Flag Counter

Flag Counter

Saturday, September 7, 2019

يا أمَّة ضحكت من جهلها الأمم

كتب الشاعر أبو الطيب المتنبي قصيدته المشهورة التي مطلعها:"أغاية الدين أن تحفوا شواربكم  يا أمة ضحكت من جهلها الأمم" وذلك خلال القرن العاشر الميلادي حيث عاصر تفكك الدولة العباسية وبروز الدولة الحمدانية التي خاضت صراعات وحروبا مع الإمبراطورية البيزنطية حيث كان المتنبي أحد الشعراء الذين شهدوا معركة الحَدَث المشهورة. ولكن أبو الطيب المتنبي ليس الأول ولن يكون الأخير الذي إنتقد رياء ونفاق رجال الدين وتخلفهم وجهلهم والتمسك بالقشور والابتعاد عن جوهر الدين. فقد سبقه بعشرة قرون يسوع المسيح عيسى إبن مريم سلام الله عليه حين هاجم نفاق الكتبة والفريسيين وانتقدهم وقام بتشبيههم بأنهم مثل القبور المبيضة(متى 27:23), وأنهم مرائون يصلون أمام الناس للتظاهر والتباهي(متى 6:5) وأنهم أبطلوا وصية الله بسبب التقليد(متى 15:6). بل وأنه هاجمهم بقسوة في المعبد ووجه لهم الإتهام بأنه حولوا بيت العبادة الى مغارة لصوص(21:13).
وفي عصرنا الحالي, عصر التكنولوجيا والأقمار الصناعية والسفر الى الفضاء والسيارات الكهربائية, مازال نسبة مؤثرة من رجال الدين متمسكة بالجهل المقدس حيث يتم تغليب العادات والتقاليد على الشريعة والدين, ويتم ارتكاب الفظائع باسم الله. يذكرني ذلك بصكوك الغفران التي كانت الكنيسة الكاثوليكية تبيعها والغفران الذي كان يمنح لمن يشترك في الحملات الصليبية حيث تسفك الدماء بإسم الله والنصوص المقدسة. ولكن تلك نكتة تروى أن يهوديا قام بشراء جهنم من الكنيسة وأعلن إغلاقها فتوقفت الناس عن شراء صكوك الغفران وبذلت له الكنيسة المال الكثير حتى قبل أن يعيد بيعها لهم.
المشكلة أن تلك الفتاوى تحولت الى مادة تندر في وسائل الإعلام الغربية مثل فتوى قتل ميكي ماوس وفتوى أن الأرض ثابتة التي اشتهرت بفضل داعية سعودي يدعى بندر الخيبري والتي أفتى بها من قبله رجال دين سعوديون لعل أشهرهم المفتي السابق عبد العزيز إبن باز وعضو هيئة كبار العلماء صالح الفوزان. ولقد انحدر العرب والمسلمون منذ أن أسلموا رقابهم  لرجال الدين ولم يتعلموا من تاريخ القارة الأوروبية التي لم تتقدم في طريق الحضارة حتى تم فصل الدين عن الدولة ومنع الكنيسة من التدخل في الشؤون المدنية والإدارية وتفاصيل الحياة اليومية. إن تمسك رجال الدين في الوطن العربي بالمظاهر والتي لعل أهمها الثوب القصير وحف الشارب وإطالة اللحية هو أحد مظاهر التمسك بالشكليات التي جرَّت على العرب والمسلمين الكثير من الجهل والتخلف. أنا لست ضد إطالة اللحية مع العلم أنه هناك الكثير من المسيحيين ممن يطيلون لحاهم وحتى هناك ملاحدة يطيلون اللحية لعل أشهرهم كارل ماركس مؤلف كتاب "رأس المال". كما أن تركيز رجال الدين على المرأة وجعلها محور اهتمامهم قد أدى الى تراجع ملحوظ في حقوقها التي منحت لها في القرآن والسُّنة.
صدعوا رؤوسنا بمقولة أن الله ينصر الأمم الكافرة لأنها عادلة ويخذل الأمم المسلمة بسبب ظلمها. كما نقلوا لنا في كتب الحديث أن الرسول عليه أفضل الصلاة والتسليم غضب من شفاعة أسامة إبن زيد في المرأة المخزومية التي سرقت وأنه قال:"أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمِ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمِ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَد، وَأيْمُ اللهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا." ويبدو لي من نص الحديث أن العرب والمسلمين هالكون بسبب تركهم الشريف إذا سرق وإقامة الحد على ضعيف الحيلة. هل تريدون أن تفهموا جوهر الدين, إقرئوا حديثين هما جوهر الدين وأن الدين معاملة وأن الله غفور رحيم. الحديث الأول هو عن المرأة المسلمة الذي دخلت النار بسبب الهرَّة التي حبستها والمرأة اليهودية البغي التي غفر الله لها ذنوبها لأنه سقت كلبا عطشانا في الصحراء من بئر ملئت له الماء بخفها.
كم من الجرائم ترتكب باسم الدين حماية للعادات والتقاليد؟ المجتمعات التي تزعم التدين تم تفكيكها وتدميرها إجتماعيا  بإسم العادات والتقاليد والتي بإسمها يمنع الرجل من رؤية زوجته حتى يوم الزفاف على الرغم من أن الأحاديث النبوية الشريفة تأمر بالرؤية الشرعية. بإسم الدين تم تدمير مؤسسة الزواج المقدسة وهدم الأسرة المسلمة بتفريخ عناوين فرعية يتم فيها انتهاك حُرمة نصوص دينية ثابتة كان محورها تنظيم وضبط تلك المؤسسة التي هي عماد المجتمع المسلم. بإسم الدين تصدر الفتاوى في المملكة العربية السعودية التي تنص على تطليق زوجين رغما عنهما تحت ذريعة عدم تكافئ النسب, أين ذهبت أحاديث من ترضون دينه وخلقه فزوجوه و أتركوها فإنها منتنة وأنه لافضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى. 
الجهل المقدس والتخلف العربي إختطف مؤخرا  فتاة فلسطينية من بلدة بيت ساحور قضاء مدينة بيت لحم ولكن القاتل هو الجن(العفاريت) الذي تلبسها ودفعها الى رمي نفسها من شرفة منزلها. في الوطن العربي حيث مازلنا نعيش مرحلة القرن العاشر ميلادي حيث انتشر الجهل المقدس ومازال, الجن يرتكب جرائم قتل. ولكن لماذا تستغربون, في المملكة العربية السعودية, قامت مجموعة من العفاريت باختلاس 600 مليون ريال سعودي وتمت تبرئة المتهم الرئيسي في القضية لأنه غير مسؤول على أفعاله وأقواله بسبب الجن والعفاريت. ولكن تخيلوا أن قمة الجهل المقدس هو أنَّ قاضي سعودي حكم على شخص كفيف بالإعدام بسبب شهادة مجموعة من العفاريت(الجن). هذه هي مخرجات القضاء في بلد الشريعة والتوحيد فما بالكم في البلدان العربية والإسلامية الأخرى بداية من حاكم بروناي الذي يقطع يد السارق ويجلد الزاني بينما أحد إخوته سارق ومختلس وزير نساء, وليس نهاية ببلدان إسلامية مثل ماليزيا وتركيا حيث الدعارة المرخصة ومحلات المساج المختلطة.
في السابق, أيام الزمن الجميل, كانت المدارس والجامعات مختلطة وحالات التحرش في ادنى مستوياتها والأخلاق في أعلى مستوياتها حتى خرجت علينا ما يسمى بالصحوة من حيث يخرج قرن الدجال فأحرقت الحرث والنسل ودمرت بلدانا بكاملها مثل أفغانستان, ذلك البلد الجميل الذي كان بلدا عصريا فيه المدارس والجامعات وحتى شركة طيران. الصحوة التي خرجت علينا من قمقم الإخوان المسلمين الذي أغلقه عليهم عبد الناصر وتحالفت مع الوهابية نجحت في تفريخ الحركة السلفية التي حولَّت مصر الى أحد اسوأ الأماكن فيما يتعلق بحالات التحرش والإغتصاب العلني. وإنتشرت الصحوة وحليفتها الوهابية في الوطن العربي وكانت لها آثار سلبية ونتائج مدمرة على الحياة الإجتماعية والثقافية. فقد حُرمَت الشعوب من حياة اجتماعية طبيعية حتى في المملكة العربية السعودية, منبع الحركة الصحوية والحركة الوهابية. قارنوا بين الصور أيام الزمن الجميل وزمننا الحالي لعلكم تجدون الإجابة عن السؤال حول كيف تحولنا من أمة سادت العالم الى أمة ضحكت من جهلها الأمم.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

النهاية

No comments:

Post a Comment