قام المدعو جهاد الترباني وهو شاعر ومؤلف فلسطيني من قطاع غزة بالإتصال قبل ثلاثة سنين ببرنامج (مع سوريا حتى النصر) والذي يقدمه عدنان العرعور وإبنه على إحدى القنوات الفضائية حيث ألقى قصيدة عصماء يعبر فيها عن تأييده للأحداث التي تجري في سوريا وتمنى أن يصطحبه عدنان العرعور في رحلة النصر حتى يلقي قصيدة في الجامع الأموي. ويذكرني ذالك بيوسف القرضاوي الذي تمنى أن يصلي في الجامع الأموي بعد إسقاط النظام في سوريا بمعاونة الدول الغربية خصوصا الناتو.
تعرفت بالصدفة مؤخرا على برنامج جهاد الترباني على اليوتيوب وعلى كتابه الذي ألفه (مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ) وشاهدت بعض الحلقات وإن كنت لم أقرأ الكتاب بعد ولكن كما يقول المثل " المكتوب واضح من عنوانه " فماذا نتوقع من كتاب قام بالتقديم له أحد أسوأ رموز الإسلام السياسي من نجوم الفضائيات, محمد عبد الملك الزعبي. كما أنني أظن أنه تتبع له أو يساهم في عدد من مجموعات الفيسبوك التي تهتم بالمواضيع التاريخية. تمجيد السلاطين العثمانيين وأنهم خلفاء المسلمين والدعاية للرئيس التركي الحالي رجب أوردوغان هو الرسالة التي يحاول جهاد الترباني تمريرها وغرسها في العقول.
الصورة النمطية(Stereotype) والتي يحاول جهاد وأمثاله ترسيخها في النفوس بخصوص الدولة العثمانية والخلافة الإسلامية تماشيا مع الجهود التي يبذلها الإعلام الغربي في محاولة لخلق حالة من الفوضى بإسقاط نظام الحكم في سوريا وإحلال جماعات الإسلام السياسي على رأسهم أوردوغان مكانهم وفق نظرية الفراغ. إن نظام الرئيس التركي أو من يطلق عليهم "العثمانيون الجدد" وهم إسم على مسمى لا يخفون مطامعهم الإستعمارية وإستعادة أمجاد قوميتهم العنصرية الطورانية التي تكره العرب وتتخذ من الإسلام ستارا لتحقيق أجنداتها.
ولعل الجميع يتسائل إن كان خطر أوردوغان والعثمانيين الجدد مقتصرا على سوريا والعراق, الإجابة سوف تكون بلا فالإمبراطوية العثمانية سيطرت على ماهو أكثر من مساحة تلك البلدين حيث دام الإحتلال العثماني للوطن العربي 400 سنة تقريبا. الجيش التركي قام مؤخرا بإرسال قوات إلى العراق تحت مزاعم المشاركة في تدريب قوات عراقية محلية لتحرير الموصل وأعلن بقاء قواته لفترة غير محددة بمدة زمنية. كما قامت قوات تركية تعمل مع تنظيمات تمثل الواجهة لحزب الإخوان المسلمين كداعش والنصرة والجيش الحر بالدخول إلى سوريا خصوصا في منطقة الساحل وحلب وإرتكاب المجازر بحق المواطنين السوريين.
إن تعداد الجرائم التي قام بها نظام الرئيس التركي في سوريا والعراق وتقديمه الدعم لداعش والنصرة والجيش الحر ومسرحية الإنقلاب المزعوم والتفجيرات التي تسبق كل إنتخابات تركية تشير إستطلاعات الرأي لخسارة حزب أوردوغان فيها لن يكفي لملئها مئات الصفحات ولكن أحاول الإختصار لتفنيد نموذج الدولة الناجحة والمثالي الذي يحاول جهاد الترباني ومن يسير على منهجه في تلميع كل محتل لبلادنا وإتهام مخالفيهم بالعلمانية والإلحاد.
بداية من تاريخ الدولة العثمانية الدموي الذي يرفض جهاد الترباني التحدث عنه بوصفه خلفاء الدولة العثمانية بأنهم بشر يخطئون ويصيبون وأن قمع أي تمرد حتى لو كان من ذوي القربى له أولوية قصوى لمنع تفكك الدولة وسفك الدماء. ولكن على الرغم من كل ذالك فإن خلفاء بني عثمان إرتكبوا مجازر عائلية يندى لها الجبين. بداية بسليمان القانوني الذي أمر بقتل إبنه مصطفى بتهمة الخيانة وإبنه بايزيد الذي تم قتله مع أربعة من أبنائه بتهمة التمرد ولست أعلم أخذ الأبناء بجريرة أبيهم أنها وفق أي مذهب فقهي. مراد الثالث خنق خمسة من إخوته. محمد الثالث أعدم إخوته ويقال أنهم كانوا تسعة عشرة. عثمان الثاني قتل أخاه الأكبر محمد وقس على ذالك من مؤامرات ودسائس.
وأما بالنسبة لعصرنا الحالي فعندما أمر الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك بوقف خدمة الإنترنت وشبكة الهاتف المحمول لتعطيل الإتصالات التي كان يقوم بها المخربون وينسقون تحركاتهم من أجل إقتحام السجون وتخريب منشئات البنية التحتية, فتم إتهامه بأنه ديكتاتور ويقمع حرية الرأي والتعبير. بينما عندما قام أوردوغان بالتهديد بحجب مواقع التواصل الإجتماعي خصوصا تويتر وفيسبوك فلم نسمع لهؤلاء صوتا. وعندما قام أوردوغان بإعتقال الصحفيين وكمم الأفواه فلم نسمع من هؤلاء شيئا.
لم نسمع منهم شيئا عن سياسة صفر مشاكل وتخفيض وكالات التصنيف الإئتمانية الدولية التصنيف الإئتماني لتركيا والإقتصاد التركي المتعثر الذي لم يزدهر لولا الإستثمارات الأجنبية والإقتراض من الأسواق المالية الدولية وأداء الإقتصاد التركي كان عاديا جدا وليس كما يروج أوردوغان وأتباعه الذي تحس من وصفهم لتركيا أنها جنة الله على الأرض.
كل هؤلاء لديهم أجندات سياسية وطائفية تتخذ من الدين ستارا وليس هناك تفسير أخر لتجاهلهم كل تلك السلبيات والعيوب في خليفتهم المزعوم وهم أنفسهم ينتقدونها عندما تظهر في غيره من الحكام بينما يرفضون الخوض فيها عندما يتعلق الأمر بأوردوغان وتركيا.
يا جهاد الترباني, هل تظن أن جميع من يشاهدون فيديوهات هم بدون عقول وأنك قادر على دغدغة عقولهم بكلامك عن الماضي المجيد؟
الماضي هو الماضي يا جهاد والحاضر هو الحاضر وذاكرة الأجيال المعاصرة ليست كذاكرة الأسماك ومرسي لن يعود ولن تزور بصحبة العرعور الجامع الأموي ولن تلقي بقصائد النصر لا في دمشق ولا في الأقصى.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment