Flag Counter

Flag Counter

Thursday, July 11, 2019

كيف تغِّير العولمة العالم كما نعرفه؟

لقد تحول العالم الى قرية صغيرة بفضل التطور في وسائل الإتصالات والمواصلات حيث تم اختصار الوقت والتكلفة لنقل البضائع والخدمات. العولمة أصبحت أمرا واقعا, الشركات العابرة للقارات وإتفاقيات التجارة الحرَّة هي التي تحكم العالم متجاوزة الحكومات الوطنية, مصطلحات مثل السيادة والحدود أصبحت من ذكرات الماضي. ولايمكن أن ننكر أن الرأسمالية قد ساهمت في تحسين حياة ملايين البشر ولكنها حولت حياة ملايين آخرين الى جحيم. الدول الكبرى هي التي تضع بنود الاتفاقيات التجارية مثل النافتا أو القوانين التي تحكم عمل منظمة التجارة العالمية حتى توافق مصالحها متجاوزة كل قانون أخلاقي حيث المصلحة الذاتية للشركات الغربية تحتل سلَّمَ الأولويات. ملايين العاملين في دول مثل بنغلاديش, تايلند, أندونيسيا يعمل مقابل أجر قد لا يتجاوز دولارين أو ثلاثة في اليوم في ظروف عمل أقرب الى العبودية وبدون قوانين تحمي حقوقهم.
الإتحاد الأوروبي يفرض شروطه على دول في آسيا وإفريقيا خصوصا إلغاء الرسوم الجمركية على البضائع التي يتم استيرادها من دول الإتحاد وذلك بموجب إتفاقيات التجارة الحرَّة  بينما في الوقت نفسه يقوم بفرض رسوم جمركية قد تبلغ 10% على السيارات التي يتم إستيرادها من دول آسيوية و 12% على الملابس. الصادرات الزراعية الأوروبية حرمت مزارعين أفارقة من مصدر رزقهم بسبب إنخفاض ثمنها مقارنة مع المنتجات المحلية. الدول الأوروبية تقوم بتقديم الدعم للمزارعين المحليين بينما تشترط في إتفاقيات التجارة الحرَة التي توقعها مع دول العالم الثالث إلغاء كافة أنواع المساعدات المالية التي تقدِّمها الحكومات الى مزارعيها. الإنتاج الزراعي الأوروبي يعتمد نمط الإنتاج الصناعي المكثف حيث يسيطر عدد محدود من الشركات على سوق الإنتاج الزراعي والحيواني بما يسمح لها بالتحكم بالأسعار.  في فيلم وثائقي بعنوان "لعبة العولمة - اكذوبة التجارة الحرة" من إنتاج قناة دي دبليو(DW) الألمانية الناطقة بالعربية, مزارعو البصل في الكاميرون تضرروا بسبب إتفاقية تجارة حرة مع أوروبا حيث يباع البصل المستورد من هولندا بأرخص من الإنتاج المحلي بنسبة الثلث. بينما الحكومة الكاميرونية غير قادرة على مساعدتهم بفرض رسوم جمركية بسبب الإتفاقية التجارية التي تمنعها من ذلك.
القطاع الزراعي هو أحد الأمثلة على تأثير العولمة على عالمنا كما نعرفه. ولكن ذلك تجاوز المستوى العالمي حيث تعاني المجتمعات المحلية من تأثير العولمة على الوظائف والأجور. الولايات المتحدة خسرت مئات الآلاف من الوظائف مرتفعة الأجر خصوصا في المجال الصناعي بسبب إغلاق الشركات المحلية مصانعها وانتقالها الى حيث تتوفر اليد العاملة الرخيصة وقوانين العمل المَرِنة. في دول مثل الفلبين, اندونيسيا, فيتنام, بنغلاديش, المكسيك والصين يتلقى العامل أجرا يعادل عُشرَ أجر العامل الأمريكي. المتوسط الشهري لأجر عامل اثاث في مصنع في الصين هو 400 دولار وذلك يعادل 25 ساعة عمل أسبوعية لنفس الوظيفة في مصنع أثاث في الولايات المتحدة أو كندا حيث معدل ساعات العمل هو 40 ساعة في الأسبوع. الإقتصاد المحلي تأثَّرَ بشدة بسبب شركات البيع بالتجزئة مثل وول مارت التي شعارها تخفيض الأسعار بشكل مستمر حتى لو كان ذلك على حساب الجودة مما يؤدي الى لجوء المزودين المحليين الى نقل مصانعهم الى بلدان آسيوية وفي أمريكا اللاتينية. المتاجر المحلية خسرت القدرة على المنافسة والمجتمع المحلي خسر عددا من الوظائف بسبب سياسات تخفيض الأسعار العدائية, مستوى الأجور المنخفض وعدم احترام قوانين العمل.
الولايات المتحدة التي تعتبر رائدة في مجال فرض شروطها خلال إتفاقيات التجارة الحرَّة مع بلدان العالم الثالث تخوض حروبا تجارية على عدة جبهات مع الصين, المكسيك, تركيا وحتى الإتحاد الأوروبي بسبب واردات الصلب والسيارات. الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يتهم الصين بسرقة الوظائف من الأمريكيين عبر التلاعب بقيمة العملة(اليوان) والمحافظة على سعرها صرفها منخفضا أمام الدولار الأمريكي حتى تكون للصادرات الصينية الأفضلية في أسواق الولايات المتحدة. ولكن الحكومة الأمريكية خلال عهد الرئيس السابق بيل كلينتون هي من صاغت بنود الإتفاقية التي قبلت الصين بموجبها في منظمة التجارة العالمية وانضمت الى اتفاقياتها التجارية المختلفة. الشركات الأمريكية نقلت مصانعها الى دول مثل الصين, المكسيك وبنغلاديش حتى تستفيد من توقيع تلك الدول على اتفاقيات التجارة الحرة التي تمنح تلك الشركات أفضلية حيث الأجور منخفضة وقوانين العمل المرنة.
عواقب البحث عن الإنتاج المنخفض التكلفة والأسعار المنخفضة ليس بدون نتائج سلبية وعواقب حيث يتم تجاهل معايير السلامة في أماكن العمل لان ذلك يكلَّفُ المال. سنة 1993, وقع حريق في مصنع (Kader Toy Factory) في تايلند حيث قتل 188 عاملا وأصيب أكثر من 500 بجروح. التحقيقات أثبتت أن سبب إرتفاع نسبة الضحايا كان بسبب إقفال إدارة المصنع أبوابه أثناء مناوبات العمل حتى تمنع دخول النشطاء النقابيين الذين يحرضون العمال على المطالبة بأجورهم. سنة 1996, كشف ناشطون أن ملابس Kathie Lee Gifford, كاتبة ومغنية أمريكية, يتم حياكتها في مصانع غير قانونية(Sweatshops) وذلك في بلدين هما الهندوراس وفي مدينة نيويورك في الولايات المتحدة. قسم العمل(The department Of Labour) في ولاية كاليفورنيا إكتشف أن أحد  المتعهدين الذين يعملون لصالح خط ملابس Guess jeans حيث تعتبر العارضة الألمانية الشهيرة كلوديا شيفر أحد وجوهه الدعائية, قد خالف القانون وبمعرفة الشركة حين قام بدفع أقل من الحد الأدنى من الأجور لعماله. وبتاريخ أغسطس\1995, في مدينة المونتي(El Monte) في ولاية كاليفورنيا, وبعد أن قام قسم العمل في الحكومة الأمريكية(Department Of Labour) بغارة على مجمع سكني في المدينة ليتبين احتجاز 72 عامل ملابس من الجنسية التايلندية بالتعارض مع إرادتهم(قسريا) وفي ظروف عمل تمثل العبودية المعاصرة, بعضهم محتجز منذ سبعة سنين. المصنع مملوك لأحد المتعاقدين الذي كان يقوم بصنع الملابس لصالح مجموعة من متاجر التجزئة الشهيرة مثل تارجت(Target) ,سيرز(Sears) والتي أعلنت إفلاسها مؤخرا.
لا يمكن تجاهل الآثار السلبية للعولمة واتفاقيات التجارة الحرَّة وإعتبار ذلك كأنه لم يكن. البعض يقوم على ترديد مزاعم سخيفة بأن دولارين في اليوم تحسُّن إيجابي لأنهم قبل ذلك لم يكونوا يملكون شيئا. عمال يعيشون في أماكن ضيِّقة لا تلبي الحد الأدنى من شروط الصحة العامة حيث تنتشر القذارة في كل مكان. أولئك العمال الفقراء لا يمكنهم زيارة طبيب أو إمتلاك منزل بسيط ومتواضع بسبب فقرهم المدقع حيث تستغلهم تلك الشركات العابرة للقارات التي تحقق أرباحا بمئات المليارات. الكاتبة والناشطة الكندية ناعومي كلاين تحدثت عن ظروف العمل المزرية المناطق الاقتصادية الخاصة(EPZ) في كل من الفلبين, غواتيمالا وسيريلانكا حيث يتم صناعة بضائع تتنوع بين الهواتف الذكية والأحذية الرياضية والملابس. مدراء المصانع يقومون بطرد الموظفات بسبب الحمل حيث يتذرعون بتدني الإنتاجية أو قد يجبرون أولئك النساء على العمل ساعات طويلة بدون مراعاة لظروفهم الصحية حيث يتم ولادة مواليد يعانون من الأمراض أو من عيوب خلقية بسبب ذلك. عولمة الإنتاج الزراعي كانت السبب في إفلاس المزارعين وإنتشار المجاعة في عدد من الدول مما أدى الى ازدياد عدد اللاجئين والمهاجرين الى الدول الغربية وأوروبا.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

النهاية

No comments:

Post a Comment