Flag Counter

Flag Counter

Saturday, August 27, 2016

البروباغندا الإعلامية في خدمة شركات النفط

الحملة التي بدأت في أوائل السبعينيات ضد مصادر الطاقة التقليدية(الأحفورية) لاقت نجاحا مذهلا في بدايتها حيث إتخذت شعارات تم الترويج لها إعلاميا بالحفاظ على البيئة والحد من التغير المناخي والإحتباس الحراري وأضيف إلى كل هاذا وذالك التقليل من إعتماد الولايات المتحدة على النفط المستورد وبالتحديد من منطقة الشرق الأوسط. ولكن في أثناء فترة رئاسة جيمي كارتر فقد إنعكست الصورة وإزدادت النسبة المئوية للنفط الذي تستورده الولايات المتحدة وخصوصا من منطقة الشرق الأوسط.
في فترة الستينيات فإن الولايات المتحدة قد إستورد 1.8 مليون برميل من النفط وهو مايشكل 18% من إستهلاكها اليومي من النفط. وفي بداية السبعينيات في الفترة التي سبقت الصدمة النفطية وإرتفاع أسعار النفط 400% فقد كانت الولايات المتحدة تستورد 2.5 مليون برميل من النفط بما نسبته 17% من إستهلاكها اليومي مما أثار نقاشات حادة حول مستوى إعتمادها على النفط المستورد والخطر الذي يمثله على الأمن القومي الأمريكي.
بنهاية سنة 1975 فقد إرتفعت نسبة إعتماد الولايات المتحدة على النفط المستورد إلى 38% وخصوصا من منطقة الشرق الأوسط التي إرتفعت من 43% سنة 1970 إلى 62% بنهاية سنة 1975. وفي نهاية فترة رئاسة جيمي كارتر فإن النفط المستورد شكل مانسبته 41% من مجمل إستهلاك الولايات المتحدة اليومي من النفط.
شركات الأخوات السبعة(Seven Sisters) كانت تتصدر المشهد النفطي في الولايات المتحدة وعلى المستوى العالمي حيث تم دفع الولايات المتحدة للإعتماد على واردات النفط من مناطق تشهد إضطرابات سياسية وعسكرية مما إستدعى تدخل الجيش الأمريكي في الكثير من الأحيان لحماية المصالح النفطية للولايات المتحدة التي تمثلها شركات النفط وعلى رأسها الأخوات السبعة.
الحملات الإعلامية المتواصلة التي بدأت في أوائل السبعينيات برعاية نادي روما(The Club Of Rome) وجمعيات حماية البيئة والحياة البرية والتي تمحورت حول الطاقة البديلة وإن لاقت في بداياتها نجاحات متعددة إلا أن الأصوات المنادية بها والداعمة لها قد تخلت عنها بهدوء لسببين رئيسيين أولهما هو أن مصادر الطاقة البديلة مازالت غير مجدية إقتصاديا مقارنة بالمصادر التقليدية كالنفط الأحفوري. السبب الثاني هو أن الولايات المتحدة مازالت وحتى يومنا هاذا تمتلك إحتياطيات هائلة من الفحم والغاز إذا وضعنا جانبا إستخراج النفط محليا والذي تمت إحالته للتقاعد لصالح النفط الرخيص المستورد بسبب تحقيقه هامشا أكبر من الأرباح على حساب دافع الضرائب الأمريكي. الحملات الإعلامية نجحت في إستخدام البيئة والحفاظ عليها خصوصا داخل الولايات المتحدة كذريعة لتحجيم قطاع الصناعة النفطية المحلية لصالح الإستيراد من الخارج.
الشركات النفطية التي مولت بطريقة مباشرة وغير مباشرة الحملات الإعلامية والمنظمات الغير حكومية التي قامت بالترويج للطاقة البديلة والحفاظ على البيئة أصبحت تواجه مشكلة تخمة نفطية في الأسواق العالمية مما تسبب في إنخفاض أسعار النفط وبالتالي التأثير على أرباح تلك الشركات.
بحلول سنة 1976 أصبح من الواضح بالنسبة لكبريات شركات النفط أن هناك نتيجتين رئيسيتين لإرتفاع أسعار النفط 400%. النتيجة الأولى هي زيادة القوة الشرائية للدولار نتيجة لإرتفاع قيمته ومعادلة النفط مقابل الدولار بينما النتيجة الثانية جائت عكسية حيث أنه ومع مرور الوقت وبسبب الحملات الإعلامية المتعلقة بالبيئة فقد إنخفض إستهلاك الوقود الأحفوري مما تسبب بتعريض أرباح تلك الشركات للإنخفاض.
بنهاية سنة 1976 فقد إنخفض إستهلاك النفط في الولايات المتحدة والتي تعد في ذالك الوقت أكبر مستهلك لتلك المادة في العالم بنسبة 13% مقارنة بسنة 1972. وفي مقابل ذالك فقد إرتفع إستهلاك الفحم وهو يعد المنافس التقليدي للنفط كمصدر للطاقة بنسبة 22% كما أن مساهمة الطاقة النووية قد إرتفع بنسبة 400 مقارنة بلاشيئ سنة 1972. المثير للشفقة أن مصادر الطاقة البديلة على الرغم من كم الترويج والدعاية والضخ الإعلامي بقيت مساهمتها على مستوى 0.1% وهي أقل من متواضعة.
الإقتصاد الأمريكي إنحدر إلى مستويات قياسية وأصيب بالكساد كما أن عددا كبيرا من الصناعات التي تعتمد على إستهلاك كميات كبيرة من النفط قد أصيبت بالشلل خصوصا مصانع الحديد التي أغلق عدد كبير منها أبوابه وتم تسريح مئات الألاف من الموظفين مما زاد من نسبة البطالة.
الدول الأوروبية قرأت الرسالة بطريقة واعية وقامت على الفور بالإستثمار بالطاقة النووية حيث أنه من المخطط بحلول سنة 1985 أن يتم بناء 200 مفاعل نووي تقريبا في دول القارة الأوروبية مما يعد نكسة للشركات النفطية الكبرى تتصدرها شركات الأخوات السبعة. المستشار الألماني هيلموت شميت دعا سنة 1975 إلى بناء قدرة نووية ألمانية تعادل 42 جيجاواتس(42 مليار واتس Watts) لإنتاج مامعدله 42%  من إجمالي الطاقة المستهلكة في ألمانيا بحلول سنة 1985 والتي كانت فرنسا تعد منافستها الرئيسية بخطط لإنتاج قدرة نووية تعادل 45 جيجاواتس بحلول نفس السنة. إيطاليا كانت تخطط لبناء 20 مفاعلا نوويا بحلول سنة 1980 وهو نفس العدد الذي كانت إسبانيا تخطط لبنائه بحلول سنة 1983.
وحتى نفهم سبب سرعة إنتشار فكرة الإستخدام السلمي للطاقة النووية يكفي أن نعرف أن مفاعلا نوويا بقدرة 1(جيجا واتس-Gigawatts) يكفي لتوليد طاقة كهربائية لمدينة صناعية تعدادها السكاني مليون نسمة.
إن صناعة الطاقة النووية الأوروبية قد بدأت في منافسة نظيرتها الأمريكية وإمتدت إلى أسواق إعتبرت حتى فترة قريبة حكرا على شركات الطاقة النووية الأمريكية كإيران على سبيل المثال. شركات ألمانية وفرنسية إتفقت مع شاه إيران محمد رضا بهلوي على بناء أربعة مفاعلات نووية كما أن شركات فرنسية إتفقت مع حكومة ذو الفقار علي بوتو في باكستان على القيام بتأسيس بنية تحتية نووية للإستخدام السلمي في باكستان. ألمانيا توصلت لإتفاق مع البرازيل سنة 1976 فيما يتعلق بالتعاون في مجال الطاقة النووية المخصصة للإستخدام السلمي وبناء 8 مفاعلات نووية ومنشئات لمعالجة وتخزين النفايات الناتجة عن تلك المفاعلات.
التحالف الأنجلو-أمريكي في الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية كان يعتمد سياسة السيطرة على مصادر الطاقة(النفط) للتحكم بمستوى النمو الإقتصادي على المستوى العالمي وكذالك لإستخدامه كسلاح إجتماعي وسياسي للسيطرة على الشعوب. إن ظهور الإستخدام السلمي للطاقة النووية على مسرح الأحداث كلاعب بارز ومصدر رئيسي مستقبلي للطاقة خصوصا في أوروبا بحيث أصبحت تهدد مصالح الشركات النفطية.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية

No comments:

Post a Comment