إن الجهاز الإعلامي في أي دولة في العالم يتكون من قسمين, إعلام حكومي رسمي وإعلام موازي. الإعلام الحكومي الرسمي يتمثل في وزارة الإعلام أو قد تكون هيئة للإعلام كما في بعض الدول والتي يتبع لها القنوات التلفزيونية والإذاعية والصحف الحكومية. أما الإعلام الموازي فهو مايطلق عليه اللجان الإلكترونية أو الذباب الإلكتروني وهو يتكون من مجموعة من الأشخاص ينشطون على الشبكة العنكبوتية للدفاع عن وجهة النظر الحكومية ونشر الإشاعات والأخبار التي يكون الهدف منها جس نبض الشارع وقرائة ردة فعله بدون أن تظهر الحكومة في الصورة حيث لا تتحمل أي مسؤولية عن تلك الأخبار والإشاعات. في الولايات المتحدة, هناك لجان الكترونية تعمل تحت مسمى فريق التواصل الإلكتروني ويتبع وزارة الخارجية الأمريكية ومهمته تلميع صورة الولايات المتحدة والدفاع عن سياستها الداخلية والخارجية ومهاجمة خصومها.
الحكومات العربية ومع ظهور وسائل التواصل الإجتماعي وإدراكها أنه يستحيل السيطرة عليها والتحكم بها, حاولت استغلالها قدر الإمكان لصالحها حيث قامت الوزارات والهيئات الحكومية بإنشاء حسابات على مواقع التواصل الإجتماعي والتي لعل أشهرها هما موقعان إثنان: فيسبوك وتويتر. كما أن التطور في تكنولوجيا الاتصالات وإنتشار الإنترنت قد ترك ثغرة لها علاقة بأمن الشبكات ومكافحة القرصنة والابتزاز الإلكتروني وملاحقة المعارضين السيبرانيين ممن ينشطون على الشبكة العنكبوتية خصوصا على مواقع مثل فيسبوك, تويتر وموقع مشاركة الفيديوهات, يوتيوب. الحكومات العربية سارعت الى سد تلك الثغرة عبر أقسام متخصصة تتبع جهات حكومية مختلفة حيث يتم ابتعاث الطلاب الى الخارج للتخصص في ذلك المجال الحيوي والاستعانة بخبرات خارجية إن لزم الأمر.
ولكن أكبر تأثير أظهرته وسائل التواصل الإجتماعي كان خلال أحداث الربيع العربي حيث وأنه بلا مبالغة, لولا موقعي فيسبوك وتويتر ومواقع التواصل الإجتماعي الأخرى, لما تمكن المشاركون في الإحتجاجات والتظاهرات من تنسيق تحركاتهم وإرباك القوى الأمنية. كما أن وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت في عولمة تلك المظاهرات والاحتجاجات حيث تتحول حادثة صغيرة في بلد ما الى قضية عالمية. ولكن ذلك ليس نقطة إيجابية تسجل لصالح وسائل التواصل الإجتماعي حيث تضيع الحقيقة في زحمة الأخبار والتعليقات والإشاعات التي تنتقل بالعدوى من محاولة التحقق من مصدر الخبر أو دقة المعلومات. إن 99.9999999% من المعلومات التي تنشرها حسابات في وسائل التواصل الإجتماعي هي مجرد كذب محض من نوعية الإشاعات التي تنشرها الصحف الصفراء.
قضية الفلسطينية إسراء غرَيِّب من بلدة بيت ساحور قضاء مدينة بيت لحم هي مثال على تأثير وسائل التواصل الإجتماعي عولمة قضية محلية وتحويلها الى قضية رأي عام دولي. وقد تكون رحمها الله بالفعل ضحية مايعرف بجرائم الشرف خصوصا أن هناك ثغرات عديدة وتناقضات في أقوال أفراد أسرتها مثل زوج شقيقتها وشقيقه وغياب أفراد من أسرتها مثل أشقائها ووالدها ووالدتها عن مسرح الأحداث. ولكن الحملة الإعلامية المتعلقة بقضية إسراء غرَيِّب على شبكة التواصل الإجتماعي ومواقع مشاركة الفيديوهات مثل يوتيوب هي عبارة عن حملة منسقة جيدا وليست عبارة عن جهود فردية لمجموعة من الأشخاص المهتمين بتحقيق العدالة في قضية ربما تكون جريمة جنائية. ويبقى السؤال هو عن توقيت الحملة الإعلامية وقضايا أخرى لم يدافع أحد عن ضحاياها حيث دفنت الحقيقة مع الضحية وبقي القتلة مطلقي السراح على الرغم من توفر الأدلة التي تدينهم.
الحكومات العربية مستمرة في إستغلال الشبكة العنكبوتية في تعزيز سيطرتها على المواطنين الذين مازالوا مستمرين في الإستفادة من الإبتكارات التكنولوجية في التملص من تلك المراقبة. ولكن المعارضة السياسية في الوطن العربي مازالت هي الأخرى تستفيد من مواقع التواصل الإجتماعي في زعزعة أمن الدول خصوصا عبر نشر الإشاعات والمعلومات المغلوطة. التنظيمات الإرهابية استفادت هي الأخرى من شبكات التواصل الإجتماعي في نشر دعايتها الإعلامية ومهاجمة خصومها وكذلك تجنيد الأعضاء وجمع التبرعات. ولعل المتابع لوسائل التواصل الإجتماعي يلاحظ أن حربا إعلامية للسيطرة على الرأي العام عبر الشبكة العنكبوتية طرفاها القطريون والسعوديون وبينهم مؤيدوهم أو حتى من يعارضون الطرفين. كما أن وسائل الإعلام الحكومية في كلتا البلدين, مثل الجزيرة والعربية, تواصل الهجوم على نظيرتها في الدولة الأخرى وعلى أي دولة تؤيد خصمها يساندها في ذلك الإعلام الموازي الذي يعتبر غير مُلزَم بالحد الأدني من المعايير الأخلاقية التي قد تحكم أجهزة الإعلام الرسمية وتلزمها حدودا معيَّنة.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment