يمكن تشبيه محاولات الشركات النفطية في إستكشاف مصادر جديدة للذهب الأسود بمحاولة البحث عن عملة معدنية بين وسادات الاريكة لركوب الباص. الشركات النفطية تسعى ليل نهار لتحقيق إكتشافات نفطية جديدة ولكن بإختصار فإن البئر النفطي نهايته إلى النفاذ أو هناك تفسير أخر.
الشركات النفطية وفي محاولتها لإبقاء المعروض أقل من الطلب وذالك لإبقاء الأسعار مرتفعة تقوم بإعلان البئر خاليا من النفط أو أن الكميات المتوفرة الباقية فيه غير ذات جدوى إقتصادية على الرغم من أن مسؤولي تلك الشركة قد يعلمون علم اليقين عدم صحة تلك الأخبار والتقديرات.
مؤسسة (IEA) والتي تم إنشائها بواسطة الإحتكارات النفطية وشركات النفط لمراقبة أسعار النفط ومنع حصول إضطراب في أسواق الإمدادات النفطية من ناحية الإبقاء على سعر برميل النفط المرتفع ذكرت أن معدل نفاذ النفط من الأبار النفطية يكون بمعدل متوسطه ٣.٧% ولكن بعد الأزمة الإقتصادية سنة ٢٠٠٨ فقد قامت بتغيير هاذا الرقم إلى ٦.٧%.
المشكلة التي تواجهها شركات التنقيب عن النفط هي تكاليف الإستخراج المرتفعة للإكتشافات النفطية والتي تعد في تناقص مستمر مثل مشروع النفط الرملي في مقاطعة ألبرتا الكندية حيث العائد لا يزيد عن ١:٢ أو ١:٣ بالإضافة إلى إرتفاع تكاليف التصفية والمعالجة.
ولكن ما هو معلوم فإن السوق النفطي في الولايات المتحدة الأمريكية يعد الأكثر إستهلاكا وحساسية لأي تغيرات سعرية ومرت فترة الذروة النفطية في السبعينيات والإنتاج النفطي الأن في تراجع. الولايات المتحدة كانت تنتج ١٠ ملايين برميل من النفط في بداية تلك الفترة حيث إنخفضت الأن إلى ٥ ملايين برميل من النفط يوميا. حتى في ألاسكا التي ساهم مشروع (Prudhoe Bay) لإستخراج النفط في التخفيف من أثار الحظر النفطي في فترة السبعينيات, فإن إنتاج النفط قد إنخفض إلى مستويات أقل من باقي الولايات الأمريكية. النفط في ولاية ألاسكا تم إكتشافه سنة ١٩٦٠ودخل مرحلة ذروة الإنتاج سنة ١٩٧٧ حيث إنخفض بمعدل مليون برميل يوميا. في الوقت نفسه فإن إستهلاك النفط في الولايات المتحدة قد إرتفع من ١٥ مليون برميل سنة ١٩٧٠ إلى ٢٠ مليون برميل في وقتنا الحالي.
ليس أمريكا وحدها من تواجه مشكلة إرتفاع الطلب وإنخفاض الإنتاج بل هناك كندا والتي إرتفع إستهلاكها للمشتقات النفطية بمعدل ٢٠%, أستراليا ٦٣% ونيوزيلاند ٧٤%.
في سنة ٢٠٠٤ فإن قسم الطاقة في الحكومة الأمريكية قد أعلن الأخبار السارة بخصوص الإنتاج النفطي في خليج المكسيك أو على الأقل الجزء الأمريكي منه. التوقعات المتفائلة إن إنتاج النفط في خليج المكسيك سوف يرتفع بمقدار ٢ مليون برميل في نهاية سنة ٢٠١٠ و٤ مليون برميل في نهاية سنة ٢٠٢٠ ولكن الرياح ليس دائما تجري بما تشتهي سفن الشركات النفطية. خليج المكسيك هو المنطقة الوحيدة في الولايات المتحدة التي شهدت إرتفاعا في الإنتاج خلال ١٥ - ٢٠ سنة الأخيرة بما لا يعد كافيا للخروج من دوامة تعثر إنتاج النفط محليا.
شركة النفط البريطانية بريتش بيتروليوم(BP) مسؤولة عن جزء من إنتاج النفط في خليج المكسيك في منصة(Thunder Horse) والزمان ربيع سنة ٢٠٠٥. المنصة تبعد ١٢٠ ميل عن سواحل لويزيانا حيث على الشركة الحفر ٣ أميال تحت سطح البحر في منطقة عمق المياه فيها ميل واحد على الأقل.
الرياح التي لم تشتهيها سفن شركات الإنتاج النفطي كانت عبارة عن رياح الأعاصير التي شهدتها المنطقة ووصل بعضها للدرجة الخامسة بمقياس (Saffir Simpson) ولعل كاترينا وريتا كان أسوئها مما أدى إلى تخريب ١٦٧ منصة حفر و١٨٣ خط أنابيب. منصة بريتش بيتروليوم(BP)والتي تسمى (Thunder Horse) وتكلفت مليار دولار قد ذهبت ضحية إعصار دينيس(Dennis) والذي حل على المنطقة بفترة ٣٠ يوم سابق لإعصار كاترينا. شركات النفط في بياناتها زعمت أن كاترينا وريتا هي أعاصير نادرة الحدوث وأن فرصة تكرارها ضعيفة جدا ولكن بعد ثلاثة سنين وقبل الميعاد السنوي للإعصارين فقد حل إعصار (Ika) وإعصار (Gustav) والذي يعدان أكبر درجة من قدير ٥ وهو أعلى تقدير للأعاصير يعطى بحسب مقياس (Saffir Simpson).
الولايات المتحدة تمتنع عن التوقيع على إتفاقية كيوتو(Koto) لمكافحة التغير المناخي وإنبعاثات الغازات الضارة ولكنها قد تندم على تلك الخطوة وخصوصا بعد إعلان مؤسسات بحثية مختصة أن تكرار الأعاصير المدمرة مثل إعصار (Ika) وإعصار (Gustav)قد يصبح أمرا إعتياديا في منطقة خليج المكسيك الحيوية بالنسبة لإنتاج الولايات المتحدة النفطي وأن السبب في ذالك تغيرات مناخية ومنها ظاهرة الإحتباس الحراري.
سنة ٢٠٠٥ شهدت ليس فقط إرتفاع سعر برميل النفط في الولايات المتحدة إلى مستوى ٧٠ دولارا للبرميل بسبب نقط الإنتاج نتيجة الأعاصير المدمرة في خليج المكسيك بل إرتفاع السعر في محطات الوقود بنسبة ٥٠% من ١.٥ دولار للجالون إلى ٣ دولار للجالون. حتى في مدينة تورنتو التي تقع في مقاطعة أونتاريو الكندية إرتفع سعر جالون البنزين من أقل من دولار إلى دولار ونصف(١.٥). إن السبب في ذالك لم يكن فقط نقص الإمدادات من النفط بل العجز في مصافي النفط والتي تقع أيضا بقرب خليج المكسيك وتأثرت بالأعاصير. عملية تكرير النفط السائل وتحويله إلى بنزين للمركبات تدعى(Cracking) والتي تتم في مصافي النفط عن طريق تسخين النفط الخام وإضافة الهيدروجين. الفرق السعري بين مايدخل المصفاة كنفط خام وبين مايخرج منها كوقود بنزين يسمى (Crack Spread). ماقبل سنة ٢٠٠٥ كانت تلك العملية تكلف ١٠ دولارات للبرميل. المشكلة أن ٤٠% تقريبا من قدرات التكرير في الولايات المتحدة تقع في منطقة خليج المكسيك وخصوصا في المنطقة القريبة من مدينة هيوستن حيث تضررت بدرجة كبيرة من الأعاصير والتي أوقفت الكثير منها عن العمل مما أدى إلى حصوصل عجز كبير في القدرة التكريرية للمصافي.
هناك ٤٢ جالون في برميل النفط ومع إرتفاع تكلفة التكرير من ١٠ دولار للبرميل إلى ٥٠ دولار فإن هناك تكلفة إضافية بلغت ٧٥ سنت لكل جالون بنزين يتم إنتاجه واصل لمحطة الوقود بدون الأخذ في الحساب الزيادة في سعر برميل النفط. الأمريكيون وجدوا أنفسهم أمام واقع شديد القسوة حيث أنهم أصبحوا يدفعون مايعادل سعر ١٠٠ دولار لبرميل النفط حتى لو كانت التكلفة الفعلية ٧٠ دولار وكل ذالك بسبب نقص إمدادات النفط وإرتفاع سعر تكريره. حجم المشكلة تضاعف سنة ٢٠٠٨ مع حلول إعصار (IKA) والذي تأثر به الساحل الشرقي ولكنه ضرب بشكل مباشر منطقة هيوستن حيث تقع أغلب مصافي تكرير النفط في المنطقة وأدى ذالك إلى إرتفاع سعر جالون البنزين إلى ٥ دولار للجالون الواحد.
إرتفاع سعر برميل النفط أو إنخفاضه ليس دائما متعلقا بعوامل العرض والطلب فهناك الكثير من التلاعب والدعايات الكاذبة والمضللة والإشاعات وسماسرة النفط والمضاربون وعوامل مناخية تتحكم بسعر البرميل في أحد أكثر أسواق السلع والخدمات تقلبا.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment