Flag Counter

Flag Counter

Wednesday, January 9, 2019

ماهي المشاكل التي تعترض إثبات صحة ومصداقية الأناجيل؟

يصنف البروفيسور بارت ايرمان من كلية الدراسات الدينية في جامعة كارولينا الشمالية على أنه أحد أهم المرجعيات في مجال النقد النصي و الكتابي للعهد الجديد من الكتاب المقدس. البروفيسور ايرمان ضليع في اللغات القديمة خصوصا اليونانية التي وصلت الينا بفضلها مخطوطات العهد الجديد بحيث يمكن دراستها ومقارنتها والكشف عما تحويه من اختلافات وأخطاء. المبشرون على الشبكة العنكبوتية يحاولون بمختلف الوسائل إثبات صحة الكتاب المقدس خصوصا العهد الجديد وان مؤلفيه قاموا بكتابته بوحي من الروح القدس ولكنهم دائما ما يواجَهون بعقبة استدلال المسلمين بأقوال البروفيسور ايرمان خصوصا كتابي "Misquoting Jesus" و "Jesus Interrupted" الأكثر مبيعا مع العلم انه قام بتأليف عدد من الكتب الاخرى والتي يدرس بعضها في الجامعات وكليات الدراسات الدينية في الولايات المتحدة. والبروفيسور ايرمان ليس الشخص الوحيد الذي كتب في مجال مقارنة مخطوطات العهد الجديد ونصوصه المطبوعة التي هي بين ايدينا فهناك من سبقة في مجال النقد الكتابي خصوصا رحمة الله الهندي الذي قام بتأليف كتاب "اظهار الحق" وقام بمناظرة المبشرين في الهند بالحجة والبرهان والشيخ المرحوم احمد ديدات والذي كانت له مناظرات عديدة مع كبار القساوسة تناولت عددا من المواضيع المهمة مثل صلب المسيح وهل هو محرف ومواضيع اخرى متعددة.
يعاني العهد الجديد من مجموعة من المشاكل البنيوية الخطيرة التي تهدد مصداقية وصحة نصوصه التي بين أيدينا وتجعل محاولة المبشرين اقناع الطرف الاخر صعبة. أول تلك المشاكل هي الأخطاء والاختلافات بين مخطوطات العهد الجديد التي وصلت إلينا والتي تقدر بخمسين ألف خطأ على الأقل. الدكتور بارت ايرمان في الفصل الأول من كتابه " Jesus Interrupted" يذكر الاف الاختلافات ويعتبر ان الكثير منها غير ذي اهمية ولكن بعضها مهم ويتسائل:"اذا كان الرب يرغب في أن نحصل على كلمته فلماذا لم يتكفل بحفظها؟" وفي الفصل السادس من نفس الكتاب, يقول أنه هناك اختلافات بين مخطوطات العهد الجديد أكثر من عدد كلمات النسخ المطبوعة التي بين أيدينا. وفي نفس الفصل يتحدث عن مئات الآلاف من الاختلافات بين المخطوطات. وفي كتابه, "Misquoting Jesus," يذكر  أن جون ميل(John Mill) والذي كانت باحثا في الكلية الملكية التابعة لجامعة اوكسفورد قد الف كتابا ضخما سنة 1701 تحدث فيه عن ثلاثين ألف اختلاف بين مخطوطات العهد الجديد التي كانت متوفرة لديه في تلك الفترة. وفي محاولة تقليدية من قبل المبشرين للهروب من تقديم اجابة واضحة على تلك المسألة هو إلقاء الملامة في تلك الاتهامات على طوائف مسيحية يصفونها بالمهرطقة. وبالكاد يعترف نصراني سواء كان عربيا أو غربيا بعقيدته الحقيقية عند نقاشه مع الآخرين. فقد تجد كاثوليكيا لا يؤمن ببعض عقائد الكاثوليكية أو بروتستانتيا يتهرب من الاجابة على الاسئلة بالزعم أنه كاثوليكي وهلم جرا.
المشكلة الثانية التي تعاني منها نصوص العهد الجديد هي أن مؤلفي الكثير منها مجاهيل. الأناجيل الاربعة وهي متى, مرقس, لوقا, يوحنا منسوبة لتلك الاسماء بدون دليل واضح يثبت ذلك. متى ويوحنا يفترض أنهما من حواري يسوع المسيح ولكن لايوجد دليل على صحة نسب انجيل متى او ان انجيل يوحنا هو بالفعل من تأليف القديس يوحنا الحواري. بل إن الكثيرين من المؤرخين والمختصين يرون ان الإنجيل وصل إلينا على تلك الصورة بفضل مساهمة أكثر من شخص وأنه يحتوي على إضافات عن النص الأصلي الذي من المفترض أن القديس يوحنا قد قام بكتابته. مرقس الذي يعتبر إنجيله مصدرا مشتركا مع أناجيل متى ولوقا التي تلقب بالإزائية لم يكن من حواري يسوع المسيح ولا من تلاميذه بل يقال أنه كان مرافقا لبطرس الرسول. سنة 1958, اكتشف البروفيسور مورتون سميث من جامعة كولومبيا خلال أرشفته مكتبة دير مارسابا في القدس على مخطوطة رسالة من كليمنت السكندري, أحد آباء الكنيسة الأوائل, موجهة الى شخص اسمه ثيودور حيث يتحدث كليمنس عن إنجيل مرقس السري وان مخطوطات إنجيل مرقس في تلك الفترة هي محرفة وان كنيسة الإسكندرية تحتفظ بالنسخة الكاملة والصحيحة من انجيل القديس مرقس. لوقا هو الآخر لم يكن من حواري يسوع المسيح بل انه تلقى الكلمة ممن كانوا خداما لها.
المشكلة الثالثة التي تعاني منها نصوص العهد الجديد هي اللغة اليونانية القديمة التي كتبت بها مخطوطات الأناجيل على الرغم من أن يسوع المسيح وتلاميذه كانوا يتحدثون العبرية والارامية. كما انهم بعضهم تلقى تعليما متواضعا او بالكاد يعرف القرائة والكتابة, متى كان جابيا للضرائب ويوحنا كان صيادا للأسماك فمن أين لهم ذلك العلم والمعرفة لكتابة اناجيلهم؟ بطرس ويوحنا كانا عديما العلم وعاميان كما في أعمال(4:13). وقد ذكر في عدد من المواقع في العهد الجديد كيف أن حواري يسوع المسيح كانوا بطيئي الفهم وقليلي الإيمان(متى 6:30, 8:28, لوقا 12:28, 18:34). في الأناجيل بقايا من اللغة الارامية التي جعلت بعض المختصين في دراسة مخطوطات العهد الجديد يتجهون للتأكيد بان الأناجيل قد كتبت باللغة الارامية ثم تمت ترجمتها الى اللغة اليونانية في مرحلة لاحقة. إنجيل متى 27:46, يقول يسوع المسيح وهو معلق على الصليب: "«إِيلِي، إِيلِي، لِمَا شَبَقْتَنِي؟», انجيل مرقس 5:41: وَأَمْسَكَ بِيَدِ الصَّبِيَّةِ وَقَالَ لَهَا:«طَلِيثَا، قُومِي!» وفي إنجيل يوحنا 20:16 نادت مريم(المجدلية) يسوع المسيح بكلمة "ربوني" وهي كلمة ارامية معناها يا معلِّم.
إن الأناجيل التي بين ايدينا والتي وصلت الينا بفضل مقارنة الاف من المخطوطات المكتوبة باللغة اليونانية القديمة ليست إلا رواية لبعض أقوال وأفعال يسوع المسيح التي رويت عنه في حياته وتم تناقلها على شكل تقاليد شفوية لفترة زمنية طويلة قبل تدوينها في وثائق مكتوبة لم يكن هناك أي ذكر لها قبل سنة 140م. إن يسوع المسيح لم يأمر تلاميذه بالتدوين والكتابة وهم لم يفعلوا ذلك خلال حياته لانه وعدهم باقتراب ملكوت السماء وانه لن ينقضي هذا الجيل حتى يتم ذلك كما ذكر في الاناجيل الازائية في متى(24:34), مرقس(13:30) ولوقا(21:32) ولذلك لم تكن هناك ضرورة للكتابة والتدوين إلا بعد انقضاء فترة زمنية طويلة على وفاة يسوع المسيح وعدم تحقق ملكوت السماء واتساع رقعة المسيحية وبروز الحاجة الملحة لكتابة سيرة يسوع المسيح وأقواله لاستخدامها في التبشير خصوصا للامم من غير اليهود الذين كانوا من المتحدثين باللغة اليونانية القديمة.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

النهاية

No comments:

Post a Comment