في هذه الأيام وعلى هامش إنتخابات الرئاسة الأمريكية والتي إقتربت بداية عملية التصويت فيها حيث حمي وطيس المنافسة بين المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون والمرشح الجمهوري دونالد ترامب وتم إستخدام كافة الأسلحة المحرمة وغير المحرمة كالإتهامات بالتحرش الجنسي وتسريب إيميلات وتلقي الدعم من دول أجنبية وعربية.
الإزدواجية في أي حملة إنتخابية بداية من إنتخاب رئيس أصغر بلدية او حتى غرفة تجارية إلى إنتخاب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية هو امر طبيعي ومعتاد فقد قامت حملة دونالد ترامب بالرد على إتهامات حملة كلينتون بإصطحات باولا جونز وهي أحد ضحايا التحرش الجنسي لبيل كلينتون زوج مرشحة الرئاسة الأمريكية ووزيرة الخارجية السابقة إلى أحد المناظرات التي عقدت بين الطرفين, هيلاري وترامب. كما أن حملة ترامب أشارت إلى تستر هيلاري كلينتون على فضائح زوجها بصفتها محامية وتلقيها 12 مليون دولار من ملك المغرب مقابل عقد أحد إجتماعات مبادرة كلينتون العالمية.
إن ماذكرته من تبادل للإتهامات هو غيض من فيض ولكن على مايبدو فإن عدم نجاح حملة كلينتون في زعزعة ثقة الناخبين بدونالد ترامب بما يضمن فوز هيلاري كلينتون بفارق مريح وتفجر فضائح بريد إلكتروني مسرب للجنة الإنتخابية للحزب الديمقراطي دفع الرئيس الأمريكي وهيلاري كلينتون وجهات حكومية أمريكية إلى إقحام روسيا في العملية الإنتخابية بإتهامها بالتسلل إلى كمبيوترات اللجنة الديمقراطية المسؤولة عن حملة هيلاري كلينتون بواسطة قراصنة كمبيوتر وسرقة الإيميلات وتسريبها. الحملة الصحفية ضد روسيا بلغت الأن ذروتها بمقال مطول نشرته جريدة التايمز يتهم مجموعة من القراصنة الإلكترونيين الروس والذين يتبعون جهة حكومية بعملية القرصنة وبعمليات قرصنة سابقة بهدف التأثير على العملية الإنتخابية والتلاعب عن بعد بطريقة غير مباشرة بنتائج التصويت.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حين سئل عن ذالك وعن الأسباب التي دفعت الإدارة الأمريكية إلى إتهام روسيا بذالك أجاب من أجل إيجاد عدو تتوحد الجماهير ضده بدلا من الحديث عن المشاكل الإقتصادية والإجتماعية والسياسية التي تواجه الولايات المتحدة والتي عجزت هيلاري كلينتون عن تقديم أي حلول معقولة لتجاوزها. كما أن هيلاري كلينتون جعلت من الواضح في إحدى مقابلاتها الصحفية بانها سوف تشن هجوما على إيران إذا تم إنتخابها لمنصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية. لقد جعلت ذالك واضحا جدا بل وكررته أكثر من مرَّة.
وهنا هناك أسئلة تطرح نفسها وبقوة, هل الإنتخابات في الولايات المتحدة تتوفر على معايير النزاهة والشفافية وإحترام إرادة الناخبين؟ وهل تصح الإتهامات الموجهة لروسيا بالتدخل في العملية الإنتخابية الرئاسية للولايات المتحدة؟
في البداية يجب التذكير بأنه على سبيل المثال وفي عز الحرب الباردة وعلى هامشها الحرب في فيتنام فقد تفجرت فضيحة ووتر غيت والتي ملخصها أنه في محاولة الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون الذي ينتمي للحزب الجمهوري إعادة إنتخابه وبسبب الفارق الضئيل جدا في الإنتخابات الرئاسية السابقة بينه وبين مرشح الحزب الديمقراطي هوبرت همفري والذي هو نائب الرئيس السابق ليندون جونسون, فقد قامت عدد من الأشخاص بالتجسس على مكاتب الحزب الديمقراطي وزرع أجهزة تنصت حيث تم تسجيل عدد كبير من المكالمات. ولكنه في 17\يونيو\1972 فقد تم القبض على خمسة أشخاص في مبنى ووتر غيت في واشنطون حيث يقع مقر الحزب الديمقراطي وهم يقومون بزرع أجهزة تنصت مموهة حيث إتجهت التحقيقات إلى تورط الرئيس ريتشارد نيكسون في القضية وأجبر على الإستقالة وتم تحويل القضية للتحقيق غير أن الرئيس جيرالد فورد وهو جمهوري أصدر قرارا بالعفو عنه.
ولعله من المعروف للجميع الفيلم الذي أنتجه وأخرجه المخرج الأمريكي الشهير مايكل مور بخصوص إنتخابات الرئاسة الأمريكية سنة 2001 بعنوان (فهرينهايت 9\11) وأوضح فيه وبالأدلة كيف تم فبركة النتائج لصالح جورج دبليو بوش ضد غريمه ألن غور في ولاية فلوريدا بعد أن أعلنت أغلب المحطات التلفزيونية فوزر ألن غور بولاية فلوريدا ثم عكست النتيجة إثر إعلان محطة فوكس نيوز عكس النتيجة وفوز جورج دبليو بوش بنتائج التصويت في الولاية.
لم يتم إتهام مايكل مور بأنه عميل روسي أو شيوعي كما أنه لم يتم وعلى الرغم من الحرب الباردة توجيه الإتهام إلى الإتحاد السوفياتي بخصوص فضيحة ووتر غيت وكان من الممكن تمريرها بسهولة.
للأمانة فإن الوضع في الولايات المتحدة بشكل عام أفضل بكثير من بلدان الوطن العربي التي تتكلم عن الإنتخابات والديمقراطية بينما تعتبر مجرد كلمة الديمقراطية "كفر" والإنتخابات "بدعة" رغم أن بعضهم خصوصا الأحزاب السلفية قد إنقلبت على مفاهيمها وشاركت في إنتخابات مرة واحد للوصول والإمساك بناصية السلطة إلى الأبد وفق مفهوم الحكم بالحق الإلهي. ولكن مشكلة الإعلام الأمريكي أو لنقل مشكلة الشعب الأمريكي أن إعلامه يتعامل معه بمنطق القطيع والبروباغندا الإعلامية وبان الديمقراطية الأمريكية محمية من التزييف والتزوير وأن الحقيقة ناصعة البياض حيث الشفافية في أعلى مستوياتها. وتلك أيضا مشكلة للإعلام العربي والذي للأسف لا يلتحق بكليات الإعلام إلا أصحاب أدنى معدلات الإمتحانات النهائية في الثانوية العامة من لا تقبل بهم الكليات الأخرى حيث يطبل الكثير من الإعلاميين العرب لنموذج الحرية أو لنقل نموذج الهمبرغر الأمريكي وينساقون وراء الدعاية الكاذبة والخادعة والبروباغندا الإعلامية.
على فكرة ليست تلك أول مرة(إنتخابات 2001) يتم فيها تزوير الإنتخابات الأمريكية سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ودونالد ترامب رجل أعمال وهو أدرى بشعاب نيويورك وأروقة الحكم في واشنطون وهو رجل أعمال ومن طبيعة رجال الأعمال ممن وصلوا لمكانته القتال عن مواقعهم بعناد ولذالك هو رفض الإعتراف علانية بالنتيجة المسبقة التي يتوقعها الكثيريون. حتى أن تنظيمات الإسلام السياسي يعتبرون هيلاري كلينتون صديقتهم المخلصة ويتضرعون منذ بداية الحملة الإنتخابية بفوزها بل وهدد أحد تفرعات تلك التنظيمات وأعني مايعرف بإسم داعش مسلمي الولايات المتحدة إن صوتوا لصالح دونالد ترامب فرماهم بالكفر وأنذرهم بالقصاص منهم وفهمكم كفاية.
نظام المجمع الإنتخابي الذي تعتمد عليه الولايات المتحدة الأمريكية هو نظام إنتخابي فاشل بكل ماتحمله الكلمة من معنى حيث أنه يؤدي إلى مساومات وصفقات سياسية بسبب تعهد مندوبي الولايات بالتصويت بناء على نتائج الإقتراع الشعبي ولكن ذالك لا يعني بالضرورة فوز المرشح الذي ينال أكبر عدد من أصوات الناخبين بل أكبر عدد من أصوات المجمع الإنتخابي. ففي سنة 2001 على سبيل المثال فاز جورج بوش الإبن بتصويت المجمع الإنتخابي على الرغم من خسارته التصويت شعبيا. إن ديمقراطية المجمع الإنتخابي يطلق عليها إنتخابات غير مباشرة وهي ديمقراطية ناقصة تمنح ولايات أمريكية عدد مندوبين في المجمع الإنتخابي أكثر من غيرهم وفق حسابات جيو\سياسية وكيفية توزيع الولائات السياسية.
ولمن يشكك في كل ماسبق ذكره وأن السياسة الإنتخابية الأمريكية قد تغيرت او انها في السابق كانت أفضل أو أنها حاليا أفضل وأكثر نزاهة وشفافية فما عليه إلا أن يراجع قصة مرشح الرئاسة الأمريكية في إنتخابات 1948 هنري. أ. والاس(Henry. A. Wallas) والذي شغل منصب نائب الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت حيث شغل منصبه في الفترة(1941-1945) ومنصب وزير التجارة في عهد الرئيس الأمريكي هاري ترومان حيث شغل منصبه في الفترة (1945-1946) حتى طرده من منصبه إر إصراره على إنتقد سياسية الولايات المتحدة فيما يتعلق بالحرب الباردة وتطوير القدرات النووية الأمريكية وحتى قبل ذالك ضرب اليابان بالقنابل الذرية حيث يشاع على نطاق واسع أنه لولا عملية تزييف وتضليل واسعة لكان تم إنتخابه رئيسا ولما كان هناك نزاع يطلق عليه الحرب الباردة.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment