القضية بالنسبة الى الأمريكيين في سوريا لم تكن أبدا إسقاط الرئيس بشار الأسد ولكن إسقاط سوريا الدولة والمؤسسات. الشعوب العربية التي هي عاطفية بطبيعتها ترى الأمور من منظور طائفي أو ديني أو قبلي المهم أن يتولى ابن الطائفة الحكم وذلك ينطبق على الجميع. الأمريكيون يملكون طبيعة سيكوباتية مجنونة بالأمس كانوا تنظيم القاعدة وداعش واليوم يحكمون سوريا. السؤال كيف سوف يصبحون دولة؟ هل يمكن ذلك؟
الدروز أحد المكونات الإجتماعية المهمة في سوريا تلاحقها دائما دعوات التكفير وأنهم ليسوا من المسلمين. المشكلة أن حكام سوريا اليوم كانوا بالأمس يجمعون الجزية من الدروز الكفار واليوم يحكمون سوريا بإسم الجميع. الطائفية سوف تكون السبب في أن يقتل السوريين بعضهم البعض حتى آخر سوري. شعوب بلاد الشام والعراق تلك طبيعتها تجمع في شخصيتها جميع التناقضات في العالم. الدعاية الغربية لعبت بذكاء على تلك التناقضات وتقوم بالتعامل مع كل بلد حسب طبيعة تلك التناقضات وتفجيره من الداخل من دون أن ترسل جنديا واحدا.
الأموال السعودية والقطرية مولت وسلحت بإشراف تركيا مئات الآلاف من المسلحين في سوريا والمشكلة أن فساد الرئيس السوري وحاشته أكملوا ما تبقى من المهمة. أسماء الأسد زوجة الرئيس السوري قامت بتسليم الملف الإقتصادي الى مجموعة من رجال الأعمال الفاسدين الذي لم يسمع بهم أحد من قبل. المثير للضحك والسخرية أن سوريا كانت تعاني من فساد رامي مخلوف ولكن الحقيقة أنه كانت له أدوار اقتصادية إيجابية خصوصا من خلال جمعية البستان الخيرية. ولكن (مخاليف) سياسة أسماء الأسد الإقتصادية لم يكونوا يتركون حتى الفتات للشعب السوري.
أمر آخر مثير للضحك أن الكثيرين من المغفلين والحمقى يتذرعون بالمدة القصيرة التي حكمت خلالها جماعات الثورة السورية أو كما يطلقون عليهم ردع العدوان. المشكلة أن اجتماع إعلان النصر الذي عقد منذ يومين ضم ١٨ فصيلا وهناك فصائل أخرى لم تحضر الاجتماع. هناك عشرات الفصائل المسلحة بأسماء مختلفة وكتائب ومجموعات وهناك جيش الثورة في إدلب الذي يضم ١٠٠ ألف مقاتل. المشكلة أن نظام الحكم السابق أو (البائد) كما يفضلون ذلك المصطلح بالكاد كان يفرض سيطرته على الرغم من تلك السجون الرهيبة والمعتقلات والجيش والشرطة والأمن والأجهزة الأمنية المرعبة. تخيلوا أنه هناك إحصائيات أن عدد المخبرين ورجال الجيش والأمن والشرطة بلغ ٧ ملايين مقارنة مع تعداد الشعب السوري قبل الأزمة والزوج الذي بلغ ٢٤ مليون تقريبا.
الإسلاميون حتى لو جلسوا على كرسي الحلاق سوف يأخذونه معهم عندما ينتهون من الحلاقة ويغادرون المحل وذلك ينطبق على أي كرسي فما بالكم كرسي الحكم. أنا شخصيا والله مستغرب من كانوا يعتقدون أن بشار الأسد كان سوف يتخلى عن السلطة والكرسي هكذا بمجرد أن خرج بعض المتظاهرين وطالبوه بالرحيل. لماذا يعتقد المغفلون أن كرسي الحكم تحميه الملائكة؟ الآن لو طالب الشعب أي حاكم إسلامي أن يتخلى الحاكم عن الكرسي ويستقيل سوف يفتك بالشعب وسوف تصدر الفتاوى عن طاعة ولاة الأمور وعدم جواز الخروج على الحكام. وأنا طبعا لست مؤيدا للدموية والقوة في الحكم ولكن كما تدين تدان ومن يعيش بالسيف يموت بالسيف.
إن الأخبار الأخيرة التي صدرت من سوريا لن ولم تفاجئني لأنها نسخة من تلك القرارات التي أصدرها حاكم العراق بول بريمر بعد عدة أيام من تعيينه في منصبه. القرارات هي ذاتها ذاتها ولكن مع تغيير الإسم من العراق الى سوريا. حل حزب البعث والجيش والأجهزة الأمنية وتعليق العمل بالدستور والانتخابات والديمقراطية في الباي باي. إعادة كتابة الدستور بعد ٣ سنوات والإنتخابات بعد ٤ سنوات إن حصل إنتخابات. الشعب الأحمق يهلل ويطبل في الشوارع ولا يعلم أنه ليس هناك فرق بين ديكتاتور مع اللحية أو بدونها.
الدم لن يجر إلا الدم وبشار الأسد حاول خلال ١٤ عاما أن يحل مشكلته مع بعض فئات الشعب بالقوة ولكنه فشل. هناك بعض الأشخاص في القيادة الجديدة ترفض أن تفهم ذلك وماجرى في حمص مؤخرا يشير الى ذلك الاتجاه. ولكن هناك أحداث مماثلة في مناطق أخرى من سوريا والأمر ليس مقتصرا على حمص. هناك مجرم تقبض عليه وتقدمه الى المحاكمة لأنه من حق الضحايا أن يعرفوا جرائم جلاديهم ولكن أن تعدمه ميدانيا فإن ذلك يجعلك مجرما وتستحق ان يتم تحويلك الى القضاء. كما أن تصفية الحسابات تحت مسمى أن ذلك الشخص فلول وشبيح أمر أغبى من الغباء بحد ذاته وأصبح منتشرا حتى أنه لو تشاجرت إمرأة مع زوجها فإنها سوف تتهمه بانه شبيح ولو تشاجر شخص مع حماته فإنها قد تتهمه بأنه من فلول النظام وهناك الكثير من الأغبياء يحملون السلاح وجاهزين للقتل.
الديمقراطية والإنتخابات لا تصلح مع الشعوب العربية لأنهم لم ولن يتفقوا أن يحتكموا الى صندوق الاقتراع وبالتالي سوف يبقون محكومين بالسيف الذي حكموا به منذ أيام معاوية رضي الله عنه. الديمقراطية تكون صالحة في بلد يتفق فيه جميع الفرقاء رغما عن هويتهم الطائفية او العرقية أن صندوق الاقتراع هو الحكم والذي يقرر من سوف يحكم. المشكلة أن إرضاء الناس غاية لا تدرك وأن نتيجة الانتخابات سوف تكون تهميش الخاسر سياسيا والذي لديه مؤيدين وأنصار لديهم بالتالي مطالب سواء كانت خدمية أو معيشية ولن يسكتوا وعندها تبدأ المشاكل. الغريب في قضية الانتخابات والاقتراع أن المواطن العربي سوف يقوم بالتصويت في صالح إبن القبيلة أو الطائفة وليس للشخص الذي يكون قادرا على خدمته وتحقيق مطالبه المعيشية وفرض الأمن والاستقرار. الإنتخابات لا تصلح في الوطن العربي ولا تؤدي إلا الى وصول الضعفاء الى كرسي الحكم.
دمتم بخير
عاشت الجمهورية العربية السورية حرة مستقلة
الوطن أو الموت
النهاية
No comments:
Post a Comment