إسرائيل لا تسعى الى القضاء على حركة حماس أو حزب الله رغم أنهم يعلنون ذلك في التصريحات التي يعلن عنها الناطقون بإسم الجيش, الحكومة أو نتنياهو نفسه. إن ذلك يذكرني بما انتهت إليه الولايات المتحدة في فيتنام حيث هرب سفيرها في طائرة هليكوبتر عسكرية والثوار الفيتناميون على أبواب العاصمة. الثورة فكرة وإن كانت تلك الفكرة ذات خلفية دينية فإنه من غير الممكن القضاء عليها والأجهزة الأمنية الإسرائيلية تعلم ذلك. دولة الكيان الصهيوني أو الفكر المؤسس لتلك الدولة اللقيطة يحتاج دائما الى عدو وبدون ذلك لا يمكن أن يستمر.
إسرائيل لا ترغب في السلام سواء في لبنان أو فلسطين لأن ذلك يعني نهايتها ونهاية أسطورة الوهم أرض الميعاد و"أرضك يا إسرائيل من الفرات الى النيل. إسرائيل تعتبر أقلية سكانية في محيط عربي عدائي للغاية لم تنجح محاولات التطبيع حتى في التخفيف من تلك المشاعر العدائية. الأجيال الجديدة تشاهد الجرائم الإسرائيلية في لبنان, فلسطين وحتى دولة قطر الوسيط في مفاوضات الأسرى قصفها بمباركة أمريكية طيران العدو الصهيوني. هناك صناعات عسكرية في إسرائيل والغرب وصناعات أخرى مرتبطة بها قيمته تقدر بمئات مليارات الدولارات يطلقون عليه في الإعلام "المجمع الصناعي-العسكري" في الولايات المتحدة. هناك أيضا شركات المرتزقة والصناعات الأمنية مثل أجهزة الكشف عن المعادن ومعدات مكافحة الشغب خصوصا المركبات والمدرعات.
هناك صناعة ضخمة مرتبطة بحالة اللاسلم واللاحرب وشركات الأسلحة والصناعات الدفاعية لن تتخلى عن مكاسبها حتى ينعم العالم بالسلام. ولكن ذلك ليس نهاية القصة. حماس مشروع أشرف عليه جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي(شين بيت) بهدف منافسة حركة فتح ومنعها من تقديم حجة مقنعة لاتفاق سلام وحل الدولتين والعودة الى حدود ١٩٦٧ حيث القدس الشرقية عاصمة دولة فلسطينية مستقلة. حماس والجهاد الإسلامي يمنح إسرائيل فرصة مزاعم إعلامية كاذبة بالدفاع عن النفس وغير ذلك من إتهامات معاداة السامية وأن الشعب الإسرائيلي يتعرض الى خطر الإبادة. المعركة مع الفكر الصهيوني إعلامية قبل أن تكون عسكرية وذلك أمر لا يدركه أو يرفض إدراكه الكثيرون.
إنتفاضة الأقصى الأولى سنة ١٩٨٧ أصابت القيادات الإسرائيلية السياسية والعسكرية بالفزع بسبب التعاطف الإعلامي الدولي مع الفلسطيني الذي يقاوم الدبابة بالحجر وبسبب الآثار الكارثية على الإقتصاد الإسرائيلي. الأجهزة الأمنية الإسرائيلية سارعت الى التحرك واغتالت في تونس سنة ١٩٨٨ الرجل الثاني في حركة فتح خليل الوزير(أبو إياد) الذي كان مسؤولا عن جهاز القطاع الغربي الذي كان يتولى مباشرة توجيه أنشطة الإنتفاضة الفلسطينية الأولى. كما أن الرجل الثالث في حركة فتح صلاح خلف(أبو إياد) مسؤول جهاز أمن الثورة الموحد(مخابرات حركة فتح) إغتاله في تونس عنصر تابع لتنظيم فتح-المجلس الثوري الذي كان يرأسه صبري البنا(أبو نضال) حيث يعتقد أن تنظيم الأخير كان مخترقا من الموساد الإسرائيلي ونفذ عدة عمليات في مصلحة إسرائيل ولا تخدم أبدا القضية الفلسطينية.
إن هزيمة ١٩٦٧ واحتلال قطاع غزة من الجيش الصهيوني كانت له نتائج غير مباشرة تمثلت في ازدهار الحركة الإسلامية في فلسطين وبداية تبلور توجه إسلامي. ولكن هناك جذور أو بدايات لذلك التوجه الإسلامي في الثلاثينيات(١٩٣٠م). الحاج أمين الحسيني التقى سنة ١٩٣٥ في فلسطين مبعوثين من حزب الإخوان المسلمين في مصر وتأسس فرع للإخوان المسلمين في القدس سنة ١٩٤٣م تحت مسمى جمعية المكارم الخيرية بدعم من الحسيني بينما أعلن سنة ١٩٤٥ رسميا عن إفتتاح فرع الإخوان المسلمين في القدس برعاية سعيد رمضان صهر حسن البنا مؤسس التنظيم ومساعدة الأقرب إليه وكاتم أسراره. سنة ١٩٤٧م كان هناك ٢٥ فرع لتنظيم الإخوان المسلمين في فلسطين و ٢٥ الف عضو.
الإخوان المسلمين أسسوا تنظيم طلابي في الكويت ومصر تحت مسمى اتحاد الطلاب الفلسطينيين وكان قادة فتح أعضاء فيه في بدايتهم.كان هناك عدد من الفلسطينيين الذين أصبحوا لاحقا قادة في حركة فتح وتنظيمات اليسار الفلسطيني أعضاء في تنظيم الإخوان المسلمين في فلسطين. أسماء مثل خليل الوزير(أبو جهاد) و صلاح خلف(أبو إياد) الذي تحدث عن ذلك في عدة مناسبات وعن أسباب تخليه عن عضويته في الإخوان المسلمين. ولعل ذلك قد يفاجئ البعض ولكن حتى ياسر عرفات(الختيار) كان عضوا في حركة الإخوان المسلمين-فرع فلسطين. سياسة الإخوان المسلمين كان تأسيس مكاتب و فروع للتنظيم تحت مسميات مختلفة وذلك بهدف التهرب من الملاحقات الأمنية قبل إنتظار ظروف ملائمة وإعلان فرع التنظيم رسميا.
الشيخ أحمد ياسين رحمه الله مؤسس حركة حماس تعرض الى الاعتقال من السلطات المصرية سنة ١٩٦٥ في حملة أمنية أمر بها الرئيس المصري جمال عبد الناصر ضد تنظيم الإخوان المسلمين حيث كان قطاع غزة تابعا للإدارة المصرية. ولكن الظروف تغيرت سنة ١٩٦٧ بعد احتلال قطاع غزة من الجيش الإسرائيلي وخروج الشيخ أحمد ياسين وجميع معتقلي الإخوان المسلمين في فلسطين من السجون. النتيجة كانت توحيد الإخوان المسلمين في الضفة الغربية وقطاع غزة في تنظيم واحد يتبع الفرع الأم في مصر. الشيخ أحمد ياسين وقادة أخرين في الإخوان المسلمين-فرع فلسطين قاموا بزيارات الى الجليل والنقب ومناطق أخرى في الداخل الفلسطيني(عرب ٤٨) وقاموا بإمامة صلاة الجمعة ونشر أفكار الإخوان المسلمين في تلك المناطق.
الإخوان المسلمين بدأوا منذ سنة ١٩٦٧ في تأسيس البنية التحتية للتنظيم بدعم من أثرياء ورجال أعمال في الأردن, فلسطين, مصر, سوريا ومغتربين فلسطينيين في بلدان المهجر خصوصا الكويت. تنظيم الإخوان المسلمين في فلسطين ومن خلال الوقف الخيري التابع للتنظيم كان يسيطر على مئات العقارات والنشاطات التجارية ومساحات واسعة من الأراضي الزراعية. عدد المساجد في قطاع غزة إزداد في العدد من ٢٠٠ الى ٦٠٠ وفي الضفة الغربية من ٤٠٠ الى ٧٥٠. الشيخ أحمد ياسين تقدم سنة ١٩٧٠ بطلب الى سلطات الإحتلال الإسرائيلي لتأسيس جمعية إسلامية ولكن طلبه رفض ٣ مرات وسنة ١٩٧٣ أعاد تقديم الطلب وتمت الموافقة وتأسس المجمع الإسلامي في قطاع غزة سنة ١٩٧٦ قام الشيخ أحمد ياسين بتأسيس الجمعية الإسلامية التي بدأت في الإنتشار وزيادة سيطرة الحركة على مئات المساجد, المراكز, المدارس والجمعيات الخيرية في قطاع غزة. سنة ١٩٧٨ وافقت حكومة الليكود برئاسة مناحيم بيغن على ترخيص الجمعية الإسلامية رسميا حيث كانت عمليات التدخل الإسرائيلي في لبنان في ذروتها.
سلطات الإحتلال الإسرائيلي كانت تسعى الى إضعاف نفوذ منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح في الضفة الغربية وقطاع غزة من خلال تشجيع نمو التيار الإسلامي وتصاعد نفوذه وإن كان بطريقة غير مباشرة ومن خلال تأسيس المجالس القروية وهي خطوة حاول رئيس وزراء العدو الصهيوني بنيامين نتنياهو العمل عليها بهدف إضعاف تأثير ونفوذ حركة حماس ولكن من دون تحقيق أي نجاح يذكر. المجالس القروية خلال الثمانينيات فترة حكم مناحيم بيغن وحزب الليكود كانت معادية لمنظمة التحرير الفلسطينية والفكر العلماني واليسار الفلسطيني على العموم. الفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة رفضوا فكرة التعامل مع المجالس القروية و اعتبروها خيانة حيث كان الجيش الإسرائيلي بإشراف الشين بيت قد قام بتأسيس وتدريب ميليشيات من ٢٠٠ شخص تابعين للمجالس القروية وتأسيس شبكة عملاء ومخبرين في الضفة الغربية وقطاع غزة.
الحاكم العسكري الإسرائيلي السابق في قطاع غزة لواء ركن إسحاق زليغيف أخبر الصحفي في نيويورك تايمز ديفيد شيفلر بأن تواجد حماس وزيادة نفوذها كان من وجهة نظر السلطات العسكرية الإسرائيلية يخدم مصلحتها في زيادة الانقسام الفلسطيني-الفلسطيني. حماس ومنظمة التحرير الوطني الفلسطيني كانوا في صراع مستمر على النفوذ واستقطاب الأعضاء. السلطات الإسرائيلية كانت تقدم التمويل الى الحاكم العسكري الذي كان بدوره ومن خلال الإدارة العسكرية يشرف على تمويل المساجد ودفع رواتب الأئمة والنفقات. أعضاء الحركة الإسلامية في قطاع غزة قاموا سنة ١٩٨٠ بالهجوم على مركز الهلال الأحمر الفلسطيني الذي كان يتبع حركة فتح ويرأسه الدكتور حيدر عبد الشافي وأحرقوا المركز ولم تحرك السلطات العسكرية الإسرائيلية ساكنا إلا عندما خرجت الأمور عن السيطرة وبدأت جموع الغوغاء في محاولة الزحف على مقر الحاكم العسكري ومنزله وإحراقه حيث أرسلت القوات التي فرقت جموع الغوغاء وإعتقلت بعضهم ولاحقا أطلقت سراحهم.
الشيخ أحمد ياسين كان يرتبط بعلاقات وثيقة مع الإخوان المسلمين في الأردن ومن خلال تلك العلاقات كان يتلقى الدعم من أثرياء ورجال أعمال في الكويت والسعودية. التيار الديني الوهابي في المملكة العربية السعودية كان مهتما بإضعاف منظمة التحرير الوطني الفلسطيني وحركة فتح بوصفهم شيوعيين وكفار وكانت الهجمات ضد رجالات المنظمة ومؤسساتها في قطاع غزة من أعضاء في حركة حماس تدخل في إطار ذلك التوجه. الشيخ أحمد ياسين رحمه الله هاجم منظمة التحرير الوطني الفلسطيني بإستمرار وأعلن أنها علمانية وأنه لا يمكن القبول بها حتى تعتنق وأعضائها الفكر الإسلامي. لاحقا بعد إتفاق أوسلو وعودة ياسر عرفات الى فلسطين, كانت هناك مفاوضات مع حركة حماس وأحمد ياسين بهدف انضمامها الى منظمة التحرير غير أن تلك المفاوضات فشلت لأن الشيخ أحمد ياسين كان يشترط نسبة عضوية حماس ٥١% مما يمنحها حق تعطيل قرارات المنظمة التي لا تتلاءم مع توجهها الفكري الإسلامي.
دبلوماسيون أمريكيون كانوا على معرفة بالدعم المباشر والغير مباشر الذي كانت إسرائيل تقدمه الى الحركة الإسلامية في فلسطين المحتلة. مارثا كيسلر كبيرة المحللين المختصين في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية صرحت في اجتماعات الوكالة أن التقارير كانت تشير الى ذلك الدعم رغم التهديد المستقبلي الذي تمثله الحركات الإسلامية على مصالح الولايات المتحدة في المنطقة. ولكن على الرغم من ذلك فإن الأجهزة الأمنية الأمريكية و وزارة الخارجية لم يتخذوا خطوات بهدف إيقاف ذلك الدعم بل عملوا على إستمراره. التوجه داخل بعض دوائر صنع القرار في بيروقراطية العاصمة واشنطن الأمنية والسياسية ومكتب مستشار الأمن القومي كانت تؤيد دعم الحركة الإسلامية في فلسطين والمنطقة بسبب أخطارها المحدودة على المصالح الأمريكية حيث لم يكن من الممكن في تلك المرحلة على الأقل أن تتمتع حماس بدعم مطلق داخل فلسطين. هناك جالية فلسطينية مسيحية مؤثرة تشعر بالقلق من مساعي حماس لإقامة حكم إسلامي وهناك الفلسطينيين في المهجر الذين لم يكونوا مؤيدين في غالبيتهم لأي نظام حكم إسلامي في فلسطين.
إن سياسة دولة الكيان الصهيوني في التعامل مع الحركة الإسلامية في فلسطين تنطبق عليه مقولة:"الرقص على حافة الهاوية." الدعم الإسرائيلي لم يكن من خلال وسائل مباشرة ولكن من خلال سلطة حكم مدني تستخدم نظريا مواطنين فلسطينيين وهيئات مدنية وبلديات. الأجهزة الأمنية الإسرائيلية لاحقت بضراوة حركة فتح واعتقلت أعضائها وأعضاء منظمة التحرير الوطني الفلسطيني ومنظمات يسارية فلسطينية في مقابل تساهل القبضة الأمنية على حماس وأعضائها. وعندما كانت الأجهزة الأمنية تقبض على أعضاء وخلايا مسلحة تتبع حركة حماس, كانت الأوامر الحركية أن يخبروا المحققين أن الهدف من تأسيس خلايا مسلحة كان محاربة الشيوعيين والعلمانيين الكفار من حركة فتح والتنظيمات الفلسطينية اليسارية وليس تخطيط هجمات ضد قوات الجيش الإسرائيلي.
تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية
عاشت الجمهورية العربية السورية حرة مستقلة
الوطن أو الموت
النهاية
No comments:
Post a Comment