الإمبراطورية البريطانية التي لا تغيب عنها الشمس كانت مهتمة للغاية منذ نهايات القرن الثامن عشر بدراسة جميع جوانب حياة المسلمين وكل التفاصيل الدقيقة عن الإسلام. وقد كان ذلك ممكنا وبدون إثارة الإنتباه من خلال إرسال جواسيس أو عملاء مخابرات تحت مسمى مستكشفين ومنقبين أثريين ومؤرخين وغيرها من المسميات لعل أشهرهم توماس إدوارد لورنس الملقب (لورنس العربي), غيرترود بيل والتي أطلق عليها الأعراب البدو لقب (الخاتون), جون فيلبي ولقبه (الشيخ عبدالله) بعد أن تحول الى الإسلام ظاهريا وأخيرا وليس أخرا الليدي هستر ستانهوب التي لعبت دورا رئيسيا في الفتنة الطائفية في لبنان بين الدروز والمسيحيين الموارنة سنة ١٨٦٠م رغم وفاتها في وقت سابق سنة ١٨٣٩م.
هناك الكثير من الأشخاص الجواسيس الآخرين الذين أرسلتهم بريطانيا وربما لم نسمع بأسمائهم أو قد يحتاج الباحث الى الإطلاع على وثائق الأرشيف البريطاني التي ترفع عنها السرية. ولكن الجهاز الأمني البريطاني خلال تلك الفترة كان ينقسم الى قسمين إثنين: الأول هو مكتب المخابرات الهندي والثاني مكتب المخابرات العربي والذي كان لورنس العربي أحد ضباطه البارزين. الجواسيس البريطانيون نجحوا في الدخول الى البلدان العربية بصفتهم رحالة ومستكشفين أو منقبين عن الآثار بينما في الحقيقة كانت مهمتهم جمع المعلومات عن كل تفاصيل حياة العرب وطرق عيشهم وقبائلهم وأديانهم وطوائفهم.
تنظيم الإخوان المسلمين هو أحد إفرازات السياسة البريطانية في منطقة حيث أنه وبعد دراسة جميع جوانب حياة المصريين وتقارير جواسيس بريطانيا في المنطقة وأنهم(المصريين) في طبيعتهم يقاومون بشراسة التدخل الخارجي حتى لو كان عربيا ومسلماً فقد قررت بريطانيا تأسيس تنظيم ديني يحمل المبادئ السلفية الوهابية ولكن أتباعه كانوا يرتدون الطربوش بدلا من الغترة والعباءة كما كان أتباع عبد العزيز آل سعود في شبه الجزيرة العربية. المصريون قاموا قبل ذلك العثمانيين والمماليك ونابليون بونابرت والجيوش البريطانية ونجحوا في هزيمة الأخيرة في عدة معارك وبالتالي فإن إستخدام القوة العسكرية بوصفها الوسيلة الوحيدة للتعامل معهم سوف يؤدي الى كثير من المشاكل للحكومة البريطانية. ولذلك فإن استغلال العاطفة الدينية في تطويع المصريين من خلال تأسيس تنظيم ديني أمر ممكن الحدوث.
سنة ١٩٢٨م قام حسن البنا بتأسيس أول مسجد ومركز للإخوان المسلمين في مدينة الإسماعيلية المصرية وذلك بتبرع من شركة قناة السويس البريطانية بلغ ٥٠٠ جنيه مصري. حسن البنا كان مقيما في مدينة الإسماعيلية منذ سنة ١٩٢١ ورغم ذلك إنتظر سبعة سنين حتى الإعلان عن تأسيس التنظيم الذي أعلن عن دعوته الى عودة الخلافة الإسلامية التي ألغاها مصطفى كمال أتاتورك سنة ١٩٢٤. إن الحقيقة التي يتجاهلها الكثيرون أن تمويل شراء حصة بريطانيا في شركة قناة السويس كان من خلال بنك روتشيلد في بريطانيا مما يعني أن أسرة روتشيلد هي من قدم التمويل الى حسن البنا الذي أخبر أتباعه أن تلك أموال المصريين وحقوقهم وأنه يستردها منهم وذلك تبرير أكثر من مضحك. الحكومة البريطانية لاحقا نقلت مهمة تمويل تنظيم حسن البنا من شركة قناة السويس الى ملك السعودية عبد العزيز آل سعود وكان حسن البنا يزور السعودية عدة مرات سنويا من أجل قبض المعونات تحت مسمى الحج والعمرة. عبد العزيز آل سعود كان يتقاضى راتبا شهريا مقداره خمسة آلاف جنيه إسترليني يدفع منه الى حسن البنا وكان نائب وزير المالية ومستشار ملك السعودية محمد سرور الصبان من أصول سودانية هو المسؤول عن ملف العلاقة المالية مع حسن البنا وكان يشاهد في منزل الصبان في عدد من المناسبات سنويا وبشكل منتظم.
الإخوان المسلمين عملوا منذ إنشاء التنظيم على تنفيذ أجندات بريطانية ضد القوميين والوطنيين والأحزاب الشيوعية والوقوف مع ملك مصر فاروق ضد الوفديين وجميع خصومه من الأحزاب الأخرى. وقد كان حسن البنا يتواصل باستمرار مع السفارة البريطانية و لاحقا السفارة الأمريكية في مصر. كما عمل حسن البنا على تأسيس التنظيم السري الذي كان عبارة عن فرقة اغتيالات لا تخضع إلا لأوامر حسن البنا شخصيا. أعمال التنظيم الخاص كانت في العلن محاربة الإحتلال البريطاني في مصر والاحتلال اليهودي في فلسطين ولكن على أرض الواقع فإنه هناك رواية أخرى. سنة ١٩٤٥نجح أحد أعضاء التنظيم الخاص في اغتيال رئيس الوزراء أحمد باشا ماهر وسنة ١٩٤٦ إلقاء قنابل على عدد من مراكز الشرطة وسنة ١٩٤٨ اغتال التنظيم الخاص القاضي أحمد الخازندار الذي كان مسؤولا عن محاكمة عدد من أعضاء الجماعة. رئيس الوزراء النقراشي باشا أصدر قرارا بحل الجماعة ولكن تم إغتياله في ٢٨/ديسمبر/١٩٤٨ وكانت تلك الضربة القاضية حيث أصدر الملك فاروق أوامره بملاحقة أعضاء التنظيم واعتقالهم وإغلاق مقراتهم باستثناء حسن البنا الذي تعرض الى محاولة إغتيال في ١٢/فبراير/١٩٤٩ وتم تركه ينزف حتى الموت في المستشفى ومنع الأطباء والممرضون من الإقتراب منه بأوامر من جهات عليا.
المسيح خاطب تلاميذه في مت ٥٢:٢٦(رد سيفك إلى مكانه. لأن كل الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون!) وكما عاش حسن البنا بالسيف, فإنه السيف هلك. المثير للاستغراب أن الرئيس المصري جمال عبد الناصر وعدد من أعضاء تنظيم الضباط الأحرار قد كانوا أعضاء في التنظيم الخاص وأنه خلال الفترة التي أعقبت ثورة ١٩٥٢, فتح التحقيق مجددا في مقتل حسن البنا بأوامر من جمال عبد الناصر شخصيا وتم اعتقال وسجن عدد من الأشخاص المتورطين غير أنه أطلق سراحهم لاحقا بعد الخلاف بين جمال عبد الناصر وقيادة تنظيم الإخوان المسلمين حتى أنهم حاولوا إغتياله في أكثر من مناسبة لعل أشهرها حادثة منشية البكري في الإسكندرية سنة ١٩٥٤.
مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment