شاهدت مؤخرا صورة معبرة لفقراء العاصمة البرازيلية في حفل إفتتاح الألعاب الأولمبية على شرفة منزل في أحد الأحياء الفقيرة يشاهدون الألعاب النارية لحفل إفتتاح أولمبياد تم بنائها على أحلامهم المحطمة. كما أن إستمرار مأساة عمالة الأطفال تحت السن القانونية والعمل بدون إتخاذ إجرائات السلامة مشاكل لم تأخذ حقها من التغطية الإعلامية. في عالم العولمة فإن على أحدهم أن يدفع الثمن حيث هناك الكثير من بني الإنسان يعمل في ظروف تقترب من العبودية أو لنقل أنها نوع من العبودية التي تلقى إعجاب كبار مدراء الشركات والرأسماليين في ظل نظام بنيت عليه إمبراطورية إعلامية بمئات المليارات من الدولارات لتقنعنا بمحاسنه وأنه تم تصميمه لخير البشرية.
شركات مجال عملها قائم على عمالة الأطفال, السخرة, العبودية, الإبتزاز الجنسي وتساهم في زيادة مستوى الفقر على مستوى العالم وبلدان بأكملها يتم شرائها من خلال تعديل قوانين العمل لمصلحة تلك الشركات تحت مسى براق " العولمة " وتحرير التجارة ومرونة قوانين الإستثمار. إن أحد الوسائل التي تحاول تلك الشركات بواسطتها التملص من المسؤولية الأخلاقية هي تعاملها عبر طرف ثالث في بلد المنشأ للبضاعة التي تقوم بإستيرادها فيما بعد بأبخس الأثمان. ولعل الشركات التي يتركز مجال عملها في تصنيع المواد الغذائية خصوصا الشوكلاتة تعد من أكثر الشركات تعرضا للشبهات فيما يتعلق بإستغلاها عمالة الأطفال والعبودية الحديثة خصوصا شركات مثل نستلة(Nestle) ومارس(Mars) وجوديفا(Godiva). ولعل الإستغلال وصل بأحدها وهي شركة نستلة أن مديرها قد دعا في فيديو أثار ضجة عالمية إلى إعتبار مياه الشرب النظيفة ليس حق أساسيا من حقوق الإنسان ويجب ان تخضع لقانون العرض والطلب.
شركة أبل هي أحد أسوأ الشركات التي تقوم على إستغلال العمالة الرخيصة في مجموعة بلدان ورغم أن الفضيحة التي تفجرت مؤخرا بخصوص مصنع شركة تايوانية تعمل على تجميع مكونات أجهزة أيفون(IPhone) كان لها هدف سياسي وليست كما تدعي قناة البي بي سي البريطانية الهدف الحقيقي للفيلم الذي تم تصويره بشكل سري هو كشف الإنتهاكات التي يتعرض لها العمال فإن يلقي بعض الضوء على ظاهرة عالمية لا يخلو منها بلد من البلدان حتى في بلد المقر لشركة أبل وهي الولايات المتحدة.
إن ممارسات إبتزاز حقوق العمال والموظفين وصلت حتى لدول العالم المتقدم والدول الصناعية الكبرى ولكن الفرق أن قنوات مثل البي بي سي لن تقوم بعمل فيلم دعائي عنها كما أن الحكومات لا تتدخل فيها لأن القوانين التي فرضتها تلك الشركات تجعل دور الحكومات دور إشرافي, أو لنقل أن شاهد زور هي الكلمة الأكثر ملائمة وتعبيرا. ولعل شركات الأغذية السريعة(Fast Food) وشركات تقديم الحلويات المختلفة والمأكولات الخفيفة كتيم هورتنز(Tim Horton’s) وصب واي(Subway) وكنتاكي(KFC) تمارس الإبتزاز بإستخدام بند في قانون العمل الذي تعتمده أغلب البلدان التي توصف بأنها متقدمة يسمح بفصل الموظف قبل إنتهاء 90 يوما على بدء تاريخ عمله مع الشركة بدون منحه أي مهلة زمنية.
إنه من المعروف في حال مضي فترة زمنية تزيد عن 90 يوما من العمل لدى أي من تلك الشركات فإن ذالك يرتب على الشركة أو مالك الإمتياز تكاليف لها علاقة بتأمين صحي إلزامي وإجازات مدفوعة وزيادة في الأجور مجدولة زمنيا بعد فترة تقييم لأداء الموظف. الكثير من الشركات ترغب بالتنصل من تلك التكاليف ليس بسبب إنخفاض نسبة مبيعاتهم بل الجشع والأنانية فتقوم قبل مواسم الذروة بفترة زمنية بتوظيف عدد كبير من الأشخاص وفصلهم من أعمالهم قبل إنتهاء مهلة 90 يوما لتحولهم لموظفين دائمين. إن ذالك يعد من أساليب التدليس والغش وتقديم الوعود الزائفة التي تقدمها تلك الشركات لموظفيها حيث تقوم بفصل الموظف بحجة إنخفاض الإنتاجية او شكاوي من الزبائن أو تجاهل ظروف صحية مؤقته يمر بها. شركات أخرى تتحايل على القانون بتشغيل عمال بعقود مؤقته لمدة 90 يوما لكل عقد وبحد أقصى عقدين متتاليين حيث لاتكون في تلك الحالة ملزمة بتكاليف التوظيف من تأمين طبي وإجازات مدفوعة وغير ذالك من الإمتيازات.
إن أحد الجوانب السلبية لتلك الشركات التي تبحث عن الربح الفاحش هي ضررها على الإقتصاد في البلدان التي تنتشر فيها فروعها كما أنه هناك جانب أخر متعلق بترسيخ ثقافة إستهلاكية في تلك المجتمعات. إن تلك الشركات تقوم بمنح إمتياز علامة تجارية لمشغل معين أو مستثمر في أحد البلدان مقابل مبلغ سنوي يدفع تحت مسمى حقوق الملكية(Loyalties) حيث يكون ملزما بتحويل المبالغ التي يتوجب عليه دفعها للشركة الأم بالعملة الصعبة مما يؤدي إلى إستنزاف الإحتياطيات من العملات الأجنبية في بلدان قد تعاني من أزمة إقتصادية. وبالنسبة للبلدان التي تتمتع بمستوى دخل مرتفع وثقافة إستهلاكية متجذرة مجتمعيا فإن تلك الشركات لاتقدم أي مساهمة للإقتصاد المحلي سوف القيام بتوظيف عمالة أجنبية من المجدي إقتصاديا لها العمل مقابل تلك الأجور المتدنية بسبب فرق سعر صرف العملة في بلدانها الأصلية مما يسمح لها بتحويل جزء من راتبها الشهري لأسرها وأقاربها في بلدانها الأم. إن ذالك يؤدي لعزوف السكان المحليين خصوصا الشباب وممن يكونون في بداية حياتهم العملية من العمل في تلك الوظائف بسبب منافسة العمالة المحلية التي تقبل براتب شهري قد لايزيد عن 700 دولار بما يؤدي إلى زيادة نسبة البطالة.
شركة أخرى تعلن بإستمرار وتقوم بالترويج تحت شعار إدفع أقل كل يوم(Low Prices Everyday) وهي الشركة الأشهر على مستوى العالم في مجال البيع بالتجزئة, شركة وول مارت(Wal-Mart) حيث أثار فيلم وثائقي بعنوان التكلفة العالية للأسعارالمنخفضة(The High Cost For low Price) الجدل حول الطريقة التي تعمل بها الشركة وتستغل موظفيها مع العلم انه هناك عشرات الأفلام الوثائقية التي تفضح الممارسات التي تقوم بها تلك الشركة وغيرها من الشركات في سبيل إستغلال الموظفين مقابل أجور زهيدة. الشركة تقوم على سبيل المثال بتوقيع الموظف على بوليصة تأمين على الحياة تجعل من متجر وول مارت الذي يعمل فيه الموظف هو المستفيد في حالة الوفاة. المشكلة أن الموظف لا يعلم ببوليصة التأمين تلك لأنه في الغالب يطلب منك وبشكل مستعجل التوقيع على مجموعة أوراق لايسمح له بإصطحابها للمنزل لقرائتها بتأني أو إستشارة محامي بشأنها بينما المسؤول يرمقه بنظرات حادة إن تأخر في التوقيع. أرملة أحد الأشخاص المتوفين ممن كان يعمل في الفترة السابقة لوقاته في أحد متاجر وول مارت تلقت زوجته بالصدفة ونتيجة خطأ من شركة التأمين تلك الرسالة الصادمة المتعلقة ببوليصة تأمين قام زوجها ومن غير علمه بالتوقيع عليها.
كما أن شركة وول مارت تعد مساهما رئيسيا في زيادة نسبة الفقر في المدن التي تقع فيها فروعها خصوصا في الولايات المتحدة وفي البلدان حيث يقع وكلاء وول مارت التجاريون ممن يقومون بتزويد الشركة بالبضائع حيث تضغط الشركة عليهم بإستمرار لخفض التكلفة حتى ولو على حساب الجودة أو على حساب تخفيض أجور عمالتهم بإستمرار. حتى داخل الولايات المتحدة فإن الحكومة الأمريكية تقوم وعلى حساب دافع الضرائب بتقديم دعم غير مباشر في تكاليف التشغيل لشركة وول مارت حيث أنه وبسبب الأجور المنخفضة وتكاليف المعيشة المرتفعة في كثير من المدن الأمريكية فإن نسبة كبيرة من موظفي وول مارت يتلقون مايسمى كوبونات الطعام(Food Stamps) ومايعرف بدعم الأجور(Wage subsidy) حتى يتمكنوا من شراء الطعام ودفع تكاليف مسكن.
إن الإستغلال القائم على الجشع والأنانية وحب المظاهر والثقافة الإستهلاكية تحول لأزمة مزمنة تهدد الإنسان والحيوان والبيئة وكوكب الأرض بحد ذاته. فوراء الألماس والحجارة الكريمة التي تملئ واجهات المحلات في مدينة أنتويرب البلجيكية إلى سبائك الذهب التي تعد الخيار المفضل للبنوك المركزية حول العالم, إلى خاتم خطبة ذهبي أو شبكة زفاف أو حتى حشوة سن ذهبية أو ساعة فاخرة, هناك تكمن أبشع مظاهر الإستغلال التي أصبحت مميزة للعصر الذي نعيش فيه, إنها العولمة.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية.
No comments:
Post a Comment