شاهدت عدد من حلقات صناعة المحتوى على موقع اليوتيوب التي تتحدث عن موقع أو منصة تجارة إلكترونية في الصين تدعى "شي-إن, SHEIN" متخصصة في تجارة الملابس. هناك غموض حول منصة شي إن وليس هناك الكثير من المعلومات المتوفرة في العلن عنها مثل تاريخ تأسيس الشركة ومديرها التنفيذي الذي ليس له صورة أو ألقى خطابا في اجتماع وأغلب موظفي الشركة لو صادفوه في المصعد أو الطريق فإنهم لن يتعرفوا عليه. هناك غموض كبير بشكل عام حول الشركات الصينية, طرق عملها, تمويلها, هامش الربح وتكلفة الإنتاج حيث تعتبر تلك المعلومات أسرار ممنوع التحدث حولها في العلن بأرقام ومعلومات تضمن الشفافية والدقة في الإحصائيات.
إن شركة "شي-إن, SHEIN" تعتبر مثالا على الشركات الصينية التي بدأت في السيطرة على أسواق العالم في عدد من المجالات وصناعة النسيج والملابس ليس إلا أحدها. صناعة السيارات الكهربائية هي قطاع آخر دخلت الصين الى المنافسة بقوة في مواجهة عملاق صناعة السيارات الكهربائية في الولايات المتحدة شركة تسلا ورئيس مجلس إدارتها إيلون ماسك. شركة "بي-واي-دي, BYD" في الصين تنافس بل وبدأت في التفوق على شركة تسلا في صناعة السيارات الكهربائية حيث ولأول مرة حققت مبيعات سيارات بي-واي-دي التفوق على سيارات تسلا في الربع الأخير من سنة ٢٠٢٣. كما أن السيارات الكهربائية ليست المجال الوحيد الذي تعمل فيه شركة بي-واي-دي حيث تعمل الشركة أيضا في مجال صناعة السيارات الهجينة وتحقق مبيعات جيدة ترتفع باستمرار.
المؤلفة والكاتبة الأمريكية سارة بونجورني تحدثت في كتاب "٣٦٥ يومًا دون -صنع في الصين-: أسرة تقاطع المنتجات الصينية لمدة عام" عن الصعوبة التي وجدتها رفقة أسرتها في التخلي عن المنتجات الصينية فترة عام كامل. هناك مشكلة حقيقية تحدثت عنها الكاتبة وهي أن المنتج النهائي قد يكون صنع أو تم تجميعه خارج الصين ولكن بعض مكوناته صنعت في الصين وذلك يخالف شروط المؤلفة في شراء المنتجات التي لا يدخل في صناعتها مكونات منشئها في الصين. الكتاب يتحدث عن تجربة استغرقت عاما كاملا واجهت فيها الكاتبة معارضة وربما نوع من السخرية أو التذمر من أفراد أسرتها وإعترفت في النهاية أنه هناك صعوبة على المدى الطويل في التخلي نهائيا عن المنتجات الصينية.
مشكلة المنتجات الصينية تفاقمت منذ فترة حكم الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون الذي نجح في إقناع منظمة التجارة العالمية قبول الصين في عضويتها وبدأت المنتجات الصينية تغزو الأسواق العالمية. إن إستخدام كلمة "غزو" هو في موقعه حيث تتميز الصين بالقدرة على الإنتاج بكميات كبيرة للغاية تغرق الأسواق العالمية ولا تنافسها في ذلك إلا ربما الهند. العمالة في الصين منخفضة التكلفة, شروط إنشاء المصانع فيها تتميز بإنخفاض البيروقراطية والروتين الذي تتميز به دول أخرى وحفاظ الحكومة الصينية على قيمة اليوان منخفضة مقابل الدولار في مجمله يعتبر شروطا تفضيلية في صالح الصادرات الصينية خصوصا من ناحية تكلفة الإنتاج والسعر.
حكومات دول غربية تتهم الحكومة الصينية بأنها تقدم الدعم الى الشركات في الصين في السر بينما تنفي ذلك في العلن. القروض التي تقدمها البنوك بشروط ميسَّرة, الوقود والشحن منخفض التكلفة, الإنحياز التجاري الى العلامات التجارية الصينية ضد منافسيها من مجالات الدعم التي تقدم الشركات الغربية الشكاوي الى حكوماتها بخصوصها. المثير للشفقة أن الحكومات والشركات الغربية مصابة بانفصام الشخصية وترى الأمور بعين واحدة لأنها حكومات دول غربية تقدم الدعم الى شركات في مجالات مثل الزراعة تصدر منتجاتها الى دول في إفريقيا بينما تمنع الإتفاقيات التجارية حكومات الدول الإفريقية من تقديم دعم مماثل الى مزارعيها. ازدواجية وقحة في المعايير لأن ذلك أدى الى إفلاس المزارعين في عدد من الدول الإفريقية والتخلي عن أراضيهم الزراعية والهجرة الى المدن من أجل البحث عن عمل والسكن في مدن الصفيح والعشوائيات في الضواحي في ظروف معيشية بائسة بدون خدمات كهرباء أو صرف صحي.
الصين تزحف تجاريا على العالم ونجحت في أن تصبح مصنع العالم وبالكاد يمكن شراء منتج بدون علامة صنع في الصين أو أن يكون أحد مكوناته صنع في الصين. شعار "سوف نجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى" الذي استخدمه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في حملته الإنتخابية في منتجات دعائية مطبوع عليها "صنع في الصين" في ذروة الحملة الإنتخابية والدعوات الى مقاطعة المنتجات الصينية أو فرض ضرائب مرتفعة عليها. إيفانكا التي تعتبر المدللة والمقربة من أبيها تمتلك خط ملابس و أزياء تصنع منتجاته في الصين رغم الدعوات العلنية التي كان يصرِّح بها والدها ضد الصين والمنتجات الصينية مما يشير الى تعقيد المسألة. وعلينا أن لا ننسى أن أسباب الحروب قد تبدو في الظاهر سياسية أو دينية ولكن السبب الحقيقي سوف يكون المنافسة الإقتصادية والتجارية وإن زادت حدَّة المنافسة, قد تتحول تلك الحروب التجارية والإقتصادية الى حروب عالمية مثل الحرب العالمية الأولى والثانية.
السؤال هو هل من المقبول السماح بسيطرة الصين على السوق العالمي؟ هل سوف يخرج العالم من الهيمنة الأمريكية التجارية والاقتصادية الى الهيمنة الصينية؟ الصين لديها الرغبة في التحول الى قوة إقتصادية عظمى بدون أن تتحمل أي مسؤوليات سياسية أو عسكرية كما تفعل الولايات المتحدة التي لديها مئات القواعد العسكرية و حاملات طائرات في جميع بلدان العالم تقريبا خصوصا منطقة الشرق الأوسط. أو كما يقول المثل الشائع أن الصين تريد "المغنم(المكسب المادي) لا المغرم(مسؤوليات سياسية وعسكرية)."
مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية
النهاية
شركة بي-واي-دي تعمل على صناعة سفن عملاقة متخصصة في شحن السيارات والتي لا يمكن شحنها في سفن الحاويات. الشركة سوف تحقق قفزة مهولة في مبيعاتها وتدريجيا سوف تصبح شركة تسلا عاجزة عن المنافسة خصوصا أن شركة بي واي دي كانت في بدايتها ومازالت تقوم بصناعة بطاريات الليثيوم للسيارات الكهربائية وشركة تسلا تستورد بطاريات سياراتها الكهربائية منها بشكل رئيسي.
ReplyDelete