يدور قانون جاستا-العدالة ضد رعاة الإرهاب الذي تم إقراره مؤخرا في مجلس النواب الأمريكي وفشل محاولة الرئيس الأمريكي بفيتو القانون بعد رد مجلس الشيوخ لطلب الرئيس باراك أوباما حول إتهام المملكة العربية السعودية بأحداث 11 سيبتمبر وأنها قامت برعاية الإرهاب.
في القانون الجنائي الأمريكي هناك أمر عجيب من الممكن إدانة الشخص به تحت مسمى مسؤولية معنوية ومثال على ذالك قضية أوجاي سيمبسون لاعب كرة القدم الأمريكية الشهير الذي تم تبرئته من جريمة قتل زوجته السابقة وصديقها بعد معركة قضائية طويلة. المحكمة التي حكمت ببرائة سيمبسون غرمته مبالغ مالية لمسؤوليته المعنوية عن الحادث.
وقبل الإجابة عن السؤال والذي هو محور الموضوع علينا أن نعرف وبشكل دقيق كيف يمكن تحديد مسؤولية جهة ما عن عمل إرهابي.
لايمكن تحديد مسؤولية جهة ما عن عمل إرهابي من ناحية عملية في ظل تشابك العلاقات الدولية وتداخلها مع مصالح لوبيات ضغط ومصالح أفراد وذالك بدون توفر دليل قطعي لا يقبل الشك وذالك أمر شبه مستحيل فليس هناك مشكلة في فبركة الأدلة في القضايا الجنائية وقضايا الإرهاب فهناك قضية فيديوهات الإرهاب المفبركة التي تكلفت مئات الملايين من الدولارات وهي الفضيحة التي بدأت تفاصيلها تظهر في الإعلام مؤخرا وإن كنتم تشكون في ذالك فما عليكم إلا الرجوع بالذاكرة إلى قضية لوكربي ووفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وإغتيال مارلين مونرو وغيرها الكثير, قضايا تاهت الحقيقة فيها حول المجرم الحقيقي الذي بقي مجهولا.
المملكة العربية السعودية ليست مسؤولة من الناحية العملية عن جرائم أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة فقد تم تجريده من الجنسية السعودية سنة 1994 وتواجد سعوديين في تنظيم داعش على سبيل المثال لايعني مسؤولية الحكومة السعودية المباشرة عن أفعالهم فالكثير منهم قام بتمزيق جوازات سفرهم السعودية وأعلنوا رفضهم للجنسية السعودية. كما أنه لم يثبت وبالدليل القاطع أن هناك مواطنين سعوديين بصفتهم الحكومية الرسمية قد قاموا بتحويل أموال بشكل مباشر لأحد المتورطين في إعتدائات سيبتمبر أو غيرها من المؤامرات التي تم بواسطتها إستهداف المصالح الأمريكية سواء داخل الولايات المتحدة أو خارجها. الولايات المتحدة حتى هذه اللحظة لم تقدم للعلن دليلا واحدا ولست أظن أنه سوف يكون هناك مشكلة في رد الدعوى التي قامت برفعها الأرملة الأمريكية ستيفاني روس دي-سيمون بشرط أن يتولى القضية مكتب محاماة محترف ويتم متابعته بشكل حثيث من قبل لجنة حكومية سعودية تشكل لذالك الغرض بشرط أن لايكون وزير الخارجية السعودي عادل الجبير عضوا فيها أو له أي سلطات أو صلاحيات عليها لأنه وبينما هو مشغول بأيام الأسد معدودة وعلى الأسد الرحيل فإن تريليونات الدولارات إستثمارات حكومية وخاصة سعودية على وشك أن يتم مصادرتها من قبل الحكومة الأمريكية إن لم يتم الحجز عليها فعليا تمهيدا لمصادرتها بالتعارض مع تهديدات عادل الجبير بسحب تلك الإستثمارات.
المسألة الشائكة والحساسة الأن هي المسؤولية المعنوية فالمملكة العربية السعودية ومنذ أيام الملك عبد العزيز أل سعود قامت بتقديم الدعم لتنظيم الإخوان المسلمين بقيادة حسن البنا والجميع يعلم أن ذالك ماكان ليتم بدون علم وموافقة السلطات البريطانية التي رفعت الحرج عن نفسها وعن تنظيم الإخوان المسلمين بتلقي الدعم من حكومة أجنبية. تلك مسألة أصبحت من حكم المعلوم بالضرورة ولكن إن كان الملك السعودي يعلم بنوايا الإخوان المسلمين وبريطانيا فتلك مسألة أخرى. كما أن الحكومة السعودية قامت بتشجيع التيار الديني داخل السعودية وتقوم بطبع منشورات وكتيبات في أوقات الحج والعمرة تتهم مواطنين سعوديين شيعة بالخروج من ملة الإسلام وتقوم مدارس إسلامية خارج السعودية يتم تمويلها من مصادر مالية سعودية بتعليم التمييز الطائفي بناء على الإنتماء الديني وذالك موضوع حساس في الغرب الذي عاني من تبعات الحروب الدينية التي دامت مئات السنين حيث تم رفع شكاوي ومطالبات بإغلاقها. كما أن تنظيم داعش يقوم بإعتماد كتب ومناهج الشيخ محمد بن عبد الوهاب كما هي بنصها مما جعل من مهمة فصل الفكر الداعشي عن الفكر الديني السعودي أو المنهج الوهابي كما يطلق عليه البعض مهمة صعبة.
الأمثلة على المسؤولية المعنوية متعددة خصوصا أن بعضها مازال طريا في الذاكرة خصوصا إسقاط الطائرة المدنية الروسية في سيناء الذي تم تأييده علنا من قبل رجال دين سعوديين وإن كانوا لا يتبعون جهات رسمية ومن لم يؤيد في العلن قام بالتأييد في المجالس والأحاديث الخاصة.
مثال أخر هو سوريا حيث قام رجل الدين السوري والمقيم في السعودية عدنان العرعور بالتحريض على الطوائف والأقليات في سوريا بفرمها وإطعام لحومها للكلاب بتهمة تقديمها الدعم للرئيس السوري وحكومته وإشترك معه رجال دين سعوديون كمحمد العريفي وعائض القرني بالتحريض والشحن الطائفي وظهر رجال دين من مختلف البلدان يحرضون ضد الشعب السوري بشكل طائفي مقيت على شاشات فضائيات يشاع على نطاق واسع أنها تتلقى تمويلا من جهات خاصة في السعودية.
فمن ناحية نظرية يصعب إثبات تورط أي جهة رسمية سعودية بأحداث سيبتمبر ولكن من الناحية العملية فلست أستغرب الحرب الإعلامية التي تتعرض لها المملكة فهي وضعت نفسها في موقف حرج بالسكوت عن رجال الدين الذي ذكرتهم والذي في أي بلد أوروبي فإن مصيرهم السجن وغرامة مالية ضخمة. كما أن التحريض على مكونات الشعب السعودي على أساس طائفي يزيد الموقف المتأزم إحتقانا.
على الإعلام السعودية الإستيقاظ من سباته وتركيز جهوده وأقلام كتابه ومثقفيه في مجال الرد على ذالك القانون بدلا من الإنشغال بقضايا الدول الأخرى فالتدخل بشؤون الدول ذات السيادة يمكن ان تعرض المملكة للمسائلة في الأمم المتحدة وحتى رفع قضايا مماثلة لقضية الأرملة الأمريكية من قبل أشخاص سوف يتهمون الحكومة السعودية بالمسئولية المعنوية وبإعتبارها شريكا بالتحريض وتقديم الدعم الإعلامي.
وفي النهاية فإن المملكة العربية السعودية هي بلد عربي وإسلامي ولايجوز أن يسمح بسقوطها في أيدي تنظيم داعش وداعميه الغربيين والأتراك مهما كانت السلبيات والأخطاء لأنه من الواضح أن المحصلة النهائية للتحركات الأمريكية ضد السعودية تهدف إلى ذالك, إحداث إضطرابات يكون نتيجتها فراغ سياسي وديني يملئه ذالك التنظيم الإرهابي في سبيل تبرير غزو وإحتلال المملكة للسيطرة على حقول النفط ومصادر وثروات طبيعية أخرى خصوصا مناجم الذهب المكتشفة حديثا وتلك فكرة ليست بجديدة على تفكير الإدارة الأمريكية فقد تم طرحها خلال فترة الحظر النفطي سنة 1974-1975 وهناك مناهج يتم تدريسها في الكليات العسكرية في الولايات المتحدة تتضمن ضرب المعالم الدينية البارزة في مكة والمدينة بقنابل نووية مصغرة في حال قيام ثورة إسلامية شاملة تهدد المصالح الأمريكية في الوطن العربي أو حتى في بلد إسلامي رئيسي كأندونيسيا وهو ماهدد به عضو كونجرس أمريكي يدعى توم تانكريدو.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment