Flag Counter

Flag Counter

Tuesday, August 16, 2016

هل تستحق الثورة الفرنسية لقب روح الثورات في العالم؟

هناك مجالان للدراسة لا أنصح بالتخصص فيهما إلا لمن يمتلك صفة الحيادية الكاملة والرغبة الصادقة في البحث العلمي وهما دراسة الفقه والمذاهب الفقهية والتنقيب في التاريخ.
إن جميع الأحداث والثورات التي قامت ومازالت في الوطن العربي وحتى في أوروبا كالإعتصامات والإضرابات الجماعية تستلهم روح الثورة الفرنسية كقدوة للثورات كما ان المناهج التعليمية في الوطن العربي على وجه الخصوص تقوم على تدريس الثورة الفرنسية على أنها تمثل قيم الحرية والعدل والإخاء. أحداث مايطلقون في الإعلام الربيع العربي إستلهمت دروس الثورة الفرنسية وخصوصا إقتحام سجن الباستيل وهي مناسبة تحتفل فيها فرنسا سنويا ويحتفل معها المستعربون المنسلخون عن هويتهم من العرب ممن ينقادون إنقيادا أعمى وراء تاريخ الأجنبي المزيف.
موسوعة الويكيبيديا ذكرت " أن سجن الباستيل كان بشكل عام مكان للسجناء السياسيين خصوصا النبلاء وأنه بالرجوع إلى السجلات المحفوظة بعناية لنزلائه فقد سجن في عهد لويس السدس عشر فيه عدد 274 ذكور و32 إناث ". كما أن المؤرخ وعالم الإجتماع الفرنسي غوستاف لوبون ذكر في كتابه (سيكولوجية الثورة - The Psychology Of Revolution) " أن الجموع التي هجمت على سجن الباستيل وإعتبرته رمزا للطغيان والسلطة الملكية لم تعاني من ذالك السجن الذي وجدوا فيه عند إقتحامه سبعة سجناء منهم واحد غبي(Idiot) كما إستخدم اللفظة ولعله يعني مختل عقليا, وأربعة سجناء متهمين بالتزوير ".
الملكة ماري أنطوانيت كانت هي الأخرى محورا للإشاعات بخصوص حياة البذخ التي تعيشها وإنحلالها الأخلاقي وخياناتها الزوجية حيث كانت هناك حملة لتشويه سمعتها عن طريق مايعرف (Pamphlets) وهي منشورات من تأليف مجهول توزع هناك وهناك في شوارع باريس وتلصق في اماكنها الحيوية ليقرأها أكبر عدد ممكن من المواطنين الفرنسيين. حتى أن جملتها الشهيرة (إذا لم يجدوا الخبز فلياكلوا البسكويت) كانت من ضمن حملات الإشاعات التي أطلقها أعداء الملكية الفرنسية في سعيهم لإسقاط حكم الملك لويس السادس عشر.
إن مصطلح الفوضى الخلاقة الذي خرجت علينا به وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس ليس إلا إستحضار لأحداث الثورة الفرنسية حيث عمت الفوضى فرنسا خصوصا باريس التي إرتكب فيها الثوار مجازر وقتلوا الألاف من خصومهم بإستخدام المقصلة وخلال سنة 1792 فقد تم قتل 8000 ألاف معتقل في سجون باريس وحدها من قبل اللجان الثورية التابعة لكومونة(حكومة باريس) وسيق ألاف الأبرياء للسجون والمعتقلات وعانت فرنسا من إرهاب لم تعشه طوال فترة حكم لويس السادس عشر.
ومع أنني أختلف بأن الثورة تأكل أبنائها لأن الثورة القائمة على أسس صحيحة وسليمة فلن يختلف أبنائها ولو إختلفوا فإنهم لن يسفكوا دماء بعضهم البعض ولكن لأن الثورة الفرنسية قام بها من يترصدون بعضهم البعض وينتهزون الفرصة للإستئثار بكرسي الحكم فقد بدأ قادة الثورة الفرنسية بقتل بعضهم البعض بالمقصلة فتسبب روبسبير بإعدام دانتون بالمقصلة وإنتقم أتباع دانتون بمحاولة إغتياله فإاصبته الرصاصة في فكه وتم سوقه إلى المقصلة في اليوم التالي في عمليات إنتقام تشبه المتوالية الهندسية لم تترك أحدا حتى جاء نابليون بونابرت وحكم فرنسا من خلال مجلس القناصل, ثلاثة عشرة(13) قنصلا, ليسيطر على الحكم فيما بعد ويعلن نفسه إمبراطورا.
الثورة التي تقوم على أسس سليمة وتفاهم مشترك كالثورة الكوبية حتى وإن إختلفت وجهات نظر قادتها فإنهم لا يتأمرون ضد بعضهم ولا تخرج خلافاتهم إلى العلن حيث فضل تشي غيفارا أن يبدأ ثورة جديدة في الكونغو ثم في بوليفيا عندما شعر بأن وجوده في كوبا ومفهوم أن الثورة مستمرة بدأ بالتعارض مع عملية بناء الدولة التي بدأ فيديل كاسترو القيام بها بعد دخول قوات الثورة إلى العاصمة الكوبية, هافانا.
النتيجة الواضحة للثورة الفرنسية كانت إضعاف فرنسا عسكريا وإقتصاديا وتأمر دول أوروبية أخرى عليها لإقتطاع أراضي فرنسية وإنتشار الفوضى والقتل حيث كانت كتائب ثورية من الرعاع والمجرمين الذين تم إطلاقهم من السجون تجوب الشوارع وتعتقل على الشبهة وتعدم بالمقصلة عشرات الألوف من دون محاكمة. كما أن عودة أسرة البوربون للحكم حيث تناوبته مع أسرة نابليون بونابرت حيث حكم فرنسا شقيقين للملك لويس السادس عشر وهما لويس الثامن عشر وشارل العاشر والملك لوي فيليب أحد أقارب لويس السادس عشر ونابليون الثالث(إبن أخ نابليون بونابرت) وإستمر ذالك حتى قيام الجمهورية الفرنسية الثاالثة سنة 1871 والتي أطاحت نهائيا بحكم الملكية وأعلنت الجمهورية.
إن الإستمرار في عملية الخداع وتزييف الحقائق التي تمارس عند مناقشة بعض الوقائع التاريخية هو أحد أكبر الجرائم التي تستمر في عصرنا الحالي حيث يتم تدريس الثورة الفرنسية في المناهج الدراسية في بلدان الوطن العربي والكتب التي تتغنى بتلك الثورة وتعتبر مستوى الإجرام الذي وصلته حالة ثورية طبيعية. النتيجة الطبيعية هي نشوب ثورات على غرار الثورة الفرنسية حيث يتم إعتبارها قدوة وملهما في عمليات الإجرام والقتل وإرتكاب المجازر الثورية بحق من لا ناقة لهم في الصراع ولا جمل.
ملاحظة في الختام وهي أن العنوان الأصلي لكتاب عالم الإجتماع الفرنسي غوستاف لوبون (The Psychology Of Revolution) قد تم تغييره إلى سيكولوجية الثورة إلى عنوان (الثورة الفرنسية وروح الثورات) في ترجمة دار الشوير اللبنانية كما قامت دار النشر بكتابة موجز لفكرة الكتاب ورأيهم في محتواه في طبعته الثالثة يتضح من خلاله عدم رضاهم وأنهم من المؤيدين لما يطلقون هم عليه ثورات شعبية والتي بدأت سنة 2010\2011 ويطلقون عليها في الإعلام الربيع العربي. كما أنه هناك عدم دقة في الترجمة حيث أنه الطبعة الثالثة 2013, الباب الثاني - الفصل الأول - القسم الثالث - صفحة 110 - الفقرة الثانية والثالثة: هناك عدم دقة في الترجمة حيث تم تجاهل ماذكره غوستاف لوبون من ان عدد السجناء الذين كانوا في السجن حين تم إقتحامه 7 سجناء فقط. وإن ذالك ماوجدته بالمصادفة عند بحثي عن بعض المعلومات ومقارنة الطبعة العربية مع الإنجليزية حيث أنني لم أقارن الترجمة كاملة ولو فعلت فأنا متأكد من وجود عدد كبير من أخطاء الترجمة المتعمدة. ترجمة الكتاب هي لشيخ المترجمين العرب عادل زعيتر رحمه الله ولست أعلم إن كانت المسؤولية تقع على عاتقه أم أن المشكلة من دار النشر التي قررت حذف ذالك القسم من العبارة وتعديل عنوان الكتاب لغرض في أنفسهم مع العلم أن ذالك ليس من حقهم وعليهم أن يتعاملوا بمسؤولية أكبر مع مؤلفات أحد أهم علماء الإجتماع في التاريخ.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية

No comments:

Post a Comment