اليونان لم تكن الدولة الوحيدة في الإتحاد الأوروبي التي عانت من الإحتلال حيث أن إسبانيا قد قامت بإحتلال هولندا حتى سنة 1581 وفي الحرب العالمية الثانية فإن فرنسا قد تم إحتلالها من قبل القوات الألمانية, الفرق بين اليونان وغيرها أن الإحتلال العثماني قد دام 300 سنة تقريبا.
هناك الكثير من العادات والتقاليد قد تأسست في تلك الفترة بسبب القوانين العثمانية التي كانت تفرض مايعرف بضريبة(الجزية) والتجنيد الإجباري لإبن واحد من بين كل خمسة أبناء للأسرة في قوات الإنكشارية حيث كان يتم إجباره على إعتناق الإسلام والخدمة في الجيوش العثمانية. وبسبب تلك القوانين فإن التهرب من دفع الضريبة وتقديم الرشى للمسؤولين العثمانيين لتجنب التجنيد في الإنكشارية كان يعد مفخرة وواجبا وطنيا حيث إستمرت تلك العادة حتى عصرنا الحالي.
التهرب الضريبي مشكلة موجودة في جميع الدول بلا إستثناء ومنذ قديم العصور ولكنه في عدد من جيران اليونان الأوروبيين فقد إرتبطت تلك المسألة بالإستقلال والدفاع عن سيادة الدولة. في بريطانيا فإن سنة 1798 قد شهدت أول قانون مؤقت بخصوص تنظيم مسألة فرض الضرائب والذي تحول إلى قانون دائم مع مرور الوقت خصوصا أثناء فترة الحرب العالمية الثانية.
في اليونان فإن من تولى إدارة البلاد هم أنفسهم من كانوا مسؤولين عن جمع الضريبة في السابق وهؤلاء كانوا ينظرون للدولة على أنها مصدر دخل وليس كحامية للحريات وحقوق الملكية خصوصا العقارية. حتى أن مسألة المحسوبية كانت مسألة متأصلة ومتجذرة في الثقافة اليونانية بحلول القرن التاسع عشر. في نهاية سنة 1880 وفي اليونان كان هناك 214 موظفا حكوميا لكل 10000 من السكان مقارنة بألمانيا 126 وبريطانيا 73 لنفس العدد من السكان. النظرة التقليدية في اليونان للدولة على أنها كانت تمتلك المال وبالتالي فيجب إغتنام الفرصة والحصول على عمل كموظف حكومي. ومنذ ذالك الحين وطوال 125 سنة لم يتغير الكثير بخصوص ذالك إلا أنها المسألة إزدادت مع إنضمام اليونان للإتحاد الأوروبي حيث زاد تدفق رؤوس الأموال والقروض المنخفضة الفائدة التي صاحبها تضخم البيروقراطية الحكومية عبر خلق وظائف غير ضرورية فيما يعرف بالبطالة المقنعة.
إن إستقلال اليونان عن الدولة العثمانية كان إسميا حيث إستمرت مجموعة دول خصوصا بريطانيا والولايات المتحدة بالتأثير على السياسة اليونانية خدمة لمصالحها في المنطقة. في مؤتمر لندن سنة 1832 فقد تقرر أن يكون نظام الحكم في اليونان ملكيا إثر إنتهاء الإحتلال العثماني وتم تعيين أمير بافاري يدعي (Otto أو Othon) كملك لليونان.
كلمة الديمقراطية هي بالتأكيد ذات أصل يوناني حيث اليونان أقدم دميقراطية ومارست الديمقراطية منذ العصور القديمة بإستثناء فترة الإحتلال الألماني خلال الحرب العالمية الثانية والحكم العسكري(1967-1974). ولكن الديمقراطية اليونانية مختلفة عن غيرها فاليونان منحت حق التصويت لأغلب الذكور من المواطنين اليونانيين سنة 1830 حيث كانت رائدة في ذالك مقارنة بجيرانها الأوروبيين خصوصا الدول التي تعتنق المذهب المسيحي البروتستانتي.
ولكن ماهي نقطة الإختلاف بين الديمقراطية اليونانية وغير من الديمقراطيات؟
اليونان إنتقلت لتلك المرحلة بطريقة مباشرة وبدون مرحلة الصراع الطبقي الذي تمر به الأمم خصوصا في الغرب في إنتقالها من نظام الحكم الإقطاعي إلى نظام الحكم الديمقراطي. اليونان إنتقلت لتلك المرحلة بدون نهضة صناعية حقيقة كالثورة الصناعية في أوروبا وبدون أن يتم تعزيز وجود طبقة الحكم البيروقراطية خصوصا الموظفين الحكوميين الذين كانوا ينظرون للدولة كمصدر للدخل مقابل الخدمات التي يقوم بها أولئك البيروقراطيون لصالحها. ولنقرب المسألة نستطيع تبني مبدأ الضريبة مقابل الخدمات حيث تقوم الحكومة المركزية والحكومات المحلية ومن يمثلها كالبلديات بفرض الضرائب على المواطنين مقابل الخدمات التي تؤديها الدولة لصالحهم كإنشاء البنية التحتية.
النموذج الغربي للدولة يقوم على تكتلات من المصالح التجارية التي تتلقى الدعم من طبقة المستثمرين والتجار والصناعيين والذي بدورهم يتلقون الدعم من خلال طبقة البيروقراطية الحكومية التي من المفترض أنها نزيهة لحد معين وتستمثر في الموارد البشرية والبنية التحتية والتي تعد ضرورية لإستمرار وبقاء الطبقتين السابقتين. إنتقال اليونان وبشكل فوري للنموذج الديمقراطي ومنح الحقوق الإنتخابية للذكور كمرحلة أولى لذالك النظام يضاف إليها سيادة النظام العائلي داخل المجتمع اليوناني قد أدى إلى أن تكون العلاقة مباشرة بين المواطنين وطبقة الموظفين الحكوميين الذين يمثلون الدولة. كلمة (Pelataikai) باللغة اليونانية أو الزبون(Customer) باللغة الإنجليزية هي أنسب كلمة لوصف تلك الحالة.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
نهاية الجزء الثاني
No comments:
Post a Comment