اليابان هي إحدى الدول الأسيوية التي نهضت من تحت رماد الحرب العالمية الثانية وأنقاض مدنها المدمرة لتقوم ببناء قاعدة صناعية وتجارية غاية في العظمة والثروة. ولكن وكما يقولون, فإن وراء الأكمة ما تخفيه وتجري الرياح أحيانا بما لا تشتهي السفن. الاقتصاد الياباني عانى لفترة عشرة سنوات متواصلة من أطول فترة كساد إقتصادي على الرغم من نمو وازدهار الاقتصاد العالمي بمعدلات تصل الى 5%. الكثير من الشركات اليابانية مثل سوني وفي ظل إزدهار مفهوم العولمة واتفاقيات التجارة الحرة نقلت مصانعها الى دول تتوفر على عمالة منخفضة الثمن وذلك حتى تستطيع المنافسة على المستوى العالمي. اليابان عانت من الكساد بسبب تراكم القروض المالية التي منحت بشروط ميسرة وبقيت دون سداد لفترة زمنية طويلة بسبب تردي الوضع الاقتصادي. أزمة 2007/2008 بدأت وإقتصاد اليابان يعاني من الكساد مما يعني أعباء إضافية ترتبت على المسؤولين الحكوميين للخروج من أزمتين في وقت واحد, واحدة داخلية والأخرى خارجية كان من الممكن أن تهوي بالاقتصاد العالمي الى الحضيض.
التجربة الأرجنتينية لمحاربة الكساد وإنعاش الاقتصاد 1989-1990 إنتهت الى تضخم مفرط بنسبة 2000% ومحاولة الولايات المتحدة الخروج من أزمة الكساد التي تسببت بها كارثة الرهون العقارية المنخفضة الجودة 2007/2008 قد تنتهي بكارثة مماثلة مع إجمالي عجز في الموازنة بلغ 14 تريليون دولار وعجز سنوي بلغ 1.7 تريليون دولار في ذلك الوقت. إن قيام بنك الإحتياطي الفيدرالي بشراء سندات دين حكومية تصدرها وزارة الخزانة الأمريكية بدولارات مطبوعة حديثا وبدون أن يتوسع الاقتصاد ويزداد معدل الناتج المحلي الإجمالي يعني التضخم, ارتفاع أسعار السلع والخدمات والمواد الأولية على مستوى الولايات المتحدة والعالم. الصين بصفتها أكبر حائز لسندات وزارة الخارجية الأمريكية تراقب بشكل مستمر أسعار صرف الدولار الأمريكي مقارنة بغيره من العملات لأن ارتفاع مستوى التضخم في الولايات المتحدة والعالم يعني خسارة جزء من قيمة السندات التي تحوز عليها وهي تقدر 1.5 تريليون دولار مقيمة بالدولار الأمريكي.
الطلب على النفط سوف يزداد مع نمو الناتج الإجمالي المحلي على مستوى العالم حيث يزداد الطلب على السلع والخدمات. ولكن الاقتصاد العالمي ليس في حالة نمو دائم حيث ينخفض مستوى الطلب على النفط في حالة الكساد وانخفاض الناتج الإجمالي المحلي. ولكن تراجع سعر النفط من مستوى 140 دولار للبرميل الى 40 دولار للبرميل خلال فترة الكساد الاقتصادي التي أعقبت أزمة 2007/2008 لا يحمل الكثير من الأخبار السارة حيث ان سعر 40 دولار للبرميل كان يبدو مرتفعا في أوقات سابقة, أسعار النفط تميل للارتفاع خلال فترات الازدهار الاقتصادي ولكنها لا تعود لمستواها السابق خلال مرحلة الكساد التي تليها. إن ذلك يعني الخسائر لشركات التنقيب عن النفط والتي تعبر عن منظومة اقتصادية متكاملة حيث تتعاظم الخسائر مثل الإنهيار الثلجي الذي قد يبدأ بندف ثلجية صغيرة تتجمع مع بعضها وتتحول لكرة ثلجية ثم إنهيار يجرف في طريقه كل شيء. إن مشاريع تطوير النفط في ولاية ألبرتا الكندية والتي تعني التكلفة المرتفعة بسبب صعوبة استخراج مايعرف بالنفط الرملي(Oil Sands). خلال فترة الكساد التي أعقبت أزمة الرهون العقارية 2007/2008 في الولايات المتحدة, تم إلغاء ماقيمته 50 مليار دولار كندي من مشاريع تطوير حقول النفط الرملي في ولاية ألبرتا. وقد أثر ذلك على مدن وبلدات بكاملها مثل بلدة فورتماكماري(FortMacmary) التي تعتمد بشكل رئيسي على سكانها القاطنين فيها ممن يعملون في شركات التنقيب عن النفط. إلغاء 50 مليار دولار من المشاريع يعني خسارة عائدات وضرائب تجنيها الحكومات الفيدرالية والمحلية وخسارة وظائف في القطاع الخاص وربما الحكومي وخسائر للمواطنين والمقيمين بسبب زيادة في الضرائب قد تفرضها الحكومة لتعويض النقص في الدخل من النفط.
ارتفاع تكلفة إنتاج النفط وازدياد صعوبة الحصول على المزيد من الإمدادات يجب أن تؤخذ في الحسبان حيث أنها إحدى الأسباب التي تمنع انخفاض أسعار النفط الى مستوياتها السابقة في حالة الكساد الاقتصادي. الصين خلال فترة الثمانينيات, كانت تستهلك 2 مليون برميل من النفط يوميا, ولكنها اليوم تستهلك أكثر من 7 ملايين برميل. وفي حالة الكساد الاقتصادي وإنخفاض ناتجها المحلي الإجمالي, فإن إستهلاك الصين للنفط سوف ينخفض ولكنه لن يعود لمستوى 2مليون برميل كما في السابق. هناك عدد من العوامل التي تلعب دورا في ذلك لعل أهمها هو ازدياد قدرة الدول على إمتصاص الصدمات الاقتصادية بدون خسارة عدد كبير من المواطنين لوظائفهم. وهناك عامل الزيادة السكانية التي تلعب دورا مهما في منع انخفاض أسعار النفط في حالة الكساد الاقتصادي الى مستوياتها السابقة.
هناك عوامل أخرى لها علاقة بانخفاض أو ارتفاع سعر النفط ولكنها قد تبدو للبعض ثانوية على الرغم من أهميتها في الحوارات والنقاشات بين المختصين. العامل الأول هو كميات النفط الجديدة المكتشفة التي تنخفض سنة بعد أخرى. العامل الثاني هو إرتباط سعر النفط بسعر صرف الدولار الأمريكي حيث أن الدولار هو عملة الإحتياطي العالمي والعملة التي يتم من خلال بيع وشراء النفط. بالنسبة للعامل الأول, الحديث فيه قد يطول حيث تتعدد الآراء حوله بين مؤيد ومعارض لنظريات ذروة الإنتاج النفطي ونهاية عصر النفط. العامل الثاني له علاقة بالسياسات النقدية للحكومة الأمريكية التي تتجه نحو تخفيض سعر صرف الدولار بما يمنح تنافسية للصادرات الأمريكية. ولكن إنخفاض سعر صرف الدولار أمام العملات الأخرى يعني موجة تضخم سوف تشمل النفط كسلعة أساسية بما يعني ارتفاع سعره حتى في حالة زيادة الإنتاج وانخفاض الطلب.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment