يتجاهل الإعلام الحكومي الرسمي في بعض الدول العربية الدور الذي لعبته الدول الغربية خصوصا الولايات المتحدة وبريطانيا في تقديم الدعم لتنظيمات الإسلام السياسي مثل الإخوان المسلمين والقاعدة. أسباب ذلك التجاهل تتراوح بين رغبة الحكومات في عدم إثارة الرأي العام الغربي أو السيطرة الحكومية على أجهزة الإعلام بما لا يسمح بنشر أراء تخالف وجهة النظر الرسمية وأسباب أخرى كثيرة. أجهزة الإعلام الغربية تمارس النفاق وتوجه التهم لبعض الدول العربية مثل المملكة العربية السعودية بدعم الإرهاب وتمويل الإرهابيين, يعتبر ذلك أداة للإبتزاز السياسي. ولكن على أرض الواقع فإن تمويل الإسلاميين خلال مرحلة الثمانينيات والتسعينيات قد كان ثمرة تعاون بين حكومات دول متعددة مثل المملكة العربية السعودية, باكستان, الولايات المتحدة وبريطانيا. الدول الغربية استفادت في السابق ومازالت تستفيد من الخدمات التي تقدمها لها تنظيمات الإسلام السياسي خصوصا خلال مرحلة الحرب الباردة حين كانت الدول العظمى غير راغبة في مواجهة عسكرية مباشرة. عبدالله عزام, الأب المؤسس لتنظيم القاعدة, كان يخطط لنقل تجربة الجهاد الأفغاني الى الدول العربية عبر المتطوعين العرب الذين اكتسبوا خبرة قتالية أثناء مرحلة الحرب السوفيتية-الأفغانية. بينما تلميذه أسامة بن لادن قام بتحويل تلك الفكرة الى أمر واقع وبدأت خلايا التنظيم بتنفيذ هجمات في دول عربية وغربية.
الأجهزة الأمنية الغربية التي كانت تدير المنظمات الإسلامية المتطرفة عبر عملائها كانت تحتضن من تراه مناسبا من القيادات وتتخلص من بعضهم حتى تفسح الطريق لآخرين. تم إغتيال عبدالله عزام ومازالت الجهة المنفذة مجهولة حتى هذه اللحظة ولمع نجم أسامة إبن لادن الذي اصطدم في مرحلة لاحقة مع أبو مصعب الزرقاوي زعيم تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين فتمت تنحية الزرقاوي ومن ثم إغتيال أسامة إبن لادن في هجوم للقوات الخاصة الأمريكية على مخبئة في مدينة أبوت أباد الباكستانية فتمت تصفية بقايا تنظيم القاعدة لإفساح المجال أمام أبو بكر البغدادي ليقيم تنظيم داعش الذي تحول في مرحلة لاحقة الى تنظيم الدولة الإسلامية أو دولة الخلافة. معاهد الأبحاث الغربية التي ترفع نتائج دراستها وتقاريرها الى الجهات الأمنية والسياسية في بلدانها لا تعرف الصدفة مكانا في قاموسها. البداية كانت في تسريح قوات الجيش العراقي والأجهزة الأمنية التي قام بها بول بريمر الذي تم تعيينه من قوات الإحتلال الأمريكي حاكما للعراق حيث توفرت للتنظيمات الجهادية أعداد كبيرة من العاطلين عن العمل ممن لديهم خبرات عسكرية وأمنية ويمتلكون القدرة على الوصول الى قاعدة بيانات أمنية مهمة. ولعل من يلاحظ أن عدد من قادة داعش أو ولاته في المناطق التي أعلنها هم من قادة الجيش العراقي العسكريين والأمنيين.
إن من يقوم بالتشكيك بدور الولايات المتحدة في دعم تنظيم داعش والتنسيق بينه وبين تنظيمات من المفترض أنها مصنفة معارضة معتدلة وتتبع مايسمى الجيش السوري الحر لا يمكن أن يجيب عن الأسئلة حول الإجتماع بين السيناتور الأمريكي جون ماكين وعدد من قيادات التنظيمات المسلحة التي تقاتل الجيش السوري في إحدى القواعد العسكرية التي سيطرت عليها تنظيمات مسلحة في مدينة حلب. ولكن إحتضان الدول الغربية للتنظيمات الأصولية المتطرفة له سوابق تاريخية خلال مرحلة الجهاد الأفغاني ومن ثم حرب البوسنة حيث تغاضت الدول الغربية عن قيام دول مثل تركيا والسعودية بخرق حظر السلاح وإرسالها الأسلحة الى القوات البوسنية والكرواتية. ولكن بداية منذ عام 1993, بدأت الإرهاب في التحول الى ظاهرة عالمية من خلال هجوم على مركز التجارة العالمي في مدينة نيويورك سنة 1993, هجمات مترو باريس سنة 1995 وهجمات إرهابية في السعودية خلال نوفمبر من نفس السنة وخلال سنة 1996. لقد إنقلب السحر على الساحر وخرج المارد من القمقم.
عادل عبد الباري وإبراهيم عيداروس كانا أعضاء في منظمة الجهاد الإسلامي المصرية التي كان يقودها أيمن الظواهري وحكم عليهما بالسجن في الولايات المتحدة لتورطهما في تفجيرات السفارات في دار السلام ونيروبي. عادل عبد الباري كان يدير معسكرات التدريب التابعة لتنظيم القاعدة في أفغانستان قبل وصوله الى لندن ومنحه حق اللجوء سنة 1993 ومحكوم غيابيا بالإعدام في مصر لتورطه في تفجير خان الخليلي سنة 1996. عيداروس كان مسؤولا عن تنظيم خلايا للجهاد الإسلامي في دولة أذربيجان سنة 1995 ومن ثم سافر الى لندن حيث منح حق اللجوء السياسي وتم تعيينه قائدا لذات التنظيم في بريطانيا. خالد الفواز رئيس لجنة الشورى والإصلاح التابعة لأسامة إبن لادن تم إعتقاله سنة 1998 نتيجة تورطه في تفجير السفارات في أفريقيا ولكن السلطات البريطانية سمحت له بالنشاط العلني رغم علمها بماضيه وخلفيته المتشدِّدة. محامو الفواز قدموا دفوعا في المحكمة بأنه كان على إتصال منتظم بالأجهزة الأمنية البريطانية ويجتمع معها بشكل دوري. الحكومة البريطانية منعت ترحيل عبد الباري وعيدروس الى الولايات المتحدة والى مصر لأن حقوقهم قد تتعرض للإنتهاك خصوصا في مصر حيث هم معرضون للحكم بالإعدام بسبب تورطهما في عدد من الأعمال الإرهابية مثل مذبحة السياح في الأقصر.
الأجهزة الأمنية البريطانية الداخلية(إم أي 5) والخارجية(إم أي 6) أعدت تقريرا سنة 1993 عن الأصولية الإسلامية في الشرق الأوسط رفعته الى وزارة الخارجية ويحتوي على مجموعة من النقاط المهمة. الأصولية الإسلامية تتغذى على الفضل في حل المشاكل الإقتصادية والإجتماعية والفساد في الحكم وإفلاس الأيديولوجيات السياسية مثل الشيوعية والناصرية التي عملت بريطانيا على تقويضها مفسحة المجال أمام الإسلاميين ليملئوا الفراغ. الأصولية الإسلامية لا تعني بالضرورة التطرف السياسي ومعاداة الغرب. إن أهداف الأصوليين الإسلاميين معارضة ومتناقضة مع أهداف الليبرالية الغربية خصوصا فيما يتعلق بالحريات, التعدد السياسي, التسامح الديني مع الأقليات وحقوق المرأة. ولكن الحكومات البريطانية والغربية تصدت لحكومات عملت على منح المرأة حقوقها وتميزت بالتسامح الديني. كما أن بريطانيا ساندت حكومات قمعت المرأة ورفضت الاعتراف بحقوق الأقليات الدينية. وينتهي التقرير بأن الأصولية الإسلامية لا تمثل تهديدا متماسكا للمصالح الغربية وأنه يمكن التعامل معها. وبناء على ذلك التقرير, فقد سمحت الحكومة البريطانية للمتطرفين الإسلاميين بالعمل إنطلاقا من أراضيها.
أسامة إبن لادن قام بتأسيس لجنة الشورى والإصلاح في لندن سنة 1994 مباشرة بعد قيام الحكومة السعودية بسحب جنسيته. كما أن جماعة الإخوان المسلمين كانت تدير مكتبها الدولي من لندن. أسامة إبن لادن قام بزيارة لندن عدة مرات في الفترة 1994-1996 بطائرته الخاصة. أتباع أسامة إبن لادن في لندن قدموا طلبا للحكومة البريطانية لدراسة إمكانية منحه حق اللجوء السياسي سنة 1996 لكن الطلب تم رفضه بعد دراسة وتمحيص من الأجهزة الأمنية البريطانية. سعد الفقيه الذي منح حق اللجوء السياسي في لندن وقام بتأسيس حركة الإصلاح الإسلامي في الجزيرة العربية سنة 1996 إعترف بأنه يحتفظ باتصالات منتظمة مع الأجهزة الأمنية البريطانية ويقدم لها المشورة بشأن السعودية.
الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة, بريطانيا وفرنسا تقدِّم الدعم لتنظيمات الإسلام السياسي وأذرعها الإرهابية وذلك في سبيل خدمة مصالحها وأجنداتها في المنطقة. تنظيمات مثل القاعدة, داعش وجبهة النصرة تعتبر عصا غليظة يتم بواسطتها تأديب الدول التي تصفها واشنطن ولندن بأنها مارقة, ترفض الإنصياع للإرادة الغربية. الولايات المتحدة تستفيد من الأعمال الإرهابية التي تقوم تلك التنظيمات بتنفيذها في حربها المزعومة ضد الإرهاب, الإستراتيجية البديلة للحرب الباردة. مبيعات السلاح الى المنطقة العربية في تزايد بسبب التوتر الأمني والسياسي التي يتغذى من تدخل الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة في شؤون المنطقة. بريطانيا تستفيد هي أيضا من الحرب ضد الإرهاب في تعزيز أجهزتها الأمنية ومصادرة الحريات وزيادة الرقابة حيث تمتلئ شوارع المدن البريطانية بكاميرات المراقبة. السلام بلا مبالغة يعني خسارة مليارات الدولارات عبارة عن مبيعات الأسلحة والأجهزة والمعدات الأمنية وزيادة مخصصات الأجهزة الأمنية وتجنيد المزيد من العناصر. عولمة الإرهاب هي الإستراتيجية الجديدة للنخب السياسية الغربية والتي تحولت الى أمر واقع بفضل موجة اللاجئين التي عبر من خلالها آلاف الإرهابيين الى دول أوروبية والأعمال الإرهابية التي تقوم بها تنظيمات مثل داعش والقاعدة.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment