Flag Counter

Flag Counter

Thursday, September 12, 2019

إقتصاد النُدرَة وخرافة المالثوسية المعاصرة

إن اقتصاد العالم قائم بأكمله على مفهوم النُدرَة, إمتلاك البشر لحاجات ورغبات غير محدودة في عالم محدود الموارد. ولكن أنصار مفهوم النُدرَة يلقون معارضة شديدة ترى أن تعميم ذلك المفهوم ليس إلا أحد الوسائل المستخدمة في سبيل زيادة أرباح الشركات العابرة للقارات وكبار بنوك وول ستريت والمؤسسات المالية الدولية التي تتحكم بأسعار المواد والسلع وتتلاعب بها خدمة لمصالحها. هناك أمثلة عديدة من الممكن الاستعانة بها دليلا على صحة الانتقادات الموجهة لمفهوم النُدرَة مثل إرتفاع ثمن الألماس وأنه لا يمكن التوسع في إنتاج الذهب بما يساوي حجم حركة التجارة العالمية سنويا وأن النفط هو مورد أساسي وحيوي ولكنه قابل للنفاذ في يوم من الأيام. كل ذلك عبارة عن أكاذيب يتم الترويج لها في وسائل الإعلام المختلفة بإحترافية عالية وبإستخدام خبراء في مجال التسويق والدعاية وعلم النفس. في موضوع منفصل, سوف أتحدث عن عمليات التضليل الإعلامي التي تستخدم مبدأ الندرة بالتفصيل ولكن سوف أتوقف هنا حتى لا أخرج عن سياق الموضوع.
توماس روبرت مالتوس (14 فبراير 1766 - 23 ديسمبر 1834) هو عالم إقتصاد وسياسي إنجليزي ولد في أسرة مثقفة من ملاك الأراضي وتخصص في الرياضيات بالإضافة الى عدة علوم أخرى. إشتهر توماس مالتوس بنظريته حول السكان حيث قام بتأليف عدد من الكتب لعل أشهرها "مقالة حول مبدأ السكان" شرح فيها نظريته التي ملخصها أن الإنتاج الزراعي الذي يتزايد وفق متوالية عددية لا يمكنه مواكبة عدد السكان الذي يتزايد وفق متوالية هندسية مما يؤدي الى انتشار البؤس والفقر والمجاعات والأوبئة. ولكن الإقتصادي والمصلح الإجتماعي الإنجليزي مايكل توماس سادلر ذكر في مجلد ضخم من جزأين بعنوان "قانون السكان" قام بتأليفه سنة 1803 أن مالتوس سرف نظرية السكان من الطبيب الإنجليزي جوزيف تونسد(4 نوفمبر 1739 – 9 أبريل 1816) وأن هناك تشابها في الأفكار حول نظرية السكان بين توماس مالتوس والخبير الإقتصادي الفرنسي ريتشارد كانتيلون والإقتصادي الإنجليزي جون ستيوارت. فقد ألَّف جون ستيوارت كتابه "بحث في طبيعة التجارة بصفة عامة" سنة 1755 خصَّصَ قسما منه للحديث حول المسألة السكانية. أما جون ستيوارت فقد تحدَّثَ في كتابه "مبادئ الإقتصاد السياسي(1767) عن المسألة السكانية ووصل في تحليله لها الى النواه الأساسية لنظرية مالتوس.
وقد تعرَّضَت نظرية مالتوس الى إنتقادات عنيفة لانها وكما بين المعترضون قد بنيت على إفتراضات خاطئة وإستمدت بنيتها الأساسية من عوامل فكرية لا أخلاقية ولا إنسانية. وقد كان عالم الأحياء الإنجليزي تشارلز داروين من المعجبين بنظرية مالتوس حول السكان لأنها كانت تدعم وجهة نظره حول النشوء والارتقاء التي عبر عنها في عدد من مؤلفاته منها "أصل الأنواع" وكتاب "نشوء الإنسان والانتقاء الجنسي." ولكن في سبيل الرد على نظرية مالتوس. أرى أنه من المناسب أن نستحضر عالم الإجتماع الشهير إبن خلدون وكتابه الرائع "المقدمة" حيث عرض وجهة نظره الخاصة حول المسألة السكانية والتي مازالت تصلح للرد على مالثوس وأنصار المالتوسية المعاصرة. وقد كان إبن خلدون يرى أن سكان المدن كثيرة السكان أعلى رفاهية من سكان المدن الأقل سكانا لأن النمو السكاني يخلق الحاجة الى التخصص في الوظائف(تقسيم العمل) مما يؤدي الى مزيد من التحسن في أحوال السكان الإقتصادية. ويرى ابن خلدون أن زيادة عدد السكان تؤدي الى زيادة الأيدي العاملة وزيادة التخصص في الوظائف وبالتالي زيادة الإنتاج والبضائع المعروضة في الأسواق وزيادة رفاهية السكان. ولذلك فإن المدن قليلة السكان يقل عدد البضائع المعروضة في أسواقها وترتفع فيها الأسعار لانخفاض الإنتاج. إن نظرية ابن خلدون حول السكان والنمو السكاني التي عبَّرَ عنها في كتابه "المقدمة" وتعتبر سابقة لزمنها ولكنها مازالت صالحة في زمننا الحالي للرد على مالتوس وأنصاره المعاصرين.
إن أجندات الأمم المتحدة المتعلقة بالحد من النسل وتحديد عدد السكان تحمل أهدافا مزدوجة لا تخفى على أي عاقل. تلك الأجندات يتم استخدامها لأهداف سياسية ضد دول مثل الصين أو الهند أو باكستان أو دول عربية مثل المملكة العربية السعودية. ولكن دولا أخرى تعاني من تناقص حاد في معدل الولادات بما يهددها وحضارتها بالإنقراض, دول مثل اليونان, وإيطاليا وإسبانيا لا تزيد نسبة الولادات عن 1.3%. الدول الإسكندنافية تعاني من تناقص حاد في عدد المواليد حاولت التعويض عنه بتشجيع الهجرة إليها من دول ذات كثافة سكانية خصوصا دول عربية مثل العراق وفلسطين. لايمكن تحقيق أجندات تقليص سكان العالم لأنها تفتقد الى المنطق والعقلانية في تبرير الأسباب التي تدفع القائمين عليها الى تبنيها. هل تذكرون ذلك النصب الحجري الغامض في ولاية جورجيا الأمريكية الذي يتحدث عن تقليص عدد سكان العالم الى 500 مليون, ذلك جنون ولايمكن تحقيقه. إقتصاد العالم في تلك الحالة سوف ينهار ولن يجد أولئك الأثرياء النخبة ممن سوف يبقون على قيد الحياة عددا كافيا من الأشخاص ليقوموا بشراء منتجاتهم وسوف تصبح التكنولوجيا بدون أي معنى لأنها سوف تفتقد الى الأسواق وهو شرط من شروط تحقيق الرأسمالية. هل يخطط الحمقى المسؤولين عن نصب جورجيا الغامض الى تقليص عدد سكان العالم الى 500 مليون ملياردير؟ 
إن مشكلة الكثافة السكانية ليست إلا شماعة يعلِّق المسؤولون الحكوميون عليها فشلهم وفشل سياساتهم الإقتصادية. إن سوء توزيع الموارد الإقتصادية خصوصا توزيع الأراضي الزراعية والتعدي عليها بالبناء وسوء إستغلال المساحات المتبقية منها مسؤول عن حالات نقص الغذاء في عدد من البلدان العربية والآسيوية ذات الكثافة السكانية المرتفعة. مخرجات الأنظمة التعليمية الفاشلة في الوطن العربي مسؤولة عن كوارث تحتاج الى مجلدات لشرح تفاصيلها. هناك إهمال في الوطن العربي للعلوم الاجتماعية مثل علم الاقتصاد والاجتماع وعلم النفس, الجميع يريد أن يصبح مهندسين وأطباء. كما أن سوء استغلال موارد الكرة الأرضية مسؤول عن انتشار الفقر والمجاعة واللامساواة حيث تلقى آلاف الأطنان من الحبوب والمحاصيل الزراعية في البحر للمحافظة على سعر مرتفع في الأسواق العالمية بدلا من توزيعها على ملايين الجائعين خصوصا في أفريقيا. إن الجشع والأنانية هما سبب مشاكلنا وليس زيادة نسبة السكان والحل هو في توزيع عادل للموارد واستغلالها بأفضل الطرق بدلا من تقليص عدد سكان الكرة الأرضية.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية

No comments:

Post a Comment