الحكومة الأمريكية أصيبت بالشلل وتستعد لإعلان تسريح آلاف الموظفين الفيدراليين. السبب عدم اتفاق الحزبين الجمهوري والديمقراطي على رفع سقف الدين الذي تخطى حاجز ٣٧ تريليون دولار. قنبلة الديون الأمريكية سوف تنفجر في وجه الجميع وتؤدي الى أزمة إقتصادية عالمية غير مسبوقة حتى تاريخه إن إستمر الخلاف حول رفع سقف الدين الحكومي الفيدرالي. هناك ديون أخرى في الولايات المتحدة تصدرها شركات خاصة وحكومات ولايات أمريكية وحتى جامعة هارفارد وديون الطالب الجامعي وبرنامج الرعاية الصحية و المبالغ التي اقترضتها حكومات أمريكية متعاقبة من برنامج ادخار التقاعد. قنبلة نووية إقتصادية سوف تدمر العالم بدون إطلاق رصاصة واحدة.
والأن فهمنا سبب إعلان ترامب عن الرسوم الجمركية في محاولة بهدف تأخير انفجار تلك القنبلة الاقتصادية الموقوتة. هناك دول توقفت عن شراء سندات الدين التي تصدرها وزارة الخزانة الأمريكية بل وتبيع حيازتها من تلك السندات تدريجيا مثل الصين التي تعلمت الدرس من مصادرة أصول روسيا الخارجية. الصين بدأت في بيع سندات وزارة الخزانة الأمريكية وشراء الذهب. الأمر ليس مقتصرا على الصين حتى دول مثل الأردن تزيد حيازتها من الذهب تدريجيا. العالم فقد الثقة بالولايات المتحدة وإقتصادها الطفيلي الذي يعتمد على طباعة العملة والمزيد من العملة وتصدير التضخم الى دول العالم.
الاقتصاد العالمي منذ سنة ١٩٧١ قائم على عملات ورقية(Fiat Currency) غير مدعومة بأي قيمة حقيقية ملموسة كما كانت سابقا مدعومة بالذهب. محاولات العودة الى المعيار الذهبي خلال الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الأولى فشلت ثم كانت هناك حاجة ملحة الى حرب جديدة بهدف إعادة ترتيب أوضاع العالم اقتصاديا وسياسيا. الحرب العالمية الثانية كانت نتيجتها عقد إتفاقية بريتون وودز سنة ١٩٤٤ والتي نصت على اعتماد الدولار الأمريكي عملة احتياطي عالمي مقابل القدرة على مبادلته بالذهب وفق معادلة سعرية ٣٥ دولار/أونصة. إتفاقية بريتون وودز سقطت رسميا سنة ١٩٧١م ومازال العالم يحاول البحث عن اتفاقية بديلة حيث هناك عدة اقتراحات من دول مثل الصين, روسيا والبرازيل التخلي عن الدولار وإعتماد حقوق السحب الخاصة(SDR( أو حتى عملة دولية جديدة. الاقتصادي البريطاني جون مينارد كينز الذي حضر مؤتمر بريتون وودز بصفته رئيس الوفد البريطاني وممثل وزارة الخزانة ورئيس لجنة البنك الدولي إقترح عملة الانكور ولكن اقتراحه رفض بضغوط أمريكية لمصلحة اعتماد الدولار الأمريكي.
سنة ١٩٧٥ عقدت إتفاقية الأمن مقابل النفط أو إتفاقية البترودولار والتي كان عرابها مستشار الأمن القومي الأمريكي هنري كيسنجر. الإتفاقية تنص على موافقة السعودية بيع النفط بالدولار الأمريكي حصريا مقابل موافقة الولايات المتحدة على حماية العرش السعودي من محاولات الإنقلاب أو التدخل الخارجي وبيع أحدث الأسلحة الأمريكية بما فيها أسلحة كانت تباع حصريا الى إسرائيل ودول في حلف الناتو. الولايات المتحدة سوف تتكفل بأي دولة تخالف تلك الإتفاقية خصوصا دول أوبك. الجيش الأمريكي قدم الدعم الى السعودية في حرب الخليج الثانية, غزو العراق الكويت كما نصت الإتفاقية. العراق أعلن عن بيع النفط مقابل اليورو فكان مصيره الغزو سنة ٢٠٠٣. ليبيا أعلنت عن تأسيس الدينار الذهبي الإفريقي وبيع النفط حصريا مقابل الذهب فكان مصيرها سنة ٢٠١١ إسقاط نظام حكم معمر القذافي والقبض عليه وإعدامه. ولكن إتفاقية البترودولار لا تعادل الدولار مقابل الذهب لأن الذهب معدن ثمين ملموس وتخزين كميات ضخمة منه في مساحات ومخاطر محدودة أمر ممكن وتأمينه عسكريا أمر ممكن على عكس النفط.
الولايات المتحدة كانت خلال الحرب العالمية الأولى والثانية لا تقبل إلا أن تدفع الدول الذهب مقابل مشترياتها من الأسلحة والذخائر والصادرات الأمريكية خصوصا القمح. كما أن عددا من دول أوروبا نقلت سبائك بنوكها المركزية الى الولايات المتحدة خوفا من القوات النازية التي كانت تتقدم في أوروبا كما تقطع السكين الساخنة قالب الزبدة. الولايات المتحدة خسرت قسما من ذهبها في الستينيات الى سنة ١٩٧١ بسبب إستعادة دول ذهبها المودع في الولايات المتحدة ومطالبة دول أخرى استبدال الدولار مقابل الذهب وفق بنود إتفاقية بريتون وودز. ولكن مازالت خزائن بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك و خزائن قلعة فورت نوكس.
أخبار مؤرخة سبتمبر/٢٠٢٥ أن احتياطي الذهب الحكومي يبلغ ٨,١٣٣,٤٦ طن أو ٢٦١,٥٠٠,٠٠٠ أونصة. وبينما تسعير الذهب في الأسواق يزيد عن ٣٧٠٠ دولار/أونصة بقيمة تتجاوز تريليون دولار فإن الولايات المتحدة تسجل سعر الذهب في دفاترها الرسمية ٤٢ دولار/أونصة أو مجموع ١١ مليار دولار تقريبا. الولايات المتحدة تخطط من أجل إعادة تقييم أصولها الذهبية وتصفير ديونها ولكن السؤال عن الطريقة المناسبة وكل الطرق تؤدي الى روما. هناك الكثير من التحليلات التي تتحدث عن إعادة التقييم على سعر الذهب العالمي ٣٧٠٠ دولار/أونصة ولكن تلك تحليلات خاطئة.
حجم الدين العام الأمريكي ٣٧ تريليون دولار ويزداد مع مرور الوقت. إن إعادة تقييم الأصول الذهبية للولايات المتحدة من ١٠ مليار دولار الى تريليون دولار لن يحل تلك مشكلة الدين العام الأمريكي. عندما تتحدث عن تصفية الدين العام الأمريكي(تصفير الديون) فإنك تتحدث عن سعر يبدأ من ١٠ آلاف دولار/أونصة وقد يصل أو يزيد الى ٥٠ ألف دولار/أونصة ولن يكون هناك تصفير للديون كما يعتقد البعض إنما تخفيض قيمتها بنسبة كبيرة ربما الى النصف(٥٠%). ولكن ذلك يعتبر كارثة إقتصادية وسوف تؤدي الى تصدير التضخم الى جميع دول العالم. السبب أن تعديل الحكومة الأمريكية سعر الذهب سوف يؤدي الى إرتفاع سعره عالميا وبالتالي مزيد من فقدان الثقة بالدولار وإرتفاع أسعار السلع والخدمات(التضخم). كما أن رفع سعر الذهب سوف يسمح للحكومة الأمريكية طباعة مزيد من الدولارات وتعويض الدول عن الذهب المودع في الخزائن الأمريكية مقابل تلك الدولارات المطبوعة حديثا. بإختصار وحتى أكون أكثر وضوحا فإن الولايات المتحدة سوف تقوم بمصادرة الذهب الأجنبي المودع لديها ودفع مقابله دولارات مطبوعة حديثا ويلي مش عاجبه يشرب من البحر أو يخبط دماغه في الحيط.
إن الإجراء الأمريكي ضد ذهب الدول الأجنبية غير مستغرب لأن الولايات المتحدة سنة ١٩٣٣ بمرسوم من الرئيس المنتخب حديثا فرانكلين روزفلت صادرت الذهب من المواطنين الأمريكيين. المرسوم الذي أصدره الرئيس الأمريكي كان تحت ذريعة أن مواطنين أمريكيين ينقلون الذهب ويهربونه الى خارج الولايات المتحدة. فرانكلين روزفلت إستغل صلاحياته الرئاسية وأصدر مرسوم يطالب المواطنين الأمريكيين مع إستثنائات قليلة للغاية بتسليم الذهب الذي في حوزتهم مقابل ٢٠,٦٧ دولار/أونصة وعقوبة المخالفين كانت غرامة مالية ضخمة والسجن من ٥-١٠ سنوات. الحكومة الأمريكية بدأت في التلاعب بسعر الذهب من ٢٠ دولار/أونصة الى ٣٢ دولار/أونصة مما أدى الى إرتفاعه وإنخفاض قيمة الدولار الأمريكي فإزداد حجم الإنفاق الإستهلاكي من المواطنين الأمريكيين الذي كانوا يخشون من خسارة قيمة مدخراتهم التي حصلوا عليها مقابل الذهب الذي سلموه الى الحكومة الأمريكية.
هناك مسار أخر للأحداث القادمة سوف يسير بالتوازي مع مسار مصادرة ذهب الدول الذي يعتبر وديعة في خزائن فورت نوكس وبنك الإحتياطي الفيدرالي وهو الدولار الرقمي. ولعل الجميع يلاحظون كيف أن دونالد ترامب الذي كان ينتقد العملات الرقمية خلال فترته الرئاسية الأولى أطلق خلال فترته الرئاسية الثانية عملة رقمية خاصه به و أيضا يدرسون تشريعات في الكونغرس بهجف الإعتراف بالعملات الرقمية عملات تداول رسمية. الدولار الرقمي سوف يرتبط مع السندات الحكومية الأمريكية وسوف تتحول التجارة الدولية تدريجيا الى الدولار الرقمي مما يؤدي الى إستمرار الطلب على السندات الأمريكية بهدف الحصول على الدولار الرقمي وإستخدامه في التعاملات التجارية الدولية. السر يكمن في البلوك تشين, الكود المستخدم الذي يحدد من يصدر هذه العملة الرقمية أو تلك. نظام إقتصادي عالمي جديد أمريكي ١٠٠% ورقمي سوف يتم الإعتماد عليه داخليا ودوليا مما يجعل من السهولة على الولايات المتحدة التحكم في أرصدة مواطنيها أو الدول الأخرى وبالتالي التحكم في الإقتصاد العالمي.
تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية
عاشت الجمهورية العربية السورية حرة مستقلة
الوطن أو الموت
النهاية
No comments:
Post a Comment