إن الحرب العراقية-الإيرانية(1980-1988) هي أحد أكثر فصول الصراع في المنطقة دموية حيث لعبت مصالح الشركات النفطية دورا مهما في كونها العامل المحرك لذلك الصراع والدافع الرئيسي له. بتاريخ سبتمبر 1980 قام الجيش العراقي بالهجوم على مواقع القوات الإيرانية في الحدود المشتركة بين البلدين وكذلك قصف المدن الرئيسية الإيرانية. الذريعة التي كانت السبب في ذلك الهجوم هو إعتداء القوات الإيرانية بالقصف المدفعي على مواقع حدودية عراقية, وهي تهمة لم تثبت ولم يتم تقديم أي دليل مقنع عليها. وحتى لو تم التثبت من تلك المزاعم بأن القوات الإيرانية هي التي بدأت بالهجوم على مواقع القوات العراقية وقصفت مدنا حدودية عراقية, فذالك يطرح سؤالا مهما حول مصلحة النظام الإيراني الممثل بالثورة الإسلامية الإيرانية في أن تشعل حربا بينه وبين جارته القوية. وفي الحقيقة وسوف يكشف التاريخ أن جميع تلك المزاعم خالية من الصحة حيث لم تكن بداية تلك الحرب إلا عبارة عن بروباغندا إعلامية, ولكن ربما علينا أن ننتظر 50 عاما حتى يتم الإفراج عن بعض الوثائق الأمريكية والبريطانية بموجب قانون رفع السرية عن المعلومات لعل وعسى نتعلم من دروس التاريخ ولو بعد حين.
الخسائر البشرية كانت مرتفعة لطرفي النزاع, أكثر من 1.5 مليون سقطوا بين قتيل أو جريح أو مفقود بينما تشرَّدَ الملايين وخسروا منازلهم وتحولوا الى لاجئين داخل أوطانهم خصوصا في المناطق الحدودية. الخسائر العراقية بلغت 375 ألف جندي قتلوا خلال فترة النواع و60 ألف تم أسرهم. الخسائر الإيرانية بلغت أكثر من مليون بين قتيل وجريح ومفقود. كما تم أسر آلاف الجنود الإيرانيين. الخسائر الاقتصادية بلغت أكثر من تريليون دولار من المعدات العسكرية والخسائر الاقتصادية حيث تدمرت مناطق كاملة في كلا البلدين وأصبحت غير صالحة للعيش بسبب عمليات القصف المتبادل والغارات الجوية. الولايات المتحدة سلَّحت طرفي الصراع حيث لعب مستشار الأمن القومي الأمريكي هنري كيسنجر دور العرَّاب. الرئيس الأمريكي رونالد ريغان ونائبه جورج بوش الأب كانا يعقدان إجتماعات سرية مع طرفي النزاع منذ سنة 1980 على الرغم من أن الموقف المعلن للولايات المتحدة كان الحياد. هنري كيسنجر إستخدم برنامج المساعدات الغذائية الحكومية المقدمة الى للعراق غطاء لتمرير ما مقداره 5 مليارات دولار من الأسلحة حيث إستخدم بنك (BNL), بنك حكومي إيطالي له فرع في مدينة أتلانتا التي تعتبر عاصمة ولاية جورجيا الأمريكية لتمرير تمويل الصفقة دون إثارة اي شبهات. هنري كيسنجر والذي لم يكن يشغل منصبا رسميا خلال تلك الفترة رغم نفوذه الواسع, كان عضوا في مجلس إدارة بنك (BNL).
ولكن التورط الأمريكي في الصراع العراقي-الإيراني لم يقتصر على تزويد الطرفين بالأسلحة والمعلومات الإستخبارية بل تعداه الى ماهو أبعد من ذلك. عضو الكونجرس الأمريكي لي هاملتون ترأس سنة 1992 لجنة من الكونجرس مهمتها التحقيق في بعض الجوانب الخفية لأزمة الرهائن الأمريكيين التي أعقبت إقتحام السفارة الأمريكية في طهران. لي هاملتون أرسل طلبا رسميا للإتحاد السوفياتي سنة 1993 للإستفسار عن معلومات حول تورط المرشح الجمهوري رونالد ريغان ونائبه جورج بوش الأب ومجموعة أخرى من المسؤولين الأمريكيين في مفاوضات سرية مع جهات إيرانية لتأجيل إطلاق سراح الرهائن حتى إنتهاء الإنتخابات الرئاسية الأمريكية وذلك لمنع إعادة إنتخاب الرئيس جيمي كارتر الذي كانت آمال مستشاريه معلَّقة على نجاحه في إطلاق سراح الرهائن لضمان إعادة إنتخابه. المذِّكرة الروسية أكدت المعلومات التي في حوزة لجنة التحقيق الأمريكية وأن مسؤولين أمريكيين على صلة مع الرئيس جورج بوش الأب وهنري كيسنجر نجحوا في تأمين إستضافة الشاه محمد رضا بهلوي في الولايات المتحدة للعلاج رغم أن التقارير أكدّت ردة الفعل الإيرانية العنيفة على ذلك قد تصل الى إحتلال السفارة الأمريكية في طهران وتهديد المصالح الأمريكية في المنطقة. الهدف هو البحث عن ذريعة تبرِّر مصادرة أرصدة الحكومة الإيرانية في البنوك الأمريكية لصالح تلك ديون مترتبة على إيران تعود الى فترة حكم النظام السابق للشاه.
عرّاب تنظيم القاعدة وأسامة بن لادن, زيغينو بريجنسكي, مستشار الأمن القومي خلال فترة حكم الرئيس جيمي كارتر هو من تولى مهمة العلاقات مع العراق في فترة الشهور الباقية من رئاسة الأخير. وجهة نظر بريجنسكي كانت دعم العراق ومحاولة استمالته للجانب الأمريكي وتشجيعه للانفصال عن الاتحاد السوفياتي خصوصا أن علاقة الحكومة العراقية مع الحزب الشيوعي العراقي لم تكن على مايرام في يوم من الأيام. الإدارة الأمريكية نجحت في طمئنة الرئيس العراقي بأن هجومه على إيران سوف لم يواجه إعتراضا من الولايات المتحدة, نفس الأمر الذي تكرَّرَ سنة 1990 حين غزا العراق دولة الكويت. مع مقارنة 1980, بداية إجتياح القوات العراقية للأراضي الإيرانية, و1990, إجتياح الجيش العراق للكويت, فإن ازدواجية الموقف الأمريكي واضحة ولا يمكن إنكارها. حيث أنه سنة 1980, لم يكن هناك بيانات إدانة ودعوة لفرض حظر سلاح والتهديد بإستخدام القوة لوقف أعمال الحرب العراقية ضد إيران. وزير الخارجية الأمريكي الذي تسَّلمَ مهامه سنة 1981, وفي أولى جولاته الخارجية الى السعودية ومصر, ذكر أن السعودية ومصر كانتا تتعاونان مع العراق وتزودانه بمعلومات عن إيران وتحركات القوات الإيرانية. كما ذكر في تقريره عن الزيارة أن الرئيس الأمريكي جيمي كارتر أرسل رسالة للرئيس العراقي عبر وسيط من خلال الملك فهد, ملك المملكة العربية السعودية, أنه يمنح العراق الضوء الأخضر لبدء الحرب ضد إيران.
الولايات المتحدة هي أشبه مايكون بعصابة المافيا حيث يتحد فيها الجميع من أجل تحقيق مصالح فئوية محدَّدّة. في تلك الدولة, عليك التخلي عن كل شيء بكل مايحمله ذلك من معنى. عليك التخلي عن أخلاقك, أهلك, دينك,ربِّكَ وأمور أخرى. في سبيل السيطرة على منابع الطاقة العالمية, قتلت الولايات المتحدة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة عشرات الملايين من البشر, مدنيين مسالمين أبرياء, أطفال ونساء وشباب ذهبوا ضحية حروب النفط الدموية حيث رفعت الولايات المتحدة شعار "النفط مقابل الدم."
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment