تم وصف حملة القصف الجوي التي قام بها الناتو سنة 1999 في يوغسلافيا بأنها كانت تدخلا إنسانيا منع وقوع مجازر تطهير عرقي للمسلمين في كوسوفو من قبل القوات الصربية. وحتى حظه اللحظة يتلقى عراب حملة القصف رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير المديح والثناء على جهوده في مساعدة المسلمين في كوسوفو.
لا أحد ينفي تعرض المسلمين في كوسوفو لأعمال إنتقامية من قبل القوات الصربية بسبب نزعاتهم الإنفصالية وتشكيلهم خلايا مسلحة قامت بتنفيذ عمليات ضد القوات الصربية والسكان الصرب في الإقليم. ولكن تلك الأعمال لم تخرج عن نطاق نزاع محدود ولم تصل لدرجة التطهير العرقي إلا بعد بدء حملة القصف الجوي. إن جميع التقارير الأمنية المرفوعة للمسؤولين الغربيين تؤكد أن تلك الحملة لن تمنع كارثة إنسانية بل سوف تكون الحملة نفسها سببا رئيسيا لحصولها.
في الحرب الضحية الوحيدة هي الحقيقة أما القتلى من مدنيين وعسكريين فهم مجرد أرقام على مذبح المصالح والصراعات. التدخل الغربي في كوسوف لم يخرج عن ذالك النطاق ولو قيد أنملة. ذالك لم يكن ذالك الوجه القبيح الوحيد لتلك الحرب ولكن علاقة بريطانيا بما يسمى جيش تحرير كوسوفو كانت الوجه الأخر.
كان النقاش بين المسؤولين العسكريين للناتو حول ما إذا كانت حملة القصف الجوي كافية لهزيمة الجيش اليوغسلافي الوطني وطرد القوات الصربية من الإقليم حيث إتفق الجميع على الحاجة لوجود قوات على الأرض. التردد كان ملازما للجميع مخافة التورط في المستنقع اليوغسلافي مما سوف يطيل أمد النزاع ويلفت نظر الإعلام إلى كون ذالك التدخل هو صراع مصالح وليس له علاقة بمنع كارثة إنسانية.
الحل كان بريطانيا بإمتياز ويقوم على مبدأ بسيط وهو تسليح قوات محلية على الأرض وتقديم الدعم لها مقابل أن يعملوا بالتنسيق مع قوات الناتو وقبولهم تنفيذ الأجندات الغربية. جيش تحرير كوسوفو والذي كان متحالفا مع تنظيم القاعدة كان هو الخيار المفضل حيث حاربوا بالنيابة عن قوات الناتو ليقوموا بجميع الأعمال التي لم تكن تلك تلك القوات قادرة على القيام بها.
جيش تحرير كوسوفو هو تنظيم عسكري ينتمي أفراده للإثنية الألبانية وملتزم بتحقيق إنفصال كوسوفو عن يوغسلافيا وإنشاء مايسمى ألبانيا الكبرى. تلك الميليشيات عبارة عن خليط عجيب من المتطرفين الشبان, طلاب جامعات, أطباء, مهندسون وبالطبع مجرمون ومهربون وتجار سلاح ومخدرات والذين كانوا يشكلون نسبة لا بأس بها من أفراده.
في عام 1996 بدأ أعماله العسكرية بقصف بيوت تحوي لاجئين صرب من الحرب في البوسنة وكرواتيا ومهاجمة مراكز الشرطة الصربية وإغتيال المسؤولين الحكوميين. كما قام بإغتيال مواطنين من الإثنية الصربية والألبانية ممن يتهمهم بالتعاون مع الحكومة اليوغسلافية. في منتصف سنة 1998, كان أفراده يسيطرون على أجزاء من كوسوفو ويشكلون قوة من ثلاثين ألف عضو.
تم إدانة جيش تحرير كوسوفو بلهجة واضحة لا لبس فيها بوصفه تنظيم إرهابي وذالك من قبل مسؤولين أمريكيين في إدارة الرئيس بيل كلينتون. المبعوث الأمريكي الخاص لكوسوفو روبرت جيلبارد(Robert Gelbard) وصف ذالك التنظيم بأنه إرهابي بما لا يقبل مجالا للشك. وزير الخارجية البريطاني روبن كوك(Robin Cook) إنضم إلى روبرت جيلبارد في تصريح له أمام البرلمان البريطاني بتاريخ مارس\1998 حيث وصف جيش تحرير كوسوفو بأنه إرهابي ويستخدم العنف لأغراض سياسية واعاد التصريح في كانون الثاني\1999 حيث ألقي باللوم على جيش تحرير كوسوفو(KLA) في معظم عمليات القتل التي حصلت مؤخرا ضد المدنيين في منطقة النزاع. حتى أن وزارء خارجية الإتحاد الأوروبي وفي نفس التاريخ, مارس\1998 قاموا بتوقيع بيان مشترك أدانوا فيه جيش تحرير كوسوفو لإستخدامه العنف والإرهاب. بيانات البرلمانيين البريطانيين والمسؤولين الحكوميين كانت وبكل وضوح تدين جيش تحرير كوسوف وتصفه بالإرهابي حتى تاريخ بدء حملة القصف الجوي من قبل الناتو في مارس\1999. حتى أن الأجهزة الأمنية البريطانية كانت يحقق في صلات جيش تحرير كوسوفو بشبكات الجريمة المنظمة في بريطانيا كما أنه من المعروف تورطهم في تهريب الهيروين إلى بريطانيا وإتخاذها نقطة عبور لتهريب المواد المخدرة بشكل عام لعدد أخر من الدول.
يضاف إلى هاذا وذالك أن جيش تحرير كوسوفو قد قام بتطوير علاقاته بتنظيم القاعدة حيث هناك تقارير عن زيارات متعددة قام بها زعيم التنظيم سنة 1994 لتاسيس مركز عمليات لتنظيمه في ألبانيا.
في فترة حملة القصف الجوي التي قام بها الناتو في يوغسلافيا والسنين التي تلتها فقد تدفق عدد كبير من عناصر التنظيم لمساندة جيش تحرير كوسوفو الذي كان يدير العمليات العسكرية مستغلا تلك العناصر لتنفيذ أكثر الأعمال وحشية وحيث تطوت العلاقة بين الطرفين والتي كانت علاقة علنية وفق تقارير الأجهزة الأمنية الألبانية وتقارير إعلامية التي تحدثت عن مقاتلين ينتمون إلى ستة بلدان على الأقل متواجدين في ألبانيا وخصوصا في كوسوفو. كما أن عددا من مقاتلي جيش تحرير كوسوفو قد تدربوا في معسكرات تنظيم القاعدة في أفغانستان ووفق تقارير مرفوعة للكونجرس الأمريكي فإن أحد الوحدات من جيش تحرير كوسوفو كانت بقيادة شقيق أيمن الظواهري نائب أسامة إبن لادن في زعامة تنظيم القاعدة وذراعه الأيمن.
وزير الخارجية البريطاني روبن كوك في نوفمبر 1998 صرح بأنه مطلع على التقارير الإعلامية التي تتحدث عن العلاقة بين التنظيم وجيش تحرير كوسوفو وأبدى قلقه ولكن نائبه بارونيس سايمونز(Baroness Symone) صرح بأنه لا أدلة على مساهمة زعيم تنظيم القاعدة في تمويل جيش تحرير كوسوفو. وزير الخارجية البريطاني توني لويد(Tony Lloyd) الذي خلف روبرت كوك قد قام بالتصريح في مارس 1999 بأنه لا أدلة على تورط ممنهج(Systematic) لتنظيم القاعدة في كوسوفو وهي كلمة تحمل دلالات خطيرة على أن بريطانيا لديها معلومات عن تدخل متقطع من جانب التنظيم لصالح جيش تحرير كوسوفو.
الخبير الأمريكي في شؤون الإرهاب يوسف بودانسكي(Yossef Bodansky) قد ذكر في تحليله سنة 1996 إثر إنتهاء الحرب البوسنية فإن حكومة سراييفو كانت ومنذ سنة 1990 وبمعاونة المتشددين الإسلاميين تحضر لجولة قادمة من الصراع ضد الحكومة الصربية يتمثل في هجمات مسلحة في كوسوفو ضد القوات الصربية إنطلاقا من قواعد أمنة في ألبانيا مما سوف يتسبب في ردة فعل صربية عنيفة تنتهي بتدخل الدول الغربية ضد يوغسلافيا نفسها وأنها تلقت تمويلا في في يونيو\حزيران سنة 1993 بمقدار مليون دولار لإقامة معسكر تدريب للمقاتلين الأجانب داخل الأراضي البوسنية تحضيرا للصراع القادم.
بداية اللقائات بين مسؤولين أوروبيين وأمريكيين وجيش تحرير كوسوفو كانت سنة 1996 وخصوصا في يوليو\تموز من سنة 1998 بين مسؤولين بريطانيين في السفارة البريطانية في صربيا وممثلين لجيش تحرير كوسوفو في أحد معاقل التنظيم داخل كوسوفو نفسها. المثير في الأمر أن تلك الإجتماعات بين الطرفين, البريطاني وجيش تحرير كوسوفو, قد تمت بعد يومين من تصريحات بارونيس سايمونز(Baroness Symons) والتي شغلت مناصب في الحكومات العمالية البريطانية منها وزير شؤون الدولة(State Minister) في ردها على إستجواب برلماني حول موقف الحكومة البريطانية من جيش تحرير كوسوفو بأنه تنظيم إرهابي يحوز على كميات كبيرة من السلاح وله قواعد داخل الأراضي الألبانية. وزير الخارجية البريطاني روبن كوك قد صرح بتاريخ أوكتوبر\1998 بأن بريطانيا تعارض الأهداف السياسية لجيش تحرير كوسوفو فيما يتعلق بألبانيا العظمي وأنه لا مكان في الخارطة الدولية لما يسمى ألبانيا العظمى أو صربيا العظمى أو كرواتيا العظمى. إذا من الواضح أن الهدف الذي كانت تسعى إليه القوى الأوروبية هو تقسيم يوغسلافيا وتجزيئها على أسس عرقية ودينية إلى دويلات ضعيفة تتقاتل فيما بينها وتعتمد على دعم طرف دولي نافذ للبقاء والإستمرار حيث بدأت بريطانيا في تلك الفترة تدريب مقاتلي جيش تحرير كوسوفو ومقاتلين أجانب على الرغم من تصنيف جيش تحرير كوسوفو كتنظيم إرهابي.
خلال أسابيع من بدء حملة القصف الجوي في يوغسلافيا فقد قامت صحيفة الصنداي تيليغراف(Sunday Telegraph) بنشر تقرير عن معسكرات تدريب لجيش تحرير كوسوفو برعاية غربية خصوصا بريطانية. أحد المعسكرين يقع قرب العاصمة الألبانية تيرانا والأخر يقع قرب الحدود مع كوسوفو على الأغلب في مدينة باغرام كيوري(Bajram Curri) حيث كان يجري تلقي وتوزيع الأسلحة على جيش تحرير كوسوفو كما أن تلك المنطقة بالقرب من الحدود مع كوسوفو كانت تعد نقطة إرتكاز للمقاتلين المتشددين الأجانب الذين كانوا يقاتلون إلى جانب جيش تحرير كوسوفو.
الحكومة البريطانية أنكرت مرار وتكرارا معرفتها بمصادر تدريب وتسليح جيش تحرير كوسوفو وخصوصا بعد ثلاثة أسابيع على بدء حملة القصف الجوي وقبل أيام قليلة من نشر تقرير صحيفة الصنداي تيليغراف بخصوص معسكرات التدريب والتسليح لجيش تحرير كوسوفو وخصوصا على لسان رئيس الوزراء البريطاني توني بلير والذي أخبر البرلمان البرلمان البريطاني على أن الموقف الرسمي من جيش تحرير كوسوفو لم يتغير.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
نهاية الجزء الأول
No comments:
Post a Comment