Flag Counter

Flag Counter

Saturday, July 6, 2019

الرأسمالية والديمقراطية

خلال مرحلة الحرب الباردة، كانت وسائل الإعلام الغربية تقوم بعقد المقارنات بين الأنظمة السياسية والاقتصادية في الدول الغربية التي توصف بأنها ديمقراطية وأنظمة الحكم في الدول الاشتراكية التي توصف بأنها ديكتاتورية. وسائل الإعلام كانت تركز هجومها على النظام الاقتصادي للدول الشيوعية وعلى رأسها الاتحاد السوفياتي وأن النموذج الاقتصادي الذي يعتمد على التخطيط المركزي هو نموذج فاشل أدى الى هدر الموارد وأن النموذج الاقتصادي الرأسمالي الذي يعتمد على اللامركزية وعدم تدخل الحكومة في السوق هو المستقبل والضامن لتحقيق النمو الاقتصادي والرفاهية للشعوب. ولكن النظام الاقتصادي الرأسمالي انحرف عن مبادئه التي وضعها عالم الاقتصادي الاسكتلندي آدم سميث في كتابه "ثروة الأمم" حيث سيطر تحالف من بضعة بنوك مركزية وشركات عابرة للقارات على اقتصاد العالم فيما يشبه نظام الاحتكار للسلع والخدمات.
وهناك من يتبنى وجهة النظر القائلة في أن الرأسمالية والديمقراطية هما مصطلحان مترادفان لا يمكن الفصل بينهما. ولكن التجربة اثبتت عكس ذلك وأن النظام الاقتصادي الرأسمالي قد أصبح في حكم الماضي حيث حل مكانه نظام اقتصادي نيوليبرالي أصبح مرادفا للانقلابات العسكرية والقمع والديكتاتورية وازدياد الفقر والهوَّة الطبقية بين فئات المجتمع. الولايات المتحدة تعتبر أفضل انعكاس لتطبيق المبادئ النيوليبرالية التي خرجت من رحم مدرسة شيكاغو الاقتصادية التي يعتبر عالم الاقتصاد ميلتون فريدمان هو الأب الروحي والمؤسس الأبرز لها. معاهد الأبحاث والتفكير التي تتبع تفكير مدرسة شيكاغو الاقتصادية تهاجم باستمرار دول أوروبية بسبب ما تسميه "دولة الرفاه الاجتماعي" وتدخل الحكومة في السوق حيث تعتبر المدرسة الاقتصادية الكينزية التي تتبع مبادئ عالم الاقتصاد الإنجليزي جون مينارد كينز ذات رأي مؤثر.
في دول مثل تشيلي والأرجنتين، ساندت الولايات المتحدة أنظمة الحكم العسكرية حيث وفَّر ذلك فرصة ثمينة كان ينتظرها ميلتون فريدمان منذ الخمسينيات حيث قام ومجموعة من تلاميذه بتقديم النصائح حول ما يعرف بمبدأ (العلاج بالصدمة) لحكومات تلك الدول، خصخصة مؤسسات وشركات الدولة، تعويم العملة، تقليص عدد موظفي الجهاز الحكومي ورفع الدعم عن السلع والخدمات خلال فترة زمنية قصيرة هي أبرز ملامح مبدأ "العلاج بالصدمة." النتائج كانت كارثية بكل المعايير والمقاييس حيث ازدادت نسبة البطالة وتضاؤل حجم الطبقة الوسطى. كما أن الحكومات العسكرية في أمريكا اللاتينية، خصوصا حكومة دولة تشيلي، التي قبلت نصائح فريدمان وتلاميذه قمعت الاحتجاجات المناوئة لها بقوة السلاح مما أدى الى سقوط عدد كبير من الضحايا وتم تسجيل حالات اختفاء بلغت في الأرجنتين 30 ألف حالة لم يعرف مصيرها حتى اليوم وكذلك في دولة تشيلي التي كانت تحت حكم الديكتاتور أغسطو بينوشيه.
المشكلة أن حكومات الدول الغربية لا تمانع في التدخل لإنقاذ البنوك والشركات التي تعتبرها أكبر من أن تفشل في حال تعثرها كما حصل أثناء أزمة الرهون العقارية منخفضة الجودة 2007/2008 التي بدأت في الولايات المتحدة وتحولت الى أكبر أزمة عالمية حتى تاريخه حيث بلغت خسائر أسواق البورصات والأسهم العالمية تريليونات الدولارات. ورغم أن مبدأ التدخل الحكومي في الأسواق مرفوض وفق مبادئ المدرسة الاقتصادية النيوليبرالية، ولكن حكومة الولايات المتحدة على سبيل المثال ضخت مئات المليارات من أموال دافعي الضرائب لمحاولة إنقاذ بنوك مثل غولدمان ساكس وشركة التأمين الأكبر في العالم (AIG) على الرغم من أنهم تورطوا في المتاجرة بأصول مالية مسمومة وعالية المخاطرة.
إن مجالس إدارة المؤسسات المالية التي تتحكم باقتصاد العالم وعلى رأسها البنوك المركزية ليست منتخبة ولا تخضع الى أي مسائلة من الهيئات التي من المفترض أن المواطنين انتخبوها لتحميهم ومصالحهم، وزير الخزانة الأمريكي لا يحق له دخول مبنى بنك الاحتياطي الفيدرالي في مدينة نيويورك بدون موعد يتم تحديده له مسبقا من قبل رئيس مجلس إدارة البنك. بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وبنك التسويات الدولي في سويسرا مملوكة لمجموعة من المستثمرين وأغلب البنوك المركزية في العالم لا تمتلكها الحكومات.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

النهاية

No comments:

Post a Comment