة تسرح وتمرح فيها عصابات الجريمة المنظمة والأجهزة الأمنية تقف عاجزة عن السيطرة عليها أو الحد من نشاطها بينما السويد تعاني حالة غير مسبوقة من الفلتان الامني مع تزايد شكاوي المواطنين السويديين من حالات التحرش والسرقة والإغتصاب حتى أصبحت بعض المناطق في السويد خارجة عن سيطرة الحكومة. عدد كبير من عناصر تنظيمات مثل جبهة النصرة وداعش تسللوا الى أوروبا خلال موجة الهجرة التي واكبت الأحداث السورية وقاموا على تشكيل خلايا نائمة في إنتظار الأوامر من مشغليهم لضرب استقرار الدول الأوروبية عبر موجة غير مسبوقة من أعمال العنف والهجمات في عدد من بلدان القارة العجوز.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي قام بالتغريد عن قراره الانسحاب من سوريا وأن سوريا لا تحتوي على ثروات ضخمة ولكن تاريخ التورط الأمريكي في سوريا ليس وليد الأمس بل هو يعود الى سنة ١٩٤٩-١٩٥٠ على هامش الحرب الباردة والصراع مع الإتحاد السوفياتي. ولكن الرئيس الأمريكي كذاب فهو يعلم أن سوريا تحتوي على ثورات هائلة من النفط والغاز وهي غير مستغلة ويسيل لها لعاب الشركات النفطية الأمريكية وذلك إن حصرت الحديث بالمجال الإقتصادي. ولكن تغريدة الرئيس الأمريكي ومقالات المعارضين السوريين الذي يشرحون ويفصلون تلك التغريدة لا تذكر لنا الأسباب التي تدفع القوات الأمريكي للتواجد في بلد مثل اليمن أو الصومال أو أفغانستان وهي بلدان من المفترض أنها فقيرة ومن دون موارد طبيعية. هل حقول الأفيون وكميات الليثيوم المكتشفة في أفغانستان والتي تقدر تريليون دولار أمريكي هي سبب تواجد القوات الأمريكية هناك؟
المعارضون السوريون الذين يتوزع قادتهم في فنادق الخمس نجوم في بلدان أوروبا وفي بلدان المهجر بينما يرسلون الشباب السوري المخدوع للموت في سبيل قضية هم أنفسهم لا يؤمنون بها, هم أنفسهم لا يتجرأون على العودة والإقامة حتى في المناطق التي يصفونها بأنها محررة ولا حتى زيارة مخيمات اللاجئين السوريين والتضامن معهم. كما أنهم يصفون أنفسهم بأنهم علمانيون وأنهم يعدون الشعب السوري بإقامة مجتمع الحرية والديمقراطية ولكنهم في الوقت نفسه يرحبون بمقاتلين من أكثر من ثمانين دولة ويصفونهم بأنهم جهاديون قدموا لمساعدة الشعب السوري وفي الوقت نفسه لا يسئلون كيف تم تجنيدهم ومن يدفع لهم رواتبهم ويؤمن لهم وصولهم الى الأراضي السورية والعراقية ومن يمدهم بالسلاح والمؤن. أولئك المعارضون المتحذلقون يظهرون على المحطات الفضائية ليبيعوا الشعب السوري الأوهام والأحلام الوردية ويتحدثون عن المعارضة السورية المعتدلة التي كانت تقوم بتجنيد الأطفال لقطع رؤوس مواطنين وجنود سوريين ألقاهم حظهم العاثر بين أحفاد يأجوج ومأجوج وذلك حتى قبل ظهور تنظيمات مثل جبهة النصرة وداعش, تنظيمات معتدلة مثل نور الدين زنكي الذي يضم في عضويته مقاتلين يعملون في الوقت نفسه مع ما يسمى بمنظمة الخوذ البيضاء الإرهابية ويقطعون رؤوس الأطفال بالسكين وبتهم زائفة وباطلة وينصبون أنفسهم قضاة وجلادين. أولئك المعارضين السوريين الذين يتحدثون عن ميليشيات أجنبية تقاتل الى جانب الجيش العربي السوري ولا نسمع لهم كلمة واحدة عن عصابات مرتزقة من أكثر من ٨٠ جنسية لا تضم بين أعضائها سوريا واحدا وتقوم بشكل يومي بقتل مواطنين سوريين أبرياء وترفع شعارات مثل الديمقراطية كفر وتعتبر أن الديمقراطية بدعة والإنتخابات ضلالة وتعتبر تنقيب النساء وإطالة اللحية من أهم أولوياتها. أولئك المعارضين هم ليسوا إلا نجوم محطات تلفزيونية وفضائيات ليس لهم أي تواجد على الأرض السورية ولا يملكون أي سيطرة على أي ميليشيات معارضة تقاتل في سوريا ولذلك لا أحد يعيرها أي اهتمام فهم ليسوا إلا مجرد ديكور.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment