في السنوات الأولى لربط العملة الأرجنتينية (البيزو) بالدولار فقد ساد هناك جو من التفائل بين المستثمرين والبنوك بخصوص المستقبل الإقتصادي المزدهر الذي كان السياسيون يعدون به تماما كما هو الحاصل في بداية سنة 2001 إنضمام اليونان للإتحاد الأوروبي وإعتماد اليورو رسميا سنة 2002 قبل حصول الكارثة سنة 2010 وأزمة الديون السيادية اليونانية وهي أزمة مستمرة حتى وقتنا الحالي.
دوليا فقد ساد جو من التفائل وتم تجاهل التحذيرات من الكارثة الإقتصادية القادمة. بول كورجمان(Paul Krugman) الحائز على جائزة نوبل للإقتصاد سنة 2008 حذر من سياسة رئيس مجلس الإحتياطي الفيدرالي الأمريكي ألان جريسبان من الطريقة التي كان ينظر بها للعجز في الميزانية الفيدرالية. تسهيلات إئتمانية, معدل فائدة منخفض, زيادة الإنفاق الحكومي وتسهيلات ضريبية, تلك كانت وصفة لكارثة إقتصادية قادمة إن طال الزمن او قصر.
البداية الحقيقة للكارثة كانت بإلغاء قانون جلاس-ستيجال في عهد الرئيس الأمريكي بيل كلينتون وهو القانون الذي تم إقراره سنة 1933 من قبل الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت وملخصه فصل البنوك الإستثمارية عن البنوك التجارية.
منذ بداية إعتماد اليونان للعملة الأوروبية الموحدة(اليورو) رسميا سنة 2002 فقد تمتعت الحكومة اليونانية وحتى المواطنين اليونانيين برخاء إقتصادي 2002-2009 حيث إرتفع التصنيف الإئتماني لليونان وإنخفضت نسبة الفائدة على القروض مما أدى إلى توجه الكثير من رؤوس الأموال للأمور الإستهلاكية كشراء المنازل الفخمة والسيارات الفارهة بينما إزدادت نسبة تضخم القطاع الحكومي وتم منح وظائف لأعضاء النقابات رغم عدم الحاجة لها فعليا وكذالك زيادة الرواتب وإمتيازات التقاعد.
بعض الدول لم تتورط في أزمة الديون السيادية اليونانية ولكن الأكثر إنغماسا كان ألمانيا وفرنسا حيث أن المسؤولين الأوروبيين بشكل عام لم يكونوا في وضع نفسي يؤهلهم للإعتراض على سياسة التسهيل الإئتماني والتي كان لها الفضل في إرتفاع مستوى الناتج المحلي الإجمالي في منطقة اليورو. في تلك الفترة فإن السندات التي تصدرها الحكومة اليونانية كانت تتمتع بنفس الدرجة من الثقة بأي سندات تصدرها دولة من دول الإتحاد الأوروبي بما فيها ألمانيا صاحبة أقوى إقتصاد في مجموعة اليورو.
وكما يقول المثل فإن مصائب قوم عند قوم فوائد حيث على الرغم من إنهيار أسعار السندات التي تصدرها الحكومة اليونانية وتهديد ذالك بكارثة إقتصادية تحل بالإتحاد الأوروبي وإنسحاب اليونان أو حتى طردها من منطقة العملة الأوروبية الموحدة(اليورو), فإن هناك من خطط للإستفادة من أزمة الديون السيادية اليونانية التي رأها قادمة لا محالة فهناك من كانت له مصلحة في تلك الأزمة ولذالك عمد عن إخفاء أخبارها عن العامة حتى يستفيد منها في حالة حصولها. البنوك الإستثمارية إستفادت من إصدار الحكومة اليونانية للسندات عن طريق تلك البنوك التي تفرض رسوما مقابل قيامها بذالك بالإضافة إلى قيامها بالبيع على المكشوف(Short Positions) والإستفادة من إنخفاض سعر تلك السندات. الحكومة اليونانية تتمكن من سداد ديونها في موعد إستحقاق تلك السندات في حال تمكنها من إصدار سندات جديدة, أي أنها تدفع الديون بالمزيد من الإستدانة.
وكما حصل في الولايات المتحدة حيث أن التسهيل الإئتماني والإقراض بشروط متساهلة قد أدى إلى أزمة إقتصادية بدأت كندفة الثلج وكبرت حتى كادت على أن تصيب بعدوى الإفلاس العالم بأكمله فإن اليونان تواجه أزمة مماثلة. الموظفون الحكوميون الذين كانوا يتمتعون بإنتاجية منخفضة ولكن في الوقت نفسه بزيادات وحوافز ضخمة سنويا أصبحوا يحتاجون إلى منازل فارهة قد تفوق إمكانيات الكثير منهم على الرغم من رواتبهم المرتفعة. مشكلة من ينظرون بإيجابية لإرتفاع أسعار العقارات على أنه علامة من علامات التعافي الإقتصادي أنهم لا يحسون بحجم الكارثة وأنها تحولت إلى مايشبه الفقاعة الإقتصادية خصوصا حين يكون ذالك الإرتفاع أكبر من قدرة متوسطي الدخل على تحمله. التسهيل الإئتماني وشروط الإقتراض الميسرة قد مكنتهم من تحقيق غايتهم بسهولة. البيروقراطية الحكومية في اليونان قد تضخمت لتقترب من حاجز الميلون موظف وتلك نسبة ضخمة مقارنة بعدد السكان. إن من شروط حزمة الإنقاذ المالية التي تم تقديمها لليونان مؤخرا إحداث إصلاحات إقتصادية تتضمن تقليص عدد الموظفين الحكوميين وبيع قطاعات حكومية خاسرة. تخيلوا حجم الكارثة في حال مثلا عجز نصف مليون يوناني بينهم عدد كبير من الموظفين الحكوميين عن سداد دفعات قروضهم العقارية الشهرية وإنهيار السوق العقاري. إن ذالك لن يكون ندفة ثلج بل إنهيار ثلجي كارثي قد يؤثر على إقتصاديات منطقة اليورو بالمجمل.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment