Flag Counter

Flag Counter

Tuesday, September 17, 2019

النفط...ثم النفط...ثم النفط...ثم لاشيء

إن جذور الحرب العراقية-الإيرانية تعود الى سنة 1975, تاريخ توقيع إتفاقية بين العراق وإيران في الجزائر لها علاقة بتقاسم الحدود في منطقة شط العرب الحيوية للبلدين حيث اضطر العراق الى توقيعها على الرغم من أنها غير عادلة من وجهة نظره وذلك للتفرع لمسألة تمرد الأكراد الذي كانت تلعب فيه أصابع دول أجنبية. إن أحد أهداف الحرب, على الأقل ما تسرب من الجانب العراقي هو تحطيم تلك الإتفاقية. إن طرفي النزاع قاموا بالهجوم على على المنشآت والمرافق النفطية على الجانب الأخر من الحدود حيث استولت القوات العراقية على مدن حدودية مهمة كمدينة عابدان وخرمشهر(المحمرة) حيث تقع منشآت نفطية رئيسية, العصب الاقتصادي الحيوي لكلا البلدين. إن الولايات المتحدة وشركات روكفيلر النفطية المعروفة بالأخوات السبعة وشركات مثل رويال شل دتش الهولندية و بي بي(BP) البريطانية كانت من أكبر المستفيدين من ارتفاع أسعار النفط حيث تتناقص الإمدادات بسبب الحرب و شركات السلاح الأمريكية التي قام ببيع الأسلحة لكل من طرفي النزاع ووزارة الدفاع الأمريكية التي تمكنت من التخلص من مخزون الأسلحة الزائد عن الحاجة منذ أيام حرب فيتنام. ولكن الولايات المتحدة لم تكفي ببيع السلاح للعراق وإيران, بل زودَّت كلاً من البلدين بمعلومات إستخبارية عن تحركات قوات الطرف الآخر وتموضعها في محاولة لإستنزاف العراق وإيران في تلك الحرب العبثية.
وبحلول سنة 1983 انخفضت صادرات العراق النفطية إلى 700 ألف برميل يوميا كما تضررت أكبر منشآت تصدير النفط الإيرانية في جزيرة الخرج على الجانب الشمالي من شط العرب والتي كانت قادرة على تصدر 7 ملايين برميل يوميا بسبب 8 سنين من الحرب بين البلدين وآلاف من غارات سلاح الجو العراقي.ومنذ بداية سنة 1984, فقد إتخذت الحرب منحى خطيرا بهجوم عراقي هو الأول من نوعه على ناقلة نفط يونانية جنوب جزيرة الخرج حيث تقع أحد أكبر منشآت تصدير النفط الإيرانية. القوات المسلحة الإيرانية ردت على الهجمات العراقية بقصف ناقلة بضائع هندية وناقلات نفط كويتية وسعودية. إن حرب الناقلات قد أدت إلى تناقص صادرات النفط الإيرانية إلى النفط تقريبا بالإضافة إلى أثارها على حركة الشحن العالمية عبر تلك المنطقة الحيوية التي انخفضت بنسبة 25% وإرتفاع قيمة التأمين على ناقلات النفط وسفن شحن البضائع.
إن أسعار النفط قد ارتفعت بسبب الحرب العراقية-الإيرانية حتى لامست سقف 30 دولارا للبرميل بزيادة تقدر 300% من سعرها قبل بداية الحرب. كما إختفى أي حديث عن تخمة نفطية قدرت سنة 1980 في الفترة التي سبقت بداية الحرب بثلاثة ملايين برميل يوميا من فائض الإنتاج. أصابع الإتهام وجِّهت للولايات المتحدة في إشعال فتيل الحرب لأنها هي المستفيد الأكير منها. السؤال حول من بدأ الحرب يبقى بدون إجابة واضحة حتى يومنا هذا. ولكن المستفيدين من الحرب كانوا معروفين وهم شركات النفط التي تتبع اسرة روكفلر(الأخوات السبعة) وتجار السلاح وبنوك وول ستريت وحي المال والبورصة في لندن(سكوير مايلز) الذي أصيبوا بالتخمة المالية بسبب ارتفاع سعر النفط وإيداع عائداته في بنوكهم مما جعلهم قادرين على الإستمرار بمنح القروض بفوائد مرتفعة لدول العالم الثالث وأمريكا اللاتينية وجني أرباح هائلة. إن بنوك وول ستريت وسكوير مايلز كانت من أكبر المستفيدين بعد فترة من الكساد الاقتصادي وضعف السيولة بسبب سياسات محافظ بنك الإحتياطي الفدرالي بول فولكر الذي أبقى أسعار الفائدة مرتفعة مما أدى الى اسوأ أزمة كساد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حيث لم تبدأ الأزمة بلملمة ذيولها والرحيل إلا عندما اندلعت الحرب العراقية-الإيرانية وبدأ إستهداف ناقلات النفط والسفن التجارية التي تمر في المنطقة. المملكة العربية السعودية قد منحت العراق مامقداره مليار دولار شهريا خلال الفترة بين 1980 وحتى ربيع سنة 1982 على الأقل. العراق أنفق مامقداره 200 مليار دولار على الأسلحة خلال فترة الحرب التي امتدت 8 سنين وإنتهت بموجب قرار مجلس الأمن رقم 598.
وكما كانت الحكومات الأمريكية المتعاقبة قادرة على التلاعب بأسعار النفط صعودا, فإنها كانت قادرة أيضا على تلاعب بها هبوطا. سنة 1985, عقد وزير الخارجية الأمريكي جورج شولتز اجتماعا ضم عددا من المسؤولين الحكوميين بهدف البحث في طلب مساعدة المملكة العربية السعودية من أجل إحداث صدمة نفطية معاكسة, تخفيض أسعار النفط عبر زيادة الإنتاج على الرغم من التخمة في الإنتاج التي كانت تمر بها أسواق النفط. إن ذلك كان يهدف الى تحقيق هدفين: الهدف الأول هو التأثير الموارد المالية للإتحاد السوفياتي والذي كان يعتبر ثاني أكبر منتج للنفط بعد المملكة العربية السعودية, الهدف الثاني كان إخراج الإقتصاد الأمريكي من حالة الكساد ولو مؤقتا تمهيدا لحملة ترشيح نائب الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب للإنتخابات الرئاسية سنة 1988. الملك فهد بن عبد العزيز زار الولايات المتحدة بتاريخ 11/فبراير/1985 بهدف لقاء الرئيس ريغان لبحث العلاقات الأمريكية-السعودية في مجال الطاقة والإقتصاد. وزير النفط السعودي زكي اليماني التقى على هامش الزيارة نائب الرئيس جورج بوش الأب, وزير الخزانة جيمس بيكر ووزير الطاقة جون هارينغتون حيث تم التأكيد أثناء ذلك اللقاء على أن السوق هي من يحدد سعر النفط وليس منظمة الأوبك. جورج شولتز كان صديقا مقربا من رجل الأعمال ديفيد روكفلر حيث كان يشغل منصب وزير الخزانة في السابق وكان له دور مهم في إقناع الرئيس السابق ريتشارد نيكسون سنة 1971  إلغاء العمل بإتفاقية بريتون وودز والتخلي عن المعيار الذهبي مما ساهم في إرتفاع أسعار النفط وصولا الى 400% سنة 1974.
يخطئ من يتعاطى مع الولايات المتحدة على أن تغيير الرؤساء يعني تغيير رئيسي في السياسة الأمريكية خصوصا في منطقة الشرق الأوسط. الولايات المتحدة ليست عبارة عن انتخابات يتنافس خلالها مرشحان يمثل كل منهما حزبا من الحزبين, الديمقراطي أو الجمهوري, حيث تنتهي بفوز أحدهما ويحق للفائز أن يعيد ترشيح بعد أربعة سنوات بحد أقصى فترتين رئاسيتين, 8 سنوات. الولايات المتحدة عبارة عن منظومة متكاملة يمثل الرئيس الأمريكي واجهتها الأمامية أمام الرأي العام المحلي والدولي, ولكن من وراء ستار, بنوك وول ستريت ولوبيات الضغط والشركات العابرة للقارات والمتعددة الجنسيات هي من يتحكم بسياسة الولايات المتحدة الداخلية والخارجية على حد سواء. إن تلك الشركات لايهمها إلا مصالحها وتحقيق الأرباح لو سفك في سبيل ذلك أرواح ملايين البشر. على رأس الهرم في تلك المنظومة هي شركات النفط حيث يعتبر النفط عصب الحياة الاقتصادية والأساس الذي بنيت عليه حركة التجارة العالمية. النفط هو الذي جعل ظواهر مثل الرأسمالية والعولمة قابلة لأن تصبح أمرا واقعا. حكومة الولايات المتحدة سخَّرت كامل إمكانياتها في سبيل التحكم والسيطرة بالمصدر الأولى للطاقة في العالم, دبَّرت الإنقلابات العسكرية وشنت الحروب وإغتالت رؤساء دول في سبيل ذلك. شركات النفط لم تكن ببعيدة عن كل ذلك, المهم هو النفط...ثم النفط...ثم النفط ثم لاشيء.


مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية

No comments:

Post a Comment