Flag Counter

Flag Counter

Saturday, November 12, 2016

الجذور التاريخية للأزمة اليونانية وتأثيرها على الإتحاد الأوروبي(3)

إثر نهاية الحرب العالمية الثانية وبينما كان الإتحاد السوفياتي يزحف على دول أوروبا الشرقية ويضمها لمنطقة نفوذه ويؤسس لما أصبح يعرف بحلف وارسو, فقد إشتعلت حرب أهلية في اليونان بين طرفين حيث إنقسمت المقاومة اليونانية إلى يسارية ويمينية. الطرف الأول مدعوم من قبل الإتحاد السوفياتي والدول التي تدور في فلكه ويمثله جيش اليونان الديمقراطي(Democratic Army of Greece) والذي يعد فرعا من الحزب الشيوعي اليوناني(KKE) والذي خاض معارك ضد القوات الحكومية التي تمثل الإتجاه اليميني والتي تلقت الدعم من الدول الغربية خصوصا الولايات المتحدة وبريطانيا.
جبهة التحرير الوطنية(National Liberation Front) والتي كان يسيطر عليها الحزب الشيوعي اليوناني قد أسست حكومة محلية بنهاية سنة 1944 حيث كانت تتمتع بالشعبية لتقديمها خدمات رعاية إجتماعية ومعونات إقتصادية لقطاع واسع من المواطنين اليونانيين ولكنها في الوقت نفسه معادية للجيش اليوناني الوطني والشرطة الوطنية والمعارضين للحزب الشيوعي بشكل عام حيث إزدادت الإصطدامات بين الطرفين. كما أن جبهة التحرير الوطنية كانت معارضة بشكل عام للكنائس ورجال الدين المسيحي على الرغم من أن بعضهم كان يتعاطف معها ومع أهدافها.
إنتخابات سنة 1946 أنتجت حكومة من المحافظين الذين يمثلون الإتجاه اليميني كنتيجة مباشرة لمقاطعة الحزب الشيوعي وأنصاره لها حيث وضعت الحكومة الجديدة هدفا لها هو وضع حد نهائي لسيطرة الحزب الشيوعي وأنصاره على النقابات العمالية والإتحادات الزراعية.
المشكلة بالنسبة للشيوعيين اليونانيين فاقمها وجود عناصر في الجيش والشرطة كانت متعاطفة مع النازيين بل وتعاملت معهم في فترة الإحتلال الألماني لليونان ومع سيطرة الجيش اليوناني على المدن الرئيسية فقد تمكنوا من حصر أنصار الحزب الشيوعي في القرى والأرياف والحد من فاعلية عملياتهم العسكرية داخل المدن نتيجة المراقبة المكثفة لهم ولأنصارهم وإعتقال من يشتبه بتعاطفه مع الحزب الشيوعي أو الفكر اليساري بشكل عام. إن تلك العوامل قد وضعت الشيوعيين وأنصارهم في مأزق على الرغم من سمعتهم كمقاتلين وطنيين ضد الإحتلال النازي وتمتعهم بالشعبية خصوصا في الريف اليوناني إلا أن تلقيهم دعما محدودا من الزعيم اليوغسلافي تيتو وتخلي الإتحاد السوفياتي عن دعمهم نتيجة صفقة تم عقدها بين ستالين من جهة والحلفاء من جهة أخرى قد أضعف موقفهم من الناحية العسكرية والإقتصادية. الدعم الدولي الذي تلقته الحكومة اليونانية المحافظة وخصوصا من الولايات المتحدة التي كانت مهتمة بموقع اليونان الإستراتيجي فيما يتعلق بقناة السويس ومضيق البوسفور قد رجح كفتها على خصومها. الرئيس الأمريكي هاري ترومان الذي تعهد بتقديم يد العون لأي بلد مهدد بالمد الشيوعي قام بالحصول على موافقة الكونجرس لبرنامج معونات ضخمة للحكومة اليونانية مما مكنها من تحديث جيشها والمضي قدما في مشاريع بنية تحتية ضخمة.
الحكومة اليونانية عززت إنتصارها العسكري في الحرب الأهلية بإعلان حالة الطوارئ والذي حظرت بموجبه الحزب الشيوعي وإعتقلت أنصاره وحاكمتهم. في ذروة الحملة لمكافحة الشيوعية في اليونان كان هناك ثلاثة ألاف شخص من أنصار الحزب في السجون معرضون لأحكام قد تصل للإعدام كما أن العضو البارز في الحزب الشيوعي اليوناني(Nikos Ploumpidis) والذي بقي محظروا حتى سنة 1974 بموجب قانون الطوارئ والحكم العسكري قد تم إعدامه مع مجموعة من أنصاره سنة 1950 كما تم الحكم بسجن عدد كبير منهم حتى أن لجنة اللاجئين اليونانيين قد ذكرت في إحصائية نشرتها سنة 1980 أن 50 ألف لاجئ يوناني من أنصار الحزب الشيوعي قد غادروا اليونان خصوصا لدول في أوروبا الشرقية هربا من الإعتقال والمحاكمة حيث عاد بعضهم إثر إنتهاء الحكم العسكري وعودة الديمقراطية سنة 1974. الهجرة الخارجية في اليونان قابلتها هجرة داخلية حيث إنتقل أكثر 900 ألف مواطن يوناني من الريف إلى المدن الكبرى و600 ألف مواطن تركوا اليونان مهاجرين لدول أخرى وذالك في الفترة الممتدة بين (1955-1977).
اليونان من بين الدول الأوروبية قد عانت أكثر من غيرها نتيجة حرب عالمية أولى, حرب عالمية ثانية, حرب أهلية وحكم عسكري إثر إنقلاب نفذه الجيش(1967-1974) كان يخشى من عودة الشيوعية للسيطرة على الحكومة من خلال صناديق الإقتراع. اليونان لم تكن مثلا كإسبانيا والتي بقيت على الحياد خلال الحرب العالمية الثانية على الرغم من معاناتها من حرب أهلية طاحنة كما أن اليونان على الرغم من الدعم الأمريكي والبريطاني فإنها بقيت أقل حظا من جاراتها الأوروبيات التي تم شملها بخطة مارشال للنهوض بأوروبا في الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية.
الحزب الشيوعي اليوناني بقي وعلى الرغم من كل الحملات التي تعرضت لها من سجن وقتل ونفي أعضائه يتمتع بإحترام لابأس به في أوروبا بسبب مقاومتهم الشرسة للإحتلال الألماني ولم يشاركهم تلك المكانة إلا الحزب الشيوعي الفرنسي بل وبقي يحصل على نسبة لا بأس بها من الأصوات الإنتخابية(7%-10%) في الإنتخابات التي تلت إنتهاء فترة حكم الإنقلاب العسكري سنة 1974.
اليونان بلد عاني من عدم إستقرار لفترة زمنية طويلة وحتى مع بداية حلول السلام سنة 1974 والتي أدت إلى عودة النشاط العلني للشيوعيين واليساريين ومع ذكريات لا تنسى لنسبة كبيرة من الشعب اليوناني خلال الفترة السابقة فقد أدى ذالك إلى تعزيز سيطرة الأحزاب الشيوعية واليسارية على النقابات العمالية حيث كونوا نقابات عمالية شبه عسكرية كانت تهدد بعودة الأوضاع إلى حالة عدم الإستقرار في حال سلبت منها إمتيازات ترى أنها حصلت عليها نتيجة كفاح إمتد عشرات السنين. لايمكن فهم سياسة السلام الإجتماعي والمحاباة والمحسوبية التي بدأها رئيس الوزراء اليوناني جورج باباندريو(George Papandreou) بمعزل عن كل تلك العوامل.
المشكلة أن تلك الحالة خصوصا النقابات العملية الشبه عسكرية والتي أثارت حالة شغب واسعة مؤخرا نتيجة محاولة الحكومة تطبيق بعض الإصلاحات الإقتصادية, لم تكن خافية على أي من المؤيدين لإنضمام اليونان للإتحاد الأوروبي ولا تتوافق مع شروط الإنضمام للعملة الأوروبية الموحدة خصوصا الحد من حجم القطاع الحكومي, تحرير التجارة خصوصا عبر إزالة التعرفات الجمركية, خصخصة الشركات الحكومية الخاسرة وإعادة هيكلة ماتبقى منها ودور أكبر للقطاع الخاص في النهوض الإقتصادي.
تحرير التجارة على وجه الخصوص كان ضروريا في سبيل نجاح سياسة تعديل الأسعار ذاتيا من خلال سياسة السوق المفتوح والتجارة الحرة والتي تعمل في إطار مفهوم أكبر هو العولمة. اليونان لم تكن تستوفي تلك الشروط بل وكانت هناك حالة من العدائية في أوساط الشعب اليوناني لمجرد ذكرها في البيانات الحكومية.
اليونان عانت مثل الأرجنتين من حكم الديكتاتورية العسكرية من سنة 1967-1974 حيث بدأ سنة 1967 بإنقلاب عسكري سببه الرئيس الشكوك من قبل الجيش اليوناني حول نجاح رئيس الوزراء جورج باباندريو(George Papandreou) وحزبه النقابة المركزي(Centre Union) وهو من أحزاب يسار الوسط(Center-Left) بتشكيل حكومة بأغلبية برلمانية وإضطراره لعقد تحالف مع حزب الديمقراطيين الموحد(Union Democratic Left) والذي كان من وجهة نظر العسكريين ليس إلا غطاء للحزب الشيوعي المحظور.
هناك عاملين أساسيين سرعا في سقوط نظام الحكم العسكري وإقامة أول إنتخابات حرة سنة 1974 وهما تمرد بحارة أحد البواخر اليونانية وغزو جزيرة قبرص. ففي سنة 1973 قام بحارة السفينة الحربية اليونانية فيلوس(Velos) برفض العودة إلى اليونان بعد الإنتهاء من مشاركتهم في أحد تدريبات قوات الناتو. قائد السفينة الكابتن نيكولاس باباس(Nicholas Pappas) برر قراره بمبادئ الناتو الأساسية في الدفاع عن سيادة الديمقراطية والحريات. وفي سنة 1974 فقد قام قائد حكم الإنقلاب العسكري ديميتريوس لونايدس(Demetrios Loannides)  بمحاولة الإطاحة بالأسقف مكاريوس في جزيرة قبرص مما أدى إلى غزو تركي وتقسيم الجزيرة وتلك كانت أخر المغامرات التي قام بها النظام العسكري والذي سقط في نفس السنة.
الطبيعة المحافظة لنظام الإنقلاب العسكري حيث كان يمنع التنانير القصيرة ويلزم الكنائس بمسيرات دينية في يوم الأحد, إعتماده المتزايد على الإستثمارات الأجنبية والدعم خصوصا من قبل الولايات المتحدة وأساليب التعذيب الوحشية الذي إستخدمها ضد معارضيه الشيوعيين قد أدت إلى تزايد شعبية الحزب الشيوعي ونفوذ أنصاره في أوساط المجتمع اليوناني. في أول إنتخابات جرت سنة 1974 فإن الحزب الديمقراطي(Democratic Party) الذي تشكل حديثا ويعبر عن وجهات نظر إشتراكية قد فاز بأغلبية مطلقة.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
نهاية الجزء الثالث

No comments:

Post a Comment