العولمة أصبحت أمرا واقعا بفضل التطور في أمرين إثنين يجب أن لا يغفل عنهما القارئ: الأول, التطور في وسائل الاتصالات. الثاني, التطور في وسائل النقل والمواصلات. إنخفاض أسعار النفط جعل من كل ذلك ممكنا. ولكن ارتفاع سعر النفط لا يحمل الكثير من الأخبار السارَّة للصناعات المحلية خصوصا في البلدان المستوردة له حيث سوف يجعل من البحث عن بدائل محلية أولوية بالنسبة للمستهلكين. ولكن المشكلة في سعر برميل النفط هو التذبذب بين الإنخفاض أو الإرتفاع بهامش زمني لا يترك فرصة لاتخاذ قرارات طويلة المدى من قبل المصنعين المحليين.
إن قطاع الخدمات يساهم بنسبة تقريبية تصل الى 70% من الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة وأوروبا, في أستراليا النسبة تبلغ 53%-65%. ولكن الأمر لم يكن كذلك في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين حين كان القطاع الصناعي يساهم بنسبة 50% تقريبا من الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة وفي بلدان أوروبية. إنخفاض أسعار النفط جعل من الممكن للشركات المختلفة البحث عن مصادر للعمالة الرخيصة بدون أن تقلق من ارتفاع تكلفة النقل حيث قام عدد كبير من الشركات بنقل مصانعها الى دول مثل الصين, فيتنام, تايوان, الهند, باكستان وبنغلاديش. ولكن كل ذلك سوف يتغير مع ارتفاع أسعار النفط وارتفاع نسبة البطالة مكانا مهما في الأجندات الانتخابية للمرشحين في البلدان الغربية والأوروبية التي تضررت بشدة من عولمة الوظائف. الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بدأ بتنفيذ وعود حملته الانتخابية فيما يتعلق بالشركات الأمريكية التي تتواجد مصانعها خارج الولايات المتحدة. دونالد ترامب اعلن الحرب على العولمة لأن السياسة ليست عبارة إلا عن لعبة مصالح وفي الوقت الحالي فإن المصلحة السياسية تقتضي بفرض تعريفات جمركية على صادرات دول مثل الصين والمكسيك الى الولايات المتحدة. حتى دول الإتحاد الأوروبي وكندا لم تسلم من تهديدات الرئيس الأمريكي التي بدأ بتنفيذ بعضها.
أحد القطاعات التي تتأثر بإنخفاض أو ارتفاع أسعار النفط هي قطاع المحاصيل مثل الحبوب والمنتجات الغذائية. الكثير من الأراضي الزراعية التهمتها مشاريع التطوير العمراني والطرق التي تم بنائها للربط بين الضواحي الجديدة حول المدن حيث حلت مكان المزارع التي كانت تنتج المحاصيل للإستهلاك المحلي. كما أن نمط الإنتاج الزراعي قد بدأ ومنذ نهاية سبعينيات القرن العشرين بالتحول الى نمط الإنتاج المكثف(Industrial Farming) حيث يتم استخدام هرمونات النمو, المحفزات, الأسمدة الكيميائية والمحاصيل المعدلة وراثيا بشكل رئيسي لزيادة الإنتاج بدون حساب الآثار الصحية والجانبية. أسعار النفط المنخفضة جعلت من الممكن نقل المنتجات الغذائية من مسافات تصل الى 3000 ميل من بلد المنشأ. إن الدول التي يمكن لها أن تقوم بتصدير الإلكترونيات المنخفضة الثمن الى البلدان الأخرى, يمكن لها أن تقوم بتصدير المنتجات الزراعية.
هناك عدد من الأفلام الوثائقية المتعددة التي تناولت عولمة المنتجات الزراعية خصوصا فيلم (Rotten) والذي عرض على قناة نيتفلكس وكان يتحدث عن زراعة الثوم وتصديره من الصين الى الولايات المتحدة, وفيلم (لعبة العولمة وكذبة التجارة الحرة) الذي عرض على قناة دي دبليو الألمانية وتناول تأثير العولمة على المزارعين في الدول النامية وعدم قدرتهم على المنافسة مع المحاصيل الزراعية التي يتم تصديرها من دول أوروبية بأسعار تقل بكثير عن المنتجات الزراعية المحلية. ولكن ارتفاع أسعار النفط لن يجعل مائدة الطعام تمتلئ بشكل فوري بالمنتجات المحلية ولكنها سوف تستغرق بعض الوقت. الزراعة المحلية خسرت الكثير بسبب منافسة المنتجات الزراعية المستوردة و تآكل الرقعة الزراعية بسبب الزحف العمراني وتحتاج الى بعض الوقت والكثير من الدعم الحكومي حتى تتعافى وتكون قادرة على المنافسة.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment