Flag Counter

Flag Counter

Wednesday, February 20, 2019

المجد للرب وحده, صفحات من التاريخ الدموي للكنيسة المسيحية الغربية

إن النقاش حول تاريخ الكنيسة الغربية الدموي مع أذنابها من المبشرين العرب وحتى مع أتباع المسيحية اليمينية المتصهينة هو نقاش سوف ينتهي بدون نتيجة بسبب تعنت الطرف الثاني ورفضه جميع المصادر التاريخية والأدلة التي يسوقها له الطرف الأول حول الجرائم التي ارتكبتها الكنيسة المسيحية الغربية بإسم الرب حيث ضحايا بالملايين. ثم إننا عندما تستمع لأحد أولئك المبشرين أو أحد نجوم اليوتيوب ووسائل التواصل الإجتماعي وهو يمتدح تاريخ الكنيسة وينتقد الإسلام والمسلمين يتخيل أنك تستمع لملاك يتحدث عن الديانة الفاضلة والمدينة الفاضلة. تاريخ المسيحية الغربية مليئ بكل ماهو مقزز من مجازر جماعية وقتل وسفك دماء واضطهاد العلماء ومعاداة العلم بما أدى بأوروبا الى أن تعيش فترات مظلمة من تاريخها عرفت بإسم العصور المظلمة أو القرون الوسطى. ذلك التاريخ يتفوق بمراحل على كل إنتقاد مماثل يتم توجيهه من قبل أولئك المبشرين للإسلام والمسلمين خصوصا في قضايا مثل إنتشار الإسلام بالسيف أو تحريف القرآن أو معاملة المرأة ومكانتها في الإسلام, ضحايا محاكم التفتيش الكنسية فاقوا عدد ضحايا جميع حروب المسلمين منذ معركة بدر وحتى يومنا هذا.
الكنيسة الكاثوليكية وبعد أن فشلت في قمع أصوات المعارضين بإستخدام الوسائل التقليدية خصوصا الحرمان الكنسي والقتل, بدأت بتصدير مشاكلها للخارج من خلال الإعلان عن الحملات الصليبية من أجل استرداد مدينة القدس من الهراطقة المسلمين حيث تم إصدار صكوك الغفران لكل من يشارك في الحملة التي دعا اليها البابا أوربان الثاني سنة ١٠٩٥. ولكن الحملات الصليبية بعد أن استنفذت أهدافها و زخمها في الشرق, بدأت بدأت باستهداف الطوائف المسيحية الغربية المعارضة لسلطات الكنيسة. أحد تلك الحملات الصليبية كانت ضد طائفة الكاثار التي ازدهرت في جنوب فرنسا وتميزت بتحررها من سلطات الكنيسة والتعايش السلمي بين الكاثوليك والكاثار والمسلمين واليهود, والفنون والعمل بالتجارة والزراعة فتحول جنوب فرنسا الى أحد أكثر المقاطعات الفرنسية ازدهارا. وخلال إحدى مراحل الحملة, تمكنت القوات الصليبية والتي كانت مؤلفة بشكل رئيسي من المرتزقة وبعض المتطوعين من السيطرة على مدينة "بيزييه" التي تقع في إقليم "لانغدوك" في جنوب فرنسا وأصدر قائد الحملة النائب البابوي أرنؤود عموري الأمر بذبح جميع سكان المدينة. ولكن عندما سألوه أنه كيف يمكن التمييز بين سكان المدينة من الكاثوليك وبين الكاثار فأجابهم:"اقتلوهم جميعا والرب سوف يعرف مختاريه," سكان المدينة كانوا أغلبية من الكاثوليك مع أقلية تنتمي لطائفة الكاثار. عدد قتلى تلك الحملة(١٢٠٩-١٢٢٩) بلغ مليون شخص حيث أنه في مدينة بيزييه والتي كانت مدينة مزدهرة بالسكان تراوحت التقديرات بين ٦٠-١٠٠الف قتيل.
محاكم التفتيش الكنسية والتي نشرت الرعب في طول أوروبا وعرضها خلال أكثر من خمسة قرون من ممارسة الاستبداد والقتل بإسم الدين والرب تعتبر مسؤولة عن سقوط عدد كبير من الضحايا. وقد قامت الكنيسة بتشريع الإعدام حرقا بناء على نص من إنجيل القديس يوحنا, الرابع ترتيبا بين كتب العهد الجديد من الكتاب المقدس, حيث يقول نص(يو ٦:١٥) نقلا عن يسوع المسيح:"إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يَثْبُتُ فِيَّ يُطْرَحُ خَارِجًا كَالْغُصْنِ، فَيَجِفُّ وَيَجْمَعُونَهُ وَيَطْرَحُونَهُ فِي النَّارِ، فَيَحْتَرِقُ." كما أن تشريع إستخدام التعذيب في الكنيسة الكاثوليكية بقي ساريا منذ عام ١٢٥٢ حتى عام ١٩١٧ حيث تم إقرار مدونة قانونية جديدة. وكان من أكثر وسائل التعذيب شيوعا هي: التعليق والتعذيب بواسطة الماء(الإيهام بالإغراق) ودهن جسم الضحية بالدهن والقيام بشوائهم ببطئ وكذلك الأفران التي استخدمت من أجل الناس أحياء. وقد كان اليهود من ضحايا محاكم التفتيش خصوصا في الأندلس حيث تم منحهم الخيار قبول الدين المسيحي أو الطرد. وكانت محاكم التفتيش تقتل بإستخدام أبشع الطرق كل من يثبت قبوله للمسيحية في الظاهر واستمراره في الباطن على يهوديته. وفي كثير من الأحيان كانت لا تحتاج لدليل من أجل خوزقة أو حرق المهرطقين حيث تكفي وشاية مجهولة كدليل إدانة وغالبا ما كان المتهمون يوقعون على إقرارات انتزعت منهم بتأثير التعذيب الشديد حيث كانوا يفضلون الموت على عدم الإعتراف وتحمل التعذيب والإهانة.
سكان الأراضي الجديدة التي اكتشفها كريستوفر كولومبوس وأطلق عليهم إسم الهنود لم يكونوا بأفضل حالا حيث لحقت محاكم التفتيش بالمكتشفين الجدد وبدأ عملها بتطهير تلك الأراضي من الكفار والوثنيين و المهرطقين حيث كانت عقوبة الإعدام حرقا هي المفضلة لدى قضاة تلك المحاكم. كريستوفر كولومبوس كان هدفه تحويل الكفار الهنود الى الإيمان المقدس حيث جرى إستعباد آلاف الأمريكيين المحليين وتصديرهم للعمل كعبيد. كما أنه كان شائعا إغتصاب النساء حتى من قبل كولومبوس نفسه حيث كانت تلك ممارسة منهجية وليس مجرد تصرفات فردية. ولكن هدف كريستوفر كولومبوس والبعثات التبشيرية لم يكن له علاقة بنشر المسيحية أو تطهير الأراضي الجديدة من الوثنيين والكفار بل كانت له أهداف اقتصادية حيث تمت مصادرة أراضي السكان الأصليين وقتل كل من كان يرفض ذلك. رجال البعثات التبشيرية في الأراضي الجديدة قاموا بتكديس ثروات هائلة من الإستثمار في الأراضي الجديدة وكان يتم تبرير مصادرة أراضي كل شخص من السكان الأصليين يرفض إعتناق المسيحية. عمليات الإبادة الجماعية والقتل بتهمة الوثنية الهرطقة سقط ضحاياها عشرات الملايين من السكان الأصليين فيما يعرف اليوم بالولايات المتحدة وكندا,  وفي أمريكا اللاتينية في المكسيك وبيرو وكذلك في أستراليا.
إن تجاهل المبشرين جرائم الكنيسة المسيحية الغربية والتركيز على تاريخ المسلمين الذين يصفونه بأنه دموي هو من التخاذل الذي يتميز به هؤلاء. فأغلبهم, لا يملك الشجاعة على إنتقاد تاريخ المسيحية الغربية الدموي ويركز بدلا من ذلك على الإسلام والمسلمين. والحقيقة أن الكثير من المسلمين يوجهون الإنتقادات لنصوص التراث الإسلامي التي تحولت بفعل عامل الزمن والتكرار الى نصوص مقدسة ويتحلون بالشجاعة لتوجيه الانتقاد لرجال الكهنوت المسلمين ممن أقاموا محاكم للتفتيش تماثل محاكم التفتيش الكنسية. تلك الشجاعة التي لا يتحلى بها نظرائهم المسيحيون من المبشرين والقساوسة حيث لا يتوجب على أي مسلم مناظرة أو نقاش أي مبشر مسيحي لا يعترف بالحقائق الدامغة حول تاريخ الكنيسة الدموي. والحقيقة أنني أستغرب من بعض المسيحيين العرب دفاعهم عن الكنائس الغربية وإيمانها فهي أولا وأخرا تعتبرهم هراطقة مساوية لهم في ذلك مع المسلمين والشعوب الوثنية الأخرى. وقد قمت في هذا الموضوع بالإختصار قدر الإمكان وتجاهل بعض النقاط التي قدمت لها في مواضيع سابقة مثل الحروب الدينية المسيحية في أوروبا فلم يكن هناك داعي لتكرارها وإعادتها.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

النهاية

No comments:

Post a Comment