إن تباطئ النمو الإقتصادي على المستوى العالمي خصوصا في ظل إنخفاض أسعار النفط, إرتفاع أسعار المواد الأولية والغذائية وإرتفاع غير مسبوق في درجات الحرار يفرض تحديات غير مسبوقة على الدول والحكومات خصوصا في الوطن العربي. التقارير الإعلامية الغربية التي تحاول معاهد الأبحاث الغربية(Think Tanks) الترويج لها في الوطن العربي من خلال وكلائها في عالم السلطة الرابعة حيث أنها تحذر من إزدياد الحروب والإضطرابات نتيجة لتحول المنطقة إلى مكان غير صالح للعيش. كما أن التناقص في معدلات سقوط الأمطار وإستنزاف مخزونات المياه الجوفية بمعدل متسارعة يهدد التنمية في الوطن العربي خصوصا موجة جفاف غير مسبوقة تهدد المحاصيل الزراعية وتناقص حصة الفرد من المياه. كما أن الإدارة الغير حكيمة للموارد المائية طوال عقود طويلة وعدم وجود خطط على المدى الطويل لإدارة تلك الموارد ساهم في زيادة حجم المشكلة.
إن ماذكرته ليس إلا نقطة في بحر المشاكل التي يعاني منها الوطن العربي خصوصا غياب نظام قضائي عادل ونزيه يتمتع بالإستقلالية والنزاهة ووجود نظام قضائي موازي في كثير من البلدان حيث المحاكم لا تخضع لسلطة وزارة العدل ولايمكن إستئناف أحكامها.
الواسطة والمحسوبية والفساد وإنتشار مفهوم الرشوة حتى أنه تحول إلى أمر مسلم به حيث كان في السابق من المخجل أن يتم إتهام أحدهم بتلقي الرشوة.
الشعوب العربية تطالب بالحرية وأن تتحول بلدانها إلى ديمقراطيات على الطريقة الغربية كالنرويج والسويد وألمانيا وبريطانيا حيث تتبضع المستشارة الألمانية من مركز تسوق بدون أن يعطيها المواطنون الألمان أي إهتمام زائد. وفي السويد تشاهد ولية العهد الأميرة فيكتوريا تتجول بين المواطنين أو تقود مركبتها بدون طابور طويل من سيارات الحراسة أو الحراس الشخصيين الذي يحيطونها كما يحيط السوار بالمعصم تماما كبريطانيا الذي قد تشاهد رئيس وزرائها السابق يستخدم قطارالأنفاق للذهاب إلى عمله بدون أن يطلب منه المواطنون إلتقاط صور سيلفي أو أخذ توقيعه كأحد المشاهير. النظام القضائي النرويجي يتمتع بمستوى مرتفع من الشفافية حيث هناك مقاعد مخصصة للإعلام في كل قاعة للمحكمة وإثنين من المواطنين النرويجيين تكلفهم الحكومة بمراقبة أداء القاضي يجلسون برفقته على يمينه وشماله.
في الوطن العربي لو شاهد أحدهم مسؤول حكومي درجة عاشرة لسارع إلى تقبيل الأيادي والرؤوس ولو صدف أن إلتقى برئيس وزراء لمعطه معطا بالقبلات والعناقات إن سمحت له الحراسات الأمنية بذالك حيث يصطحب أصغر مسؤول حكومي في وطننا العربي عددا من الحراسات الأمنية التي تزيد عن عدد القوات التي خاض بواسطتها المسلمون معركتي اليرموك والقادسية معا.
الديمقراطية لا تصلح في الوطن العربي فالإنتخابات والبرلمانات والتصويت ومفاهيم مثل النزاهة والشفافية وسيادة القانون لا تعمل بكفائة إلا عند تطبيقها في بيئة تنخفض فيها نسبة الأمية والجهل وينتشر فيها الوعي والشعور بالمساواة والإحساس بالمسؤولية. إن تلك المفاهيم السابقة لم تسمع فيها أغلبية الجماهير في الوطن العربي حيث أن إهتماماتها تنحصر بأفلام السينما والمسلسلات التركية والهندية المدبلجة حيث يكون البطل الخارق الذي يحقق العدالة للجميع وحيث تعمل محطات تلفزيونية كالإم بي سي على بث تلك النوعية الهابطة من المواد الإعلامية ضمن جهودها لتسطيح العقل العربي وهدم المفاهيم المجتمعية كالأسرة والزواج والتكافل الأسري كجزء أساسي من الجهود لهدم المجتمعات العربية وتفكيكها.
الحرية عندما تمنح لجاهل كأنك تمنح سلاحا لمجنون وفي الوطن العربي لا نخجل من أنفسنا حين تكون دولة صغيرة ككوبا مازالت حتى هذه اللحظة تحت الحصار الإقتصادي والعسكري الأمريكي ورغم ذالك فإن نسبة محو الأمية فيها أعلى من أي بلد عربي ويمتلك مواطنوها وعيا سياسيا وسعة أفق أكثر من أغلب من يطلقون على أنفسهم في الوطن العربي نخب سياسية ويتم تعيينهم في مناصب بارزة. النظام الديمقراطي يعطي الحقوق نفسها للجاهل والغير متعلم بالمساواة مع المتعلم والمثقف من ناحية صواب الرأي والحكمة في إتخاذ القرار. في ظل النظام الديمقراطي فإن تاجر المخدرات والمجرم الذي قضى عمره وراء القضبان له نفس الحقوق الإنتخابية مع بروفيسور الجامعة ومن يحمل أرفع الشهادات العلمية على الرغم من سقوط الكثير من حملة أرفع الشهادات والنخب الثقافية في فخ مايطلقون مايطلق عليه إعلاميا الربيع العربي مع إتضاح الصورة منذ البداية أن القائمين عليه أو الذي قاموا بالعبئ الأساسي هم من الأميين والجهلة أو من يطلق عليهم قاع المجتمع.
الإصلاح يبدأ من القاع بالتدريج وصولا للقمة وليس العكس فالوطن العربي منخور بالأمراض الإجتماعية والإنحطاط الأخلاقي والثقافي وهبوط مستوى الوعي وسيطرة أحزاب الإسلام السياسي على عقول الجماهير العربية في أغلب بلدان الوطن العربي حيث تستخدم سلاح الدين كواجهة لتنفيذ أجنداتها بالسيطرة على كرسي الحكم. المحاكم الشرعية في الوطن العربي مليئة بأشخاص لم يعجبهم قانون المواريث القرأني الإلهي ويريدون تفصيل قانون على مزاجهم يحرمون فلانا من حقه ويمنحون فلانا ما لا يستحق أو يريدون السطو على حقوق الغير بحجج مختلفة. أدخل أي محكمة شرعية في أي بلد شرعي وتجول في أروقتها لتسمع العجب العجاب من قصص وحكايات بداية من أخ يريد حرمان أخواته البنات من ميراثهم, زوجة أب قامت بالإستيلاء بالإحتيال على كافة أموال زوجها وتريد حرمان زوجته الأولى واولاده من حقهم وإلقائهم في الشارع لو أمكن, أم أغلق عليها إخوتها الذكور وحبسوها ثلاثة سنين في المنزل لإجبارها على توقيع تنازل عن حقها الشرعي في الميراث فهل تلك شعوب تنفع معها الديمقراطي والحكم الديمقراطي؟
المشكلة هي وجهة النظر المنتشرة بأن أنظمة الحكم هي السبب وأن القوانين هي السبب في تخلف وجهل الشعوب العربية وأن الإصلاح يبدأ من رأس الهرم بتغيير الأنظمة وليس من القاعدة بمعالجة المشكلة من جذورها والبحث عن الأسباب الحقيقية. تلك قد تكون وجهة نظر صحيحة إذا أجاب من يتبناها على السبب في إستمرار تخلف وجهل أغلب المواطنين العرب في بلاد المهجر وهي التي توفر بيئة إجتماعية وتعليمية لا بأس فيها وأنظمة قضائية تطبق القانون بدرجة معقولة من الرقي سبقت الوطن العربي بأربعمائة سنة على الأقل؟
إن تلك الأزمات الإجتماعية إذا لم تتم معالجتها خصوصا الفقر, الجهل, التباين الطبقي وغياب العدالة والشفافية والنزاهة والنظام القضائي المستقل فإن هناك ثورة قادمة سوف تأكل الأخضر واليابس وسوف تكون ثورة الجماهير العربية بكل ماتحمله الكلمة من معنى ولن تكون كثورات الفيسبوك أو تسمح لأحزاب الإسلام السياسي أن تستخدمها للتلميع الإعلامي أو أن تستخدم أساليب التلفيق وفبركة الصورة والفيديوهات ونشر الأخبار والإشاعات الكاذبة.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment