Flag Counter

Flag Counter

Friday, November 25, 2016

الجذور التاريخية للأزمة اليونانية وتأثيرها على الإتحاد الأوروبي(5)

هناك حدثان يعبران عن لحظات تاريخية هامة في حياة اليونانيين. الحدث الأول سنة 1974 بإنتهاء فترة الحكم العسكري والحدث الثاني كان سنة 1981 وهو تاريخ إنضمام اليونان للإتحاد الأوروبي. عصر جديد بدأ في تاريخ اليونان بإنضمامها للإتحاد الأوروبي ممايعني وصول الديمقراطية اليونانية لقمة النضج وعلامة على ذهاب زمن الأزمات السابقة إلى غير رجعة. وفي نفس السنة أصبح جورج باباندريو(George Papandreou) رئيس ومؤسس حزب باسوك(Pasok – Panhellenic Socialist Movement) المتشكل حديثا ذو التوجه الإشتراكي رئيسا لوزراء اليونان.
هناك ظاهرة مميزة للحياة السياسية في اليونان وهي توارث المناصب السياسية أو مايعرف بالأسر الحاكمة السياسية(Political Dynasties) وهي ظاهرة معروفة في الكثير من الدول حتى في الولايات المتحدة حيث هناك أسر مثل كينيدي, بوش وكلينتون تتوارث العمل السياسي لأجيال عديدة متتابعة. ولكن في الولايات المتحدة هناك إحتمال كبير أن يفوز شخص من خارج تلك العائلات بأرفع منصب في الولايات المتحدة وهو منصب الرئاسة. في اليونان فإن ظاهرة الأسر السياسية الحاكمة هي أكثر ظهورا وتجذرا في المجتمع. جورج باباندريو هو حفيد جورج باباندريو الجد(Senior) الذي كان رئيسا للوزراء 1944-1945 ولفترتين قصيرتين في الستينيات. كوستاس كارامانيليس(Kostas Karamanlis) رئيس وزراء اليونان في الفترة 2004-2009 والذي مازال رئيس حزب الديمقراطية الجديد(The New Democracy Party) هو حفيد كونستانتينوس كارامانليس(Konstantinos Karamanlis) مؤسس الحزب ورئيس وزراء اليونان لأربع مرات.
الحياة السياسية في اليونان وبسبب تلك الظاهرة فقد تميزت وإعتمدت بشكل رئيسي على قائد الحزب ذو الكاريزما أكثر من إعتمادها على التمايز الطبقي والنظريات السياسية. التوجه نحو الأحزاب الشعبية ذات العدد المتضخم من الأعضاء قد بقي محدودا.
شهدت اليونان في الفترة 1974-1990 إنخفاض سعر صرف العملة اليونانية(الدراخما) مرتين بشكل رئيسي وذالك تحت تأثير إنهيار إتفاقية بريتون وودز والصدمة النفطية سنة 1974. كما أن الدراخما لم تكن جزأ من ألية تبادل أسعار الصرف التي تم العمل بها كتمهيد للعملة الأوروبية الموحدة(اليورو) في الفترة 1979-1993 مما فاقم أزمة الدراخما التي شهدت تخفيضين رئيسيين في قيمتها سنة 1983 و1985 بقيمة 15.5% و 15% على التوالي. وفي بداية سنة 1990 فإن سياسة تقوية مركز الدراخما في أسواق الصرف برفع قيمتها تم تبنيها بدعم من كافة الأحزاب الرئيسية في اليونان كجزء من الجهود من أجل الإنضمام لمنطقة العملة الأوروبية الموحدة(اليورو).
ومع وجود رئيس الوزراء اليوناني جورج باباندريو في منصبه في نفس التوقيت الذي إنضمت فيه اليونان للإتحاد الأوروبي فإن ذالك أتاح له الإستفادة من العديد من المميزات والمنح التي تخصص للدول الأضعف إقتصاديا أو الأفقر من غيرها في الإتحاد الأوروبي خصوصا الإعانات والمنح في المجال الزراعي وذالك لمكافأة الفئات الإجتماعية التي ساهمت بشكل فعال في مقاومة النازيين والفاشيين وكانت الأكثر تضررا من الإحتلال النازي, الحرب الأهلية وحكم الإنقلاب العسكري. في سنة 1981 فإن جورج باباندريو فاز في الإنتخابات إعتمادا على برنامج إنتخابي شعبي نجح في إزالة حالة من إحساس اليونانيين أنهم كانوا محكومين لفترات طويلة من قبل طبقة محافظة تتبع دولا أجنبية في خطها السياسي حيث نمت وترعرعت حول فئات معينة إحتكرت الإمتيازات والمنافع بسبب تفردها بالعمل السياسي. جورج باباندريو وحزبه باسوك(Pasok) كانا من أكبر المعارضين للإتحاد الأوروبي والناتو ولكنه تغير وإستدار في توجهه السياسي 180 درجة في الفترة التي تلت سنة 1981 مع إنضمام اليونان للإتحاد الأوروبي وبداية التوجه نحو إنضمامها لمنطقة اليورو سنة 1990.
منذ بداية سنة 1980 كان هناك توجه في اليونان نحو مايعرف بالسلام الإجتماعي(Buying Social Peace) وهو مبدأ قائم على الإمتيازات والمنح والإعفائات الضريبية لفئات معينة كالنقابات العمالية وصناديق التقاعد خصوصا عن طريق زيادة عدد الموظفين الحكوميين ورفع رواتبهم وكذالك المعاشات التقاعدية. ذالك التوجه قد تعزز في الفترة التي تلت سنة 2001 وهي السنة التي إنضمت فيها اليونان لمنطقة اليورو حيث سمح لها ذالك بالحصول على قروض من الأسواق المالية الدولية بأسعار فائدة منخفضة وبضمانات عضويتها في الإتحاد الأوروبي واليورو لأن ذالك يعني كلمة واحدة, الثقة.
الأمر برمته كان من الممكن أن يكون له تأثير إيجابي لو أن القسم الأكبر من تلك الأموال قد تم توظيفه في بناء قاعدة صناعية وزراعية وتعليمية للمستقبل بما يؤدي لخلق المزيد من الوظائف بشكل طبيعي بدون أن يتم منحها لفئات معينة بواسطة المعارف والصلات العائلية. كما أن ذالك سوف يؤدي إلى توظيف أمثل لرؤوس الأموال تلك بما يمكن اليونان من النهوض إقتصاديا ودفع تلك الديون. ولكن بدلا من كل ذالك فإن قسما كبيرا من تلك الأموال قد تم صرفه في شراء معدات عسكرية من شركات أوروبية تنتمي لدول أعضاء في الناتو من أجل التحضير لمواجهة عسكرية محتملة مع دولة أخرى عضو في الناتو هي تركيا تقوم بشراء السلاح من شركات تنتمي لنفس الدول التي تبيع السلاح لليونان.
القطاع العام في اليونان تضخم بشكل مرضي بزيادة عدد موظفيه وإنخفاض كفائتهم وأصبح تابعا للأحزاب والمنظمات والنقابات فيما يشبه المحاصصة بدلا من أن يكون تابعا للدولة ومع مرور الوقت تحول إلى عبئ كبير تتأكل بفضله ميزانية الدولة بإزدياد سنة بعد سنة وماكان يعطى كهبة أو منحة في البداية تحول مع مرور الوقت إلى حق وإمتياز يصعب التخلي عنه, أشبه مايكون بحالة من الإدمان إن صح التعبير.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
نهاية الجزء الخامس والأخير


No comments:

Post a Comment