إن المشكلة التي يعاني منها أغلب رجال الدين الذي يوصفون بأنهم سلفيون أنهم هم أنفسهم إنقلبوا على فتاويهم بتحريم العملية الديمقراطية حين تلقوا وعودا أمريكية وأوروبية بتسليمهم وأحزاب الإسلام السياسي كراسي الحكم في عدد من بلدان الوطن العربي ممن تم إستهدافها بربيع الخراب فقاموا بتغيير جلودهم بدعوى المرونة وإبتكروا أنواعا من الفقه كفقه المستجدات وفقه الضرورة وإعتبروا أن الديمقراطية هي سبيلهم للديكتاتورية الدينية وأن الغاية تبرر الوسيلة.
وعلى هامش الإنتخابات التي جرت في بلدان كتونس ومصر إثر أحداث ربيع الخراب فقد قام الإسلاميون بإستخدام الفضائيات الدينية لنشر دعايتهم الإنتخابية التي لم تكن تحتوي على أي نوع من البرامج التي تهتم بمشاكل الحياة اليومية الإقتصادية والإجتماعية والسياسية بل ولم يبرز من مرشحيهم لأول إنتخابات برلمانية بعد سقوط حكم زين العابدين في تونس أو محمد حسني مبارك في مصر أي خبير إقتصادي على الرغم من أهمية الإقتصاد وإن كان أغلب المرشحين يحمل شهادات شرعية وتمحورت الدعاية الإنتخابية حول تطبيق الشريعة الإسلامية بدون تبيان الكيفية التي سوف يتم بها ذالك. ولعل أنه من المضحك المبكي أنه من أوائل القرارات التي تدل على الحماس للشريعة الإسلامية من جانب الرئيس المصري السابق محمد مرسي هو السماح للملاهي الليلية بالترخيص لمدة ثلاثة سنوات بدلا من سنة واحدة والتقدم بطلب قرض من صندوق النقد الدولي على الرغم من أن الفتاوي واضحة بخصوص تحريم الفائدة.
وفي تونس كما في مصر قام الإسلاميون أو أنصار أحزاب الإسلام السياسي بتسخير مقدرات الدولة والتي يعتبرونها فاسدة وفي أثناء فترة الحكم الإنتقالي التي كان لهم على حكوماتها نفوذ كبير حيث تم توزيع طرود غذائية على الأحياء والمناطق الفقيرة والمهمشة والقيام بتوزيع إعانات مالية ولذالك كان من الواضح التباين في نسبة التصويت لهم بين مناطق الحضر أو المدن حيث ينتشر التعليم وتقل نسبة الأمية والأرياف.
هناك الكثير من رجال الدين الذين يوصفون بأنهم سلفيون إبتعدوا عما يصفونه بأنه مهازل وإزدواجية معايير بل وقام بعضهم بتوجيه إنتقادات لاذعة لكل من شارك في الإنتخابات والبرلمانات التي إعتبروها بدعة وغير إسلامية. في مصر فإن محمد حسان وهو رجل دين سلفي وأحد نجوم الفضائيات قد تصدر الدعوى لإنشاء حزب سياسي ذي توجه سلفي حيث دعا إلى إغتنام ماوصفه بفرصة تاريخية. وفي تونس فقد تصدر راشد الغنوشي المشهد السياسي وأصبح رجل الدين المصري وجدي غنيم ضيفا دائما على المؤتمرات الدينية في تونس.
المشكلة أن أولويات رجال الدين السلفيين ممن إنقلبوا على مبادئهم وكذالك أنصار الإسلام السياسي هو ختان البنات وفرض الخمار والنقاب وغير ذالك من وسائل تحجيب المرأة. كما إستخدموا المساجد والمنابر خصوصا خطب الجمعة لبث الدعاية الإنتخابية وتوعدوا من يصوت لغير المرشحين الإسلاميين بعدم دخول الجنة وكانت النتيجة مأساوية حيث من يتابع أخبار البرلمانات المنتخبة في تلك الفترة يجد من همه إعلان الأذان داخل مبنى البرلمان والقيام بحركات غير أخلاقية(البعبوص) لخصومهم السياسيين كما تم إغتيال بعض خصومهم في تونس كشكري بلعيد المعارض اليساري المعروف والذي تم إغتياله امام منزله.
إن أحد أساليب الترويج للإنتخابات وأنها سوف تخلق دولة الديمقراطية والجنة الإلهية هي التغيير ولكن كما قال الكاتب الأمريكي الساخر مارك تواين " لو أن التصويت يقوم بالتغيير لما سمحوا لنا به ". مخرجات العملية التي يصفونها بالديمقراطية أصبحت واضحة. في السابق فقد كان الإتجاه هو عدم السماح للإسلاميين الوصول لكرسي الحكم خوفا من أجنداتهم العنفية المعادية للغرب والسامية ولكن ذالك تغير في وقت لاحق وأصبحت الأولوية توريط الإسلاميين في لعبة السياسة والإنتخابات وفضح عجزهم وجهلهم وعدم إمتلاكهم لأي برنامج حكم واضح المعالم وكل ذالك بهدف تغيير الصورة المثلى والفاضلة التي كان يحاولون الترويج لها في أوساط قواعدهم الشعبية تمهيدا لتدجينهم وتطويعهم.
الإسلاميون وقعوا في الفخ وأصبح الخروج من الحفرة مستحيلا حيث تم وصم الإسلام بأفعال بعض رجال الدين ممن قادهم طمعهم بكرسي الحكم مخالفة لحديث نبوي صريح يقول " إنا والله لا نولي هاذا العمل أحدا سأله ". وقبلهم بسنوات سقطت حركة حماس في فلسطين في الفخ ودخلت لعبة الإنتخابات التي وصفت بانها كانت ديمقراطية وشفافة ولكن العالم إنقلب عليها بوصفها حركة إرهابية ورفض تلك الإنتخابات ورفض الإعتراف بالحكومة الفلسطينية المنبثقة عنها. حركة حماس من ناحيتها سارعت لتأسيس ميليشيا موازية تسمى القوة التنفيذية وإستولت على ما تبقى من الحكم بالقوة منقلبة على نفس الشرعية الإنتخابية التي أوصلتها لكرسي الحكم عندما إستشعرت الخطر حيث تخطط لعدم التخلي عن الحكم حتى ولو إستخدمت القوة والقمع. أولويات حماس في الحكم كانت منع النساء من تدخين الأرجيلة في المقاهي وتأسيس ميليشيات دينية تعتدي على المواطنين بذرائع مختلفة.
إن كل الذي ذكرته لكم ليس بغريب على حركات الإسلام السياسي وعلى رأسها الإخوان المسلمين حيث أن تركيا والتي قام رئيسها أوردوغان بتشبيه الديمقراطية بسيارة التكسي التي تستخدم مرة واحدة لتقلك إلى وجهتك ثم تنزل منها قد قام بمسرحية إنقلاب عسكري عندما إستشعر الخطر الذي يتهدد نظام حكمه حيث كان ذالك الإنقلاب ذريعة لتصفية خصومه وفق قوائم معدة سلفا وتم الترويج لخطر منظمة عبدالله غولن وكيان الدولة الموازية.
الأحزاب السلفية ومعها أحزاب الإسلام السياسي وتفرعاتها تستعد لعصر جليدي يمتد أربعة سنين مع وصول رجال الأعمال الأمريكي دونالد ترامب لكرسي الحكم في البيت الأبيض وتصريحاته بأولوية محاربة تلك التنظيمات على إسقاط أنظمة الحكم في الوطن العربي.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment