لم يكن غيورغي جوكوف جنرالا عاديا بل كان بطلا من أبطال الإتحاد السوفياتي بكل ما تحمله كلمة البطولة من معنى. الجنرال جوكوف, أو زوكوف كما يلفظها البعض, أحد أعظم القادة العسكريين في الجيش الأحمر وأكثرهم تحقيقا للانتصارات وسجل يخلو من الهزائم. كما أنه قد تم تكريمه بوسام بطل الإتحاد السوفياتي لقيادته قوات الجيش الأحمر في معركة خالخين غول(1938-1939) وتحقيقه الإنتصار على القوات اليابانية. وكان جوكوف الذي تم ترقيته لرتبة جنرال سنة 1941 قائدا عسكريا عبقريا وصاحب تقنيات عسكرية تسجل له كإستخدام الجسور تحت الماء وتبديل محركات الدبابات القابلة للإنفجار بمحركات ديزل حديثة وتقنيات عسكرية أخرى. وبلغت براعة الجنرال جوكوف في القيادة العسكرية لتوزيع القيادة العسكرية للجيش الأحمر الضباط المشاركين في معركة خالخين غول الإستراتيجية إلى الفرق العسكرية التي تفتقد للخبرة لرفع مستواها العسكرية. إن العملية العسكرية لتطويق لتطويق القوات الألمانية في ستالينجراد وتحرير المدينة والتي عرفت بإسم أورانوس(Uranus) كانت إحدى أهم الإنجازات خلال مسيرته العسكرية.
العملية أورانوس هي أحد أبرع عمليات الخداع العسكرية خلال الحرب العالمية الثانية والتي قاتل فيها أكثر من مليون جندي سوفياتي, 800 دبابة, 13000 قطعة مدفعية, ألف طائرة. الهدف من العملية كان بشكل رئيسي تطويق قوات الجيش الألماني السادس بقيادة الجنرال المارشال فريدريش باولس والتي كانت تتمركز في مدينة ستالينجراد ومحيطها بالإضافة إلى مجموعات الجيوش الرومانية المساندة لها, الجيشين الثالث والرابع الرومانيين والتي كانت تحمي أجناب القوات الألمانية. إن القوات الألمانية خلال الفترة التي سبقت الهجوم كانت في حالة سيئة وتعاني من قلة في الأفراد والمعدات فقد كانت مسؤولة عن خط دفاعي بطول 160 كم ومتورطة في عملية هجومية على مساحة تمتد بطول 400 كم. القوات المساند للجيش الألماني السادس والتي كانت تضم قوات ألمانية أخرى كالجيش الميداني الثاني, الجيش الرابع دبابات ومجموعة قوات تنتمي لدول الحلفاء كانت تقاتل مع القوات الألمانية في جبهة ستالينجراد والتي لم تكن بأفضل حالا من نظيرتها الألمانية حيث كانت تعاني من هبوط معنويات أفرادها ومن نقص حاد في المعدات والتموين والذخيرة حتى أنها كانت تعتمد على الخيول في تحريك مدفعية الميدان التي تمتلكها.
ولعل الصدفة لعبت دورها في نجاح تلك العملية حيث أن الهجوم كان مخططا له أن يبدأ في الساعة 5:20 دقيقة صباحا بتوقيت برلين, 7:20 صباحا بتوقيت الإتحاد السوفياتي. وبعد وقت قصير من الساعة الخامسة صباحا, تلقى مقر القوات الألمانية السادسة الذي كان يقع في إحدى القرى على الضفة اليمنى لنهر الدون إتصالا هاتفيا من الملازم جيرهارد شتوك يحذر بناء على معلومات من أحد جنود الإستطلاع السوفيات المقبوض عليهم في قطاع فرقة الخيالة الرومانية الأولى من هجوم سوفياتي وشيك في الساعة الخامسة صباحا, ولكن اتصاله لم يؤخذ على محمل الجد لأن الساعة قد كانت قد تجاوزت الخامسة وقد كانت الإنذارات الكاذبة شائعة في تلك الفترة. ولكن الإنذار الذي تم تجاهله في مقر قوات الجيش الألماني السادس لم يكن كاذبا فالهجوم بدأ بالفعل الساعة 7:20 صباحا بتوقيت الإتحاد السوفياتي وذالك بقصف مدفعي مرَكَّز إشترك فيه 3500 قطعة مدفعية مدفعية وهاون إستمر حوالي 80 دقيقة وهدفت وحت ستار الضباب الكثيف وأصوات القصف لتمهيد المنطقة لتقدم 12 وحدة مشاة, 3 فيالق الدبابات وفيلقين من الخيالة بإتجاه الخطوط الدفاعية الرومانية. القصف إستهدف حصريا القطاعات على أجناب الجيش الألماني السادس والتي كانت تحميها قوات المحور المساندة للقوات النازية خصوصا الجيش الثالث الروماني في القطاع الشمالي لمدينة ستالينجراد. وقد تمكنت القوات الرومانية من صد أول موجتين من الهجوم ولكن نقص الذخيرة والمدفعية المضادة للدبابات بالإضافة إلى أوامر قادة الجيش الأحمر بإستخدام موجات هجومية بالمدرعات مباشرة ضد المواقع الرومانية قد أجبر تلك القوات على الانسحاب الفوضوي. وفي منتصف النهار, حققت فرقة الدبابات الرابعة وفرقة حرس الخيالة الثالثة إختراقا لمواقع الجيش الروماني الثالث في قطاع منطقة(Kletskaya), بينما عند إقتراب نهاية يوم من المعارك الضارية, تم هزيمة قوات الجيش الروماني الرابع التي تراجعت بقاياها التي نجت من التطويق مخلفة عددا كبيرا من القتلى والأسرى.
وخلال فترة زمنية قصيرة, تحققت أهداف العملية أورانوس بالكامل حيث تم حصار مجموعة كبيرة من القوات الألمانية وقوات دول المحور تبلغ بحسب بعض التقديرات 200-300 ألف بينهم قوات الجيش الألماني السادس, الجيش الألماني الرابع, مجموعة من فيالق المشاة وعدة مجموعات من القوات الكرواتية والرومانية المساندة لقوات الجيش الألماني. البعض يرجع أسباب نجاح العملية إلى إعتقاد هتلر بأنه تم تدمير أغلب القوات السوفياتية الفاعلة خلال العملية بارباروسا وأن الجيش الأحمر لم يكن يتوفر على أعداد كافية من القوات لتحقيق هجوم مضاد وفاعل في ستالينجراد والقوقاز, ولكن القادة العسكريين السوفيات أثبتوا لنظرائهم الألمان خطاهم وتمكنوا من حشد مليون جندي لتحقيق الهجوم المضاد في ستالينجراد وتطويق القوات الألمانية بدون حساب القوات التي تم حشدها على الجبهات الأخرى, بينما يرجع آخرون أسباب نجاح الهجوم إلى السرية التي رافقت التخطيط والإعداد على الرغم من أن حشد تلك الأعداد الهائلة من الجنود والدبابات وقطع المدفعية تجعل من مجرد ذكر موضوع السرية أمرا مثيرا للضحك. وقد تكون الصدفة أو ردة الفعل الألمانية البطئية أو برد الشتاء القارس هي السبب نجاح الهجوم. ومهما تكن أسباب نجاح ذلك الهجوم الذي كان بداية النهاية لعملية بارباروسا حيث بدأ التراجع الألماني على طول الجبهة الشرقية وأيضا في أوروبا وفي كافة الجبهات, فإنه لا يمكن ان ننكر أن البطولة والإنضباط والتضحية وهي سمات كان يتصف بها قادة وضباط وجنود الجيش الأحمر قد كان لعبت الدور الأكبر في تحقيق الإنتصار تلو الإنتصار على الجبهة الشرقية وصولا للتحرير الكامل والسيطرة على العاصمة الألمانية برلين.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment