الإنتخابات الرئاسية الأمريكية 2020 سوف يفوز دونالد ترامب بفترة رئاسية ثانية وبفارق مريح عن جون بايدن سوف يبلغ 20% من التصويت الشعبي أو المجمع الإنتخابي. جون بايدن كان سيناتور ونائبا للرئيس وليس لديه سجل سياسي حافل على الرغم من عضويته في الكونجرس لأكثر من ثلاثة عقود. جون بايدن لم تسلط عليه الأضواء بينما ترامب استفاد من مهارته في الدعاية والترويج لنفسه خصوصا بين القطاعات المستائة من أعمال العنف والشغب ونهب المحلات التي إنتشرت مع المظاهرات بسبب مقتل المواطن الأمريكي الأسود جورج فلويد في مدينة مينيابولس-مينيسوتا.
لست من المؤيدين لذلك الرئيس الذي أصفه بأنه أخرق ويذكرني برئيس مصر السابق محمد مرسي الذي كان يطلق تصريحات تدل على ضحالة وجهل على الرغم من حصوله على شهادات علمية رفيعة. ولكن ذلك ليس له علاقة بالأسباب التي تجعلني أعتقد بفوز ترامب في إنتخابات 2020 الرئاسية.
أول تلك الأسباب أن موجة المظاهرات التي إندلعت إثر مقتل جورد فلويد بدأت تفقد زخمها وأسباب إستمرارها بسبب تركيزها على قضية واحد وهي مسألة تعامل الشرطة العنيف مع المواطن الأمريكي. حتى أن شخصا مثل جورج فلويد يقال أن لديه سجل جنائي حافل قد تحول الى رمز وأيقونة ثورية مما أدى الى إستفزاز الكثير من الأمريكيين الذين يعتقدون أن الشرطة تمارس العنف مع الجميع. مظاهرات ترفع شعارات مثل (حياة السود تهم) هي مستفزة نوعا ما كأن حياة الأعراق الأخرى لا تهم. الشرطة الأمريكية تطلق النار أيضا على الأمريكيين البيض ومن أصول لاتينية والآسيويين ولكن الإعلام يركز على قضايا معينة لأهداف سياسية.
ثاني تلك الأسباب هو أن مثيري الشغب قد استغلوا تلك المظاهرات من أجل القيام بأعمال السلب والنهب والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة والتي كثير منها يقع في أحياء فقيرة ويمتلكه أمريكيون من الأقليات أو من الأمريكيين السود. إن ذلك سوف يؤدي الى توحيد أصحاب الأعمال الصغيرة والمتوسطة والشركات الكبيرة والأثرياء مع ترامب حيث سوف تنهال عليه التبرعات والدعم السياسي بعد أن أظهر قيادة قوية في مواجهة مثيري الشغب والفوضى. المشكلة أن هناك من يدافع عن أعمال الحرق والنهب باعتبارها أضرارا جانبية ولكن لايمكن تبرير ارتكاب عشرات الأخطاء في سبيل إصلاح عمل خاطئ واحد.
ثالث تلك الأسباب أن هناك إيمانا قويا من أتباع ترامب أن تلك المظاهرات يتم تمويلها من الديمقراطيين وأنها تلقى دعما ماليا وتوجيها سياسيا من أثرياء أمريكيين معارضين لترامب مثل جورج سورس. والحقيقة أنني أجد أن تلك المظاهرات منظمة جيدا وليست من أعمال الهواة. كما أن هناك إطلاق نار من مجهولين ضد رجال الشرطة والمتظاهرين وموجة جرائم خصوصا في مدينة شيكاغو حيث قتل في 31/مايو 18 شخصا مما جعله اليوم الأكثر دموية في تاريخ المدينة منذ أكثر من 60 سنة.
إن أحداث الولايات المتحدة تعتبر نسخة مطابقة لأحداث الربيع العربي في تونس, مصر, ليبيا وسوريا حيث كان هناك شخص ما قام الإعلام على تحويله الى أيقونة ثورية. يقتل في الولايات المتحدة كل سنة العشرات بسبب عنف الشرطة حيث كاميرات الهاتف المحمول تصور وتبث الأحداث في وقتها الحقيقي على وسائل التواصل الإجتماعي ولم تقم أي ثورة أو مظاهرات إلا قبل الإنتخابات الرئاسية ببضعة أشهر. تخيلوا أن متظاهرين ضد العبودية في الولايات المتحدة ودول غربية يقومون بشراء ملابسهم من محلات تستخدم الأطفال والنساء في دول أسيوية في ظروف عبودية حقيقة وأجور قد لا تزيد عن دولارين في اليوم. أو أن متظاهرين من السود ينهبون ويسرقون محلات يملكها فقراء السود وذلك من أجل تحقيق العدالة لمواطن أمريكي أسود هو جورج فلويد.
ثم هناك الكذبة السخيفة عن المميزات التي ينالها أصحاب البشرة البيضاء, ولكن أصحاب البشرة السوداء ينالون أيضا مميزات. إن نسبة مؤثرة من لاعبي دوري كرة السلة الأمريكية هم من الأمريكيين السود وأغلب مشاهر دوري الإن بي إيه هم من السود مثل الراحل كوبي براينت, كريم عبد الجبار, شاكيل أونيل, ماجيك جونسون, ليبرون جيمس, مايكل جوردان, ويل تشامبرلاين وغيرهم الكثير. وفي لعبة كرة القدم الأمريكية الكثير من المشاهير من الأمريكيين السود وفي لعبة البيسبول وغيرها من الرياضات. في مجال الغناء, الأمريكيون السود احتكروا تقريبا غناء الهيب هوب والجاز حيث برز نجوم غناء أغلبهم من السود مثل فيفتي سينت, سنوب دوغ, فاريل وغيرهم. وفي مجال الإعلام وتقديم البرامج, برز عدد من الأمريكيين السود لعل أشهرهم أوبرا وينفري وستيف هارفي.
المتظاهرون في الولايات المتحدة ذاكرتهم قصيرة مثل ذاكرة السمك. تركوا شركات التأمين الطبي التي تنهب جيوبهم, نظام رعاية صحي مكلف, شركات المياه والكهرباء التي ترفع الأسعار بدون حسيب أو رقيب, بنوك وول ستريت التي تغامر بأموال الفقراء ثم تخسر وتطلب من الحكومة إنقاذها من أموال دافعي الضرائب, الفساد الحكومي, إنتخابات يتم تزويرها أو شرائها في أفضل الحالات, التهرب الضريبي والملاذات الضريبية وعشرات الأمور الأخرى التي تعتبر أهم من أشخاص قتلتهم الشرطة ومن الممكن الفصل في المسألة في المحاكم بواسطة محامين بارعين. الأمريكيون خسروا منذ إغتيال جون كينيدي أي فرصة لهم في إحداث تغيير حقيقي على أرض الواقع حيث لم تبدر من الشعب الأمريكي ردة فعل على اغتيال أحد أفضل الرؤساء الذي عرفتهم الولايات المتحدة والذي قتل بسبب محاولته تحجيم دور بنوك وول ستريت وبنك الإحتياطي الفيدرالي الأمريكي. ولو بدأ الأمريكيون الثورة سنة 1963 عندما كانت لديهم فرصة حقيقة, كان من الممكن أن تتغير الكثير من الأمور في عصرنا الحالي.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment