عندما سألوا زعيم الحزب الشيوعي الصيني زهاو إنلاي (Zhou Enlai) سنة 1970 عن رأيه بالتأثير الذي أحدثته الثورة الفرنسية سنة 1789, كانت إجابته الشهيرة "من المبكر توقع ذالك". إن التغيرات التي فرضتها الثورة الفرنسية على فرنسا قد جعلتها بلدا مختلفا عن ألمانيا أو إيطاليا في العديد من النواحي منها هيكلية الجهاز الحكومي, الأداء السياسي المتفق مع مفهوم الجمهورية كهيكلية سياسية للدولة والشكل العام الذي بالتأكيد ساهمت تلك الثورة في ترسيخه.
تاريخ الجمهورية الفرنسية يبدأ منذ قيام الثورة الفرنسية لأن هيكلية الحكم قبل ذالك كانت ملكية ولكن تاريخ اليونان يعود إلى ماقبل سنة 1789, في الحقيقة هو يعود لألاف السنين التي سبقت ذالك ولكن الماضي مازال يتفاعل مع الحاضر ويؤثر فيه حتى يومنا هاذا. وقد يكون من المبكر الحكم على تأثير الفترة الزمنية التي كانت فيها اليونان تحت حكم الإمبراطورية البيزنطية أو الإحتلال العثماني وذالك على نظامها الضريبي, إدارة قطاعها العام, الإنفاق العسكري, التوتر في منطقة بحر إيجه(Aegean) وعملتها الوطنية.
تقدم اليونان بطلب للإنضمام إلى الإتحاد الأوروبي قد تم بناء على مفهوم خاطئ لإمكانية التقارب الإقتصادي حيث تم تعزيز ذالك المفهوم ببيانات مضللة تم تقديمها في طلب الإنضمام. وعلى الرغم من أن الفلسفة والأساطير واللغة اليونانية قد إحتلت مساحة هامة في البنية الأساسية التي قامت عليها العقلية الغربية إلا أنها بقيت محصورة نوعا ما ولم تتمتع بالإنتشار والعالمية التي من المفترض أن يؤهلها تاريخها العميق لذالك. الحضارة الغربية إنتشرت بفضل عالمية اللغة الإنجليزية عندما كانت الإمبراطورية البريطانية تحكم ربع سكان الكرة الأرضية واللغة الفرنسية أيضا تعد لغة عالمية بفضل إنتشار الحكم الإستعماري الفرنسي في عدة بلدان كما أن الثقافة والأدب الفرنسيين تمتعوا بمكانة هامة وحتى اللغة اللاتينية إنتشرت بفضل الثقافة اللاتينية خصوصا الموسيقى والأدب كما أن أمريكا اللاتينية تتمتع بسمعة دولية بفضل تاريخها وأثارها خصوصا حضارات مثل المايا والأزتيك. اللغة اليونانية هي التي رسمت الحدود بخصوص إنتشار الحضارة والثقافة اليونانية وتقبل المجتمعات لها على نطاق واسع لأنها بقيت محصورة في النخب العلمية المتخصصة حيث يعرف مجال دراستها بالكلاسيكي (Classical). هناك مثال بسيط هو أنه من المشهور أن العهد الجديد من الكتاب المقدس قد كتب باللغة اليونانية أو أن ذالك هو القول المعروف بين أغلب المختصين بدراسة التاريخ والحضارة المسيحية وبسبب ذالك فإن النخبة المتخصصة والتي على معرفة باللغة اليونانية القديمة, تختلف عن اللهجة المعاصرة, هم من يستطيعون قرائة وترجمة العهد الجديد من المخطوطات باللغة الأصلية التي كتب بها.
اليونان تحولت إلى مايشبه كعب أخيل في الإتحاد الأوروبي ولكنها برأي الشخصي ليست كعب أخيل الوحيد حيث يبدو أن هناك كعوبا أخرى لأخيل منها إسبانيا والبرتغال وأيرلندا. مشكلة اليونان هي أن قبلت في الإتحاد الأوروبي وفي العملة الأوروبية الموحدة(Eurozone) بدون أن تكون مستوفية لشروط الإنضمام ولا حتى بالمستوى الأدني. كان قبولها داخل الإتحاد الأوروبي قرارا سياسيا بإمتياز يحلل البعض أسبابه بكونها منطقة صراع سابقة على النفوذ بين الإتحاد السوفياتي من جهة والولايات المتحدة وبريطانيا من جهة أخرى.
اليونان ليست مؤهلة للإنضمام لنادي الدول الغربية فهي كانت تحت حكم الإحتلال العثماني 300 سنة تقريبا وقبلها كانت تصنف على أنها من ضمن الإمبراطورية البيزنطية. اليونان لم تشهد إصلاحاحت على الطراز الغربي ونمو الطبقة الوسطى فيها قد تأخر لفترة طويلة مقارنة بدول غربية أخرى مما أدى إلى ظهور مجموعة أمراض مزمنة منها المركزية والإنفرادية في إتخاذ القرار. كما أن هناك الكثير من تأثيرات فترة الحكم البيزنطي بقيت حتى في الفترة التي تلت نهاية الإحتلال العثماني خصوصا السياسات الحمائية وهي تعد سياسة تحيزية لصالح الصناعات اليونانية والمستثمرين المحليين. اليونان تتميز بالملكيات عائلية للمشاريع الصغيرة مع إقتران ذالك بالملكيات المتباعدة للمنازل والأراضي بالنسبة لأفراد الأسرة الواحدة.
إن من الصواب أن يتم تصنيف الإقتصاد اليوناني على أنه إقتصاد ناشئ وليس متقدما أو عصريا ليواكب مفاهيم العولمة وحرية التجارة وإنسيابية رأس المال وزيادة الإنتاجية.
إن هناك أربعة أسباب هي التي جعلت الشعب اليوناني يعتقد بإستحقاق إنضمامه للإتحاد الأوروبي كرد للدين والوفاء بالجميل على الرغم من الحقائق التاريخية والوقائع التي سوف تحول ذالك إلى كارثة, الأربعة أسباب بإختصار هي:
1- اليونان يعود الفضل لها في ظهور وتطور الحضارة
المواطن اليوناني العادي لديه وعي عميق بقيمة ماضيه الحضاري ويعتبرون أن المساهمات التي قدمتها اليونان للعالم أكثر من ان تنسى خصوصا الفلسفة, مفهوم الديمقراطية, النظام التعليمي, علم الهندسة. حتى أن مفهوم الصالات الرياضية ومنافسات الألعاب الأولمبية بل والماراثون هي كلها يعود الفضل إلى اليونان لتقديمها للبشرية.
2- خيانة الغرب لليونان في حرب أسيا الصغرى سنة 1921
إتفاقية (sevres) والتي كانت جزأً من معاهدة الهدنة وإنهاء الحرب العالمية الأولى (فرساي) وعدت بمنح اليونان مساحات كبيرة من الأراضي وخصوصا مقابل مساهمتها في الحرب التي دارت ضد تركيا, حرب أسيا الصغرى 1920-1923. ولكن تم عقد معاهدة لوزان سنة 1923 مع تركيا إثر مايعرف حرب الإستقلال التركية التي تلت الحرب العالمية الأولى. رئيس وزراء بريطانيا لويد جورج(...) أخلف وعده لليونان حيث إنتهت الحرب اليونانية-التركية بخسارة اليونان لنصف مساحتها التاريخية ومالايقل عن 300 ألف قتيل وجريح ومفقود.
3- المساهمة التي قدمتها المقاومة اليونانية في الحرب العالمية الثانية
المقاومة اليونانية يعود لها الفضل في تأخير القوات الألمانية في منطقة البلقان شهرا كاملا بفضل الهزيمة التي ألحقتها بالجيش الإيطالي حيث إضطر هتلر لتأجيل عملية بارباروسا خوفا من تحول تلك المنطقة لخاصرة رخوة للجانب الألماني حيث كان ستالين يقوم بحشد عدد كبير من القوات فيما يبدو أنه نية مبيته لإحتلال المنطقة ثم غزو ألمانيا.
هتلر نفسه إعترف بشراسة المقاتل اليوناني. رئيس الوزراء البريطاني تشيرشل ذكر بأن اليونانيين يقاتلون كالأبطال وأنه لولاهم لم يكن بمقدور أحد توقع النتيجة الكارثية لهزيمة الحلفاء في الحرب العالمية الثانية. حتى ستالين إعترف بالفضل لليونانيين بأنه لهم الفضل في تأخير القوات الألمانية شهرا كاملاحيث حل الشتاء الروسي القارس والجيش الألماني في عمق الأراضي الروسية مما أدى لهزيمتهم في ستالينغراد وموسكو وأوكرانيا.
4- إحتلال تركيا لنصف جزيرة قبرص سنة 1974
تركيا قامت بغزو النصف الشمالي لقبرص مما أجبر ألاف اليونانيين القبرصيين على مغادرتها إلى القسم الجنوبي الذي بقي تحت الحماية اليونانية. العداء اليوناني التركي منذ أيام حرب أسيا الصغرى مازال قائما حتى يومنا هاذا.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
نهاية الجزء الأول
No comments:
Post a Comment