هناك مقولة مشهورة عن جوزيف غوبلز والذي كان يشغل أحد أهم المناصب في ألمانيا النازية وهو وزير الإعلام:"أعطني إعلاما بلا ضمير, أعطك شعبا بلا وعي." إن هناك الكثير من الحقائق التي يتم التعتيم عليها بواسطة وسائل الإعلام الغربية وذلك بهدف التحكم بالرأي العام للجماهير(الرأي الجمعي) وفق أحدث نظريات علم النفس والإجتماع والغاية هي الحصول التأييد اللازم لقرارات لن تلقى دعما شعبي لو تم كشف الحقائق وعرضها كاملة على المواطنين. هناك الكثير من الأمثلة التي يمكن الحديث عنها: عمليات التضليل التي رافقت الحرب العالمية الأولى والتي كان الهدف منها تهيئة الرأي العام الأمريكي وجعله أكثر قبولا لدخول الولايات المتحدة الحرب, وعمليات التضليل التي سبقت إنضمام الولايات المتحدة لقوات الحلفاء في الحرب العالمية الثانية, عمليات التضليل التي تلت أحداث 11 سبتمبر في الولايات المتحدة بهدف جعل الرأي العام الأمريكي أكثر تأييدا لتقييد الحريات وانتهاك الخصوصية والتي تم منحها الغطاء القانوني تحت مسمى قانون باتريوت. لندنستان وهو إسم مستعار لعاصمة الضباب التي حولتها الحكومة البريطانية لعاصمة الإرهاب ومركز تمويل وتخطيط وتنفيذ العمليات الإرهابية ضد مواطنين بريطانيين وعلى مستوى العالم.
خلال فترة التسعينيات والتي إزدهرت فيها أعمال الإرهاب الأسود خصوصا في دول مثل الجزائر,ليبيا, ومصر, فقد كانت جماعات إرهابية مثل الجماعة الإسلامية الجزائرية(GIA), الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة وتنظيم الجهاد الإسلامي المصري تدير مكاتبها في لندن تحت سمع وبصر الحكومة البريطانية وأجهزتها الأمنية. حتى أن تنظيم القاعدة كانت يعتبر لندن المركز العصبي لعملياته في أوروبا. ملايين الجنيهات الإسترلينية التي تم جمعها من لندن بواسطة تلك الجماعات قد تم إرسالها لتمويل عمليات وجماعات إرهابية حول العالم. خلال الفترة الممتدة 1990-2005, فقد كان عدد الإرهابيين المقيمين في العاصمة البريطانية حوالي 3000 إرهابي حيث لم يكن من المعلوم خارج الدوائر الأمنية البريطانية ان هناك عدد كبيرا من المواطنين البريطانيين يقومون بزيارة دول كأفغانستان وباكستان من أجل تلقى تدريبات عسكرية ودروس أيدولوجية أشبه بعمليات غسيل الدماغ. الحكومة البريطانية كانت تمنح إرهابيين دوليين يتبعون تنظيمات إسلامية متطرفة صفة لاجئ والامتيازات التي ترافقها خصوصا المنزل الحكومي والراتب الشهري وذلك مقابل عدم القيام بعمليات إرهابية داخل بريطانيا. أبو حمزة الإمام السابق لمسجد حديقة فايزبري(Finsbury Park), خالد الفواز مدير مكتب اسامة ابن لادن في أوروبا, عمر بكري وجميعهم من أشهر الشخصيات الإرهابية ذكرت أنها كانت تمارس نشاطاتها الإرهابية حول العالم إنطلاقا من العاصمة البريطانية بموجب عقد غير مكتوب مع الحكومة البريطانية بأن لا تستهدف تلك النشاطات أهدافا داخل بريطانيا.
الحكومة البريطانية لم تكتفي بالتغاضي عن تواجد الإرهابيين على أراضيها بل قدمت لهم دعما مباشرا كما في حروب تقسيم يوغسلافيا وهي التي لعبت فيها بريطانيا دورا رئيسيا. ولكن شهر العسل الطويل بين الحكومة البريطانية من ناحية والتنظيمات الإرهابية من جهة أخرى بدأ بالتعرض للضغوط الدولية بسبب أحداث 11\سبتمبر حيث صرح الرئيس الأمريكي جورج بوش الإبن بأن من ليس معنا فهو علينا. الحكومة البريطانية التي تعرضت للإحراج أمام حليفها الأمريكي بسبب تواجد تلك التنظيمات الإرهابية على أراضيها و تأييدهم العلني لأحداث سبتمبر فبدأت بالتضييق عليهم بإصدار قانون لمكافحة الإرهاب يسمح للأجهزة الأمنية صلاحيات أوسع بالقبض على الإرهابيين المشتبه بهم ومحاكمتهم أو نزع صفة اللاجئين عنهم وتسليمهم للولايات المتحدة أو لدولهم الأم. حركة المهاجرين التي يترأسها عمر بكري أصدرت في أوكتوبر 2001 بيانا ذكَّرت حكومة رئيس الوزراء توني بلير بالعقد الشفوي بينها وبين تلك التنظيمات وأن الحكومة البريطانية جالسة فوق برميل بارود مهدد بالإنفجار بسبب تعرض الحركات الإسلامية في بريطانيا للمضايقات. ولكن من الخطأ الإعتقاد بأن العلاقة بين الحكومة البريطانية وأجهزتها الأمنية من جهة وبين التنظيمات الإرهابية الأصولية من جهة أخرى قد إنتهى إلى غير رجعة. الأجهزة الامنية البريطانية رصدت في عدة مناسبات خلال سنة 2004 محادثات بين من قاموا في وقت لاحق بتفجيرات لندن 2005 تتعلق بتقديم الدعم لتنظيم طالبان في باكستان وأفغانستان. وبسبب أن تلك المحادثات لم تتضمن أي إشارة لهجمات على الأراضي البريطانية فلم يتم إجراء أي تحقيق ولو بشكل وقائي مع أولئك الإرهابيين المحتملين.
هناك مجموعة من النقاط لابد من ذكرها قبل أن نختم الموضوع حتى تتضح الصورة. أولها, أن الحكومة البريطانية قدمت دعما مباشرا وغير مباشر للتنظيمات الإرهابية الأصولية بموجب عقد شفوي تمتنع فيه عن مهاجة أهداف داخل الأراضي البريطانية. ثانيها, الحكومة البريطانية قد غضت النظر عن التحريض على العنف الذي كان يقوم به خطباء مساجد في لندن ينتمون لتنظيمات أصولية منهم أبو قتادة والذي كان يعمل بوظيفة الناطق الرسمي بإسم تنظيم القاعدة في أوروبا وأبو حمزة والذي قامت الجالية الإسلامية في لندن بتقديم سبعة بلاغات ضده للحكومة البريطانية بسبب خطبه التحريضية والمتطرفة بدون أن تحرك سكوتلنديارد والأجهزة الأمنية البريطانية ساكنا. وأخيرا, فإن الحكومة البريطانية سمحت للأصوليين الإسلاميين بزيادة نفوذهم في أوساط المسلمين البريطانيين بالترخيص لمحاكم إسلامية يرأسها قضاة متطرفون ومنحت تلك المحاكم السلطة القانونية لجعل أحكامها وتشريعاتها نافذة. الحكومة البريطانية كغيرها من الحكومات الأوروبية تستخدم التنظيمات الأصولية كأدوات على المستوى الدولي كما هي على المستوى المحلي كغطاء لكي تسلب شعوبها الحريات التي اكتسبوها بقوانين ظاهرها مكافحة الإرهاب وباطنها المزيد من السيطرة على شعوبها والتحكم بها.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment