Flag Counter

Flag Counter

Saturday, July 6, 2019

الرأسمالية وقوى التدمير الخلاق

إن أحد أهم المبادئ التي تأسَّست عليها الرأسمالية هي المنافسة والأسواق الحرَّة حيث التدخل الحكومي محدود يقتصر على ضمان تنفيذ العقود، وحماية حقوق الملكية الخاصة والملكية الفكرية. الأسواق هي مكان يتم من خلاله عمليات البيع والشراء، تبادل السلع والخدمات مقابل مبلغ يحدده عقد بين البائع والمشتري. البائع يرغب في تلقي أفضل سعر نظير بضاعته أو الخدمة التي يقدمها للمشتري الذي يبحث بدوره عن أكثر البضائع جودة وأرخصها ثمنا. القدرة على التكيُّف هي أساسية لضمان البقاء والقدرة على المنافسة حيث البقاء للأقوى وحيث قوانين المنافسة في السوق تتبدل وتتغير باستمرار. الرأسمالية وجدت لتستمر بطريقة أو بأخرى حيث قوى التدمير الخلاق (Creative Destruction) والتي هي عبارة عن آلية غير مرئية تعتبر بمثابة شريان الحياة للرأسمالية، شركات تنهار وتعلن إفلاسها لتحل مكانها شركات جديدة بأفكار جديدة حيث رأس المال يتجه دائما نحو النشاطات الأكثر تحقيقا للربح.
شركة كوداك هي أحد أفضل الأمثلة على الآلية التي من خلالها يمكن أن نفهم كيف تعمل قوى التدمير الخلاق على ضمان استمرار الرأسمالية في العمل وحمايتها ليس فقط من أعدائها بل من التدمير الذاتي. إن التقدم والتطور في صناعة كاميرات التصوير الرقمي قد أديا الى ثورة تكنولوجية في مجال التصوير الفوتوغرافي. طرق التصوير التقليدية أصبحت أو تكاد تصبح من الماضي. كما أن كاميرات التصوير الرقمي قد أصبحت أرخص ثمنا، أكثر تعقيدا وأصغر حجما حيث يمكن شراء قطع إضافية مثل عدسات تصوير متطورة أو شرائح ذاكرة ذات قدرات تخزين مختلفة تصل الى 64 جيجا بايت أو أكثر.
سوق الهواتف الذكية كان خاضعا في السابق لسيطرة شركات مثل آبل بهاتف آيفون(iPhone)، سامسونغ، سوني وموتورولا، ولكن الشركات الصينية مثل هواوي، لينوفو وشاومي تنافس بقوة وتستحوذ على حصة سوقية مؤثرة. شركة لينوفو التي تقوم بتصنيع الأجهزة اللوحية والحواسب المحمولة قامت بالاستحواذ على وحدة تصنيع الهواتف الذكية في شركة موتورولا. شركة هواوي أصبحت رائدة في مجال شبكات الهاتف المحمول(5G) وتفوقت في مجال تصنيع هواتف محمولة مزودة بقدرة تصوير باستخدام كاميرا ثلاثية العدسات.
الهواتف الذكية لحقت بقطار التكنولوجيا والتقدم خصوصا سرعة المعالجات وسعة الذاكرة التخزينية وتوفر ملحقات يمكن شرائها وإضافتها الى الهاتف تجعل تجربة استعماله مختلفة تماما. شركة نوكيا الفنلندية لم تتمكن من التكيف واللحاق بركب التكنولوجيا رغم أنها خلال فترة سابقة كانت تسيطر على حصة مؤثرة من سوق الهاتف المحمول وقامت ببيع قسم الهاتف المحمول الى شركة مايكروسوفت مقابل 7.5 مليار دولار. شركة مايكروسوفت وهي على الرغم من سيطرتها على سوق برمجيات الحواسيب إلا أنها هواتفها المحمولة المزودة بنظام ويندوز فشلت في جذب انتباه المستهلكين. شركة غوغل حاولت أيضا الدخول الى سوق الهواتف الذكية عبر هاتف نيكسوس(Nexus) ولكنه لم يلقى قبولا على الرغم من سعره المناسب وإستخدامه نظام تشغيل غوغل الآمن.
حتى وسائل الإعلام التقليدية لم ولن يكون لديها أي فرصة للبقاء بدون أن تكون قادرة على التكيُّف في سوق تحكمه قوى التدمير الخلاق. مبيعات الصحف المتدنية ونسبة المشاهدة المنخفضة للمحطات التلفزيونية تعني تأثُّرَ العائدات الإعلانية التي تعتمد عليها وسائل الإعلام بشكل رئيسي. هناك صحف قامت بإنشاء مواقع موازية لنسختها المطبوعة على الشبكة العنكبوتية بينما قامت صحف أخرى بإلغاء نسختها المطبوعة والتحول الى النشر الرقمي. ظهور مواقع التواصل الاجتماعي الى حيز الوجود أدى الى تغيير في قواعد اللعبة الإعلامية، موقع فيسبوك تحول الى دولة داخل دولة حتى أنه يخطط لإصدار عملته الخاصة. مواقع التواصل الاجتماعي استحوذت على نصيب مهم من سوق الإعلانات حيث نجحت في تقديم منتجات إعلانية متنوعة وبأسعار تنافسية. مواقع مثل تويتر وفيسبوك نجحت في تغيير النمطية التقليدية في عمل وسائل الإعلام التي بدأت بخسارة مواقعها التي حافظت عليها لعشرات السنين لصالح أشخاص يمتلكون هاتفا ذكيا يتصل بشبكة الإنترنت وحساب على موقع فيسبوك أو تويتر. إن أول من حقَّق السبق في الإعلان للعالم عن الغارة الأمريكية على مخبأ أسامة ابن لادن في مدينة أبوت أباد الباكستانية ليس محطة سي إن إن أو فوكس نيوز بل مواطن باكستاني من خلال هاتفه الذكي وحسابه على موقع تويتر.
مئات الكتب التي تتحدث عن المحاولات لإصلاح النظام الرأسمالي الذي تحول الى ما يشبه الثقب الأسود وحتى هناك من يروِّجُ لانهيار الرأسمالية. في الوطن العربي، تلقى تلك النوعية من الكتابات شعبية واسعة. ولكن الرأسمالية لن تنهار وتختفي من الوجود كما يحلم يتصوَّرُ بعض الحالمين الغارقين في نظرية المؤامرة. الرأسمالية سوف تعيد إنتاج نفسها عبر قوى التدمير الخلاق حيث يتم توظيف رؤوس الأموال في المجالات الأكثر جذبا للمستهلكين وبالتالي الأكثر تحقيقا للمبيعات والأرباح.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

النهاية

No comments:

Post a Comment