إن معامل جيني(Gini Coefficient) عبارة عن أداة لقياس تفاوت تركيز الدخل في الدول المختلفة ولكنه يعتمد على الدخل القابل للتحويل إلى نقود وتلك مشكلة يتجاهلها الكثير من الإقتصاديين عند الإستشهاد به في معرض حديثهم عن إقتصاديات بعض الدول خصوصا الصين. موقع العربية بتاريخ نشر بتاريخ 3\مارس\2014 موضوعا لكاتب يدعى سعيد محمد بن زقر والذي من المفترض أنه رجل أعمال سعودي تناول فيه الإقتصاد الصيني ومعامل جيني بطريقة بعيدة عن الواقعية حيث يبدو أن أهل مكة ليس دائما أدرى بشعابها.
وحتى نكون واقعيين فإنه بداية لايوجد أي دولة لا تعاني من مشاكل إقتصادية وأزمات مالية ولكن تحاول تلك الدول تجبنها أو التخفيف من أثارها ما أمكن. الصين التي تحتل مكانة كثاني أكبر إقتصاد في العالم من حيث الحجم وتسير بخطى حثيثة نحو التفوق على الولايات المتحدة إقتصاديا تجنبت أسوأ أثار الأزمة الإقتصادية سنة 2007\2008 كما أنها في فترة ثلاثين سنة حققت نهضة صناعية إستغرقت دول أوروبية مئات السنين من أجل إنجازها. فخلال تلك الفترة, النهضة الصناعية الصينية, فقد أمكن إنتشال 400 مليون مواطن من خط الفقر وذالك إنجاز ضخم بمدة زمنية قياسية عند مقارنة دول بحجم الصين مع غيرها من الدول. إن تعداد 400 مليون نسمة يساوي تقريبا التعداد السكاني للولايات المتحدة الأمريكية و17 ضعفا التعداد السكاني للمملكة العربية السعودية.
الإقتصاد في المملكة العربية السعودية يعتمد على النفط الذي يعاني من إنخفاض في مستوى الأسعار وصل مستويات تهدد الإقتصاد السعودي الذي بدأ بالتباطئ حيث تم سحب كميات كبيرة من الإحتياطيات النقدية وتم إصدار سندات دين حكومية وطرح طلب لإقتراض عشرة مليارات دولار أمريكي من الأسواق المالية الدولية. بالإضافة إلى كل ذالك فإنه يتوقع قريبا طرح 5% قيمة أرامكو كأسهم في الأسواق المالية المحلية والدولية(خصخصة جزئية) على الرغم من كون الشركة أحد أهم أعمدة الإقتصاد السعودي وتحقق أرباحا وليست شركة خاسرة. هيئة الإحصاء السعودية وفي تغريدة من حسابها في تويتر ذكرت أن معامل جيني للأسر السعودية قد بلغ 45.9(0.459%) لسنة 2013 مقارنة بسنة 2007 حيث بلغ 56.9(0.569%) سنة 2007.
إن إستخدام معامل جيني في قياس تفاوت الدخل وبالتالي مستوى الفقر يساهم في إعطاء صورة خاطئة عن الوضع الإقتصادي للدول. فعلى سبيل المثال فإن دولة مثل بلغاريا تبلغ نسبة تملك المساكن فيها 97% وفي فلسطين 84% حيث تبلغ نسبة تملك المنازل في قطاع غزة 82% بحسب إحصائيات 2011 وذالك لايدخل في حساب معامل جيني.
هناك أيضا عامل أخر يلعب دوره فيما يتعلق بمسألة إمتلاك منزل للسكن وهو عامل معتمد من قبل البنك الدولي وعدد من المراكز البحثية ويطلق عليه " مكرر المتوسط لإمتلاك المسكن " وذالك يعني متوسط سعر المنزل تقسيم صافي دخل الأسرة السنوي. مثال بسيط هو أنه إذا فرضنا أن راتب مواطن سعودي يبلغ 5000 ريال فإن دخله السنوي يبلغ 60 ألف ريال وبالتالي فإن متوسط سعر المنزل الذي من المفترض أن يكون قادرا على إمتلاكه من المفترض أن لا يزيد عن ثلاثة أضعاف, 180 ألف ريال, وذالك هو السعر الصحي للمنزل. في المملكة العربية السعودية فإن " مكرر المتوسط لإمتلاك منزل " يبلغ 14 عاما. أي أن المواطن السعودي يحتاج إلى جمع راتبه 14 عاما لإمتلاك منزل خاص به وهو رقم أعلى من هونج كونج التي من المفترض أنها الأغلى عالميا بمكرر متوسط لإمتلاك المنازل يبلغ 11.4. في سنة 2010 بلغت نسبة إمتلاك السعوديين للمنازل 38% - 40% بينما إرتفعت سنة 2013\2014 إلى 60%-61% بحسب تصريحات مختلفة متناقضة كون بعضها كخبر منشور على موقع العربية سنة 2013 يذكر 80% من المواطنين السعوديين لا يمتلكون مسكن وأن السبب هو إحتكار الأراضي.
الصين والتي توصف في بعض وسائل الإعلام بأنها دولة نامية على الرغم من إختلافي مع ذالك التعريف قامت بتطبيق قانون إصلاح زراعي مما أدى إلى إمتلاك عدد كبير من الفلاحين أراضي للزراعة كما أن عددا لا بأس به منهم يمتلك منازل للسكن وكل ذالك على الرغم أنه من الشائع, على خلاف الحقيقة, أن الفلاحين في الصين يوصفون بالفقر ولكن ذالك يعتمد على مفهوم الفقر الذي يختلف من جهة لأخرى. ففي بعض الدول الغربية التي توصف بأنها متقدمة إعلانات حكومية مدفوعة في القنوات التلفزيونية المختلفة تحذر من تفشي ظاهرة الجوع وسوء التغذية خصوصا لدى الأطفال وإضطرار الإسر إلى الإختيار بين المنزل أو ثلاثة وجبات في اليوم لأفرادها فهل تعد تلك الدول فقيرة؟ ولماذا هناك من لا يجد قوت يومه بين مواطنيها؟
وحتى تكون نظرتنا للأمور عادلة ومنطقية فيجب علينا أن نقيس حجم وعمق المسألة المطروحة للنقاش من ناحية ثقافية وليس فقط من ناحية إقتصادية ومقارنتها بدول أخرى. دولة مثل سويسرا لايشك أحد بأن من أكثر الدول المتقدمة إقتصاديا ويتمتع شعبها برخاء إقتصادي قل نظيره بين الدول. ولكن هل يتخيل أحدهم أن عامل جيني في دولة مثل سويسرا يبلغ 33.9 مقارنة بالصين 45%-47% مما يضعها(سويسرا) من الناحية النظرية على قدم المساواة مع دول مثل أرمينيا وكازاخستان وأن نسبة إمتلاك المساكن فيها تبلغ 36% حيث متوسط سن الزواج أوائل الثلاثينيات وأغلب المواطنين السويسريين وفي الدول التي توصف بأنها متقدمة يسكن الأزواج الجدد في بيوت للإيجار لفترات زمنية قد تبلغ 10-15 سنة في المتوسط.
في الصين فإن خريجي الجامعات والذين يكونون قد بلغوا منتصف العشرينيات كمتوسط أعمار ودخلوا حديثا سوق العمل يستطيعون التفكير بشراء مسكن كما أنه من الشائع أن تشترط الفتاة في الصين إمتلاك مسكن كشرط للزواج.
إن الطلب على المساكن في الصين مرتفع مقارنة مع غيرها من الدول خصوصا بسبب عدد السكان وإتساع المساحة وإرتفاع أسعار المساكن أمر طبيعي ولكن الجهات المختصة في الصين مدركة حجم المشكلة وعمقها قد بدات برنامج لإصلاح الإسكان سنة 1998 لتوفير سكن بحجم مقبول وسعر في مناسب وهناك بداية تدخل حكومية لتنظيم سوق الإيجار بما يحقق فائدة أكبر للمواطن الصيني حيث يمكن بدء برنامج " إيجار من أجل التمليك" حيث يعطى المستأجر سعرا تفضيلا في شراء المنزل بعد إستئجاره عددا معينا من السنين.
وبسبب كل ماسبق ذكره فإن إستخدام معامل جيني كأداة رئيسية أو حصرية في تقييم الأداء الإقتصادي للدول عن طريق قياس تفاوت تركيز الدخل يتجاهل حقائق إقتصادية وثقافية مهمة بما يؤدي إلى خلل في التقييم ونتائج مغلوطة تجانب الصواب في الكثير من الجوانب المهمة بما يضخم حجم المشكلة بدلا وضعها في حجمها الطبيعي.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
رابط الموضوع على مدونة علوم وثقافة ومعرفة
الرجاء التكرم بالضغط على رابط الموضوع بعد الإنتهاء من قرائته لتسجيل زيارة للمدونة
النهاية
No comments:
Post a Comment