Flag Counter

Flag Counter

Wednesday, September 25, 2024

أسباب سقوط الدولة العثمانية

الدول في فكر ابن خلدون لديها خمسة أطوار وثلاثة أجيال. الأطوار الخمسة هي الظفر, الانفراد بالمجد, الفراغ والدعة, القنوع والمسالمة ثم الإسراف والتبذير. أما الأجيال الثلاثة فهي جيل البناء والعناية, جيل التقليد وعدم الحيد وجيل الهدم. ويقول ابن خلدون في الدول ظهورها وسقوطها "الظلم مؤذن بخراب العمران" وأنه "إذا كثرت الجباية اقتربت النهاية." ولكن هناك وجهة نظر أخرى تنقل عن ابن خلدون أن الدولة عمرها ١٢٠ عاما وتتميز بأربعة أجيال هي جيل العصبية حيث تكون الدولة مرهوبة الجانب, جيل الانتقال من البداوة الى الحضارة, جيل الترف حيث يصبح المواطنون عيالا على الدولة وأخيرا جيل السقوط حيث تفقد الدولة احترامها وهيبتها.

سقوط الدولة العثمانية ليس بدعة تاريخية أو أمرا مستحدثا في التاريخ فقد سقطت من قبلها دولة الخلافة الأموية والعباسية والدولة الأيوبية التي حررت بين المقدس ودولة المماليك ومن قبلهم سقطت الإمبراطورية الرومانية البيزنطية الشرقية والفارسية مرتين, الأولى خلال حكم الإسكندر المقدوني والثانية خلال حكم المسلمين في خلافة عمر ابن الخطاب رضي الله عنه. ولكن تداخل عوامل تاريخية متعددة كان السبب في سقوط الدولة العثمانية حيث ساهمت كما ترى بعض المرويات التاريخية الماسونية والصهيونية العالمية في التآمر على الدولة العثمانية وإسقاطها. ولكن خلال القرن العشرين تفككت إمبراطوريات قوية منها إمبراطورية هابسبورغ المجرية-النمساوية وكانت بداية تفكك الإمبراطورية البريطانية التي لا تغيب عنها الشمس. ولكن يبقى السؤال عن أسباب سقوط إمبراطورية الخلافة العثمانية قائما ولابد من إجابة دقيقة على ذلك السؤال.

الدولة العثمانية سيطر عليها رجال الدين فترة زمنية طويلة من تاريخها وعندما بدأت محاولات التحديث والتطوير فقد كان الأوان قد فات. رجال الدين التقليديين كانوا يعارضون أي تغيير حتى لو كان إيجابيا لأنه سوف يقلِّصُ من نفوذهم وسطوتهم. وقد قرأت فتوى لأحد رجال الدين العثمانيين في الرد على أحد الأسئلة عن جواز استخدام المدافع في التصدي للهجمات البرتغالية على المدن الساحلية في الدولة العثمانية وأنه جائز ولكن مكروه لأن المدافع لم تكن موجودة خلال عهد الرسول عليه أفضل الصلاة والتسليم.

الإنكشارية كانوا أحد أسباب صعود الدولة العثمانية وهم أحد أسباب سقوطها. إن الإنكشارية كانوا في جذورهم هم أطفال السبي في غزوات العثمانيين للدول الأوروبية الذين كانوا ينتزعون من أهاليهم بالقوة ويتم إجبارهم على اعتناق الإسلام وختانهم وتدريبهم على حمل السلاح في معسكرات خاصة منفصلة عن الجيش النظامي. الإنكشارية كانوا يتميزون بالشجاعة والمهارة القتالية ولكن وصلوا في نفوذهم الى عزل وتعيين السلاطين العثمانيين والتمرد عليهم وقتل بعضهم مما أدى الى إشاعة الفوضى وانعدام الأمن. وقد كان الإنكشارية يعارضون أيضا التغيير والتحديث خصوصا في نظام الجيش العثماني لأنه سوف يؤدي الى دمجهم مع القوات النظامية وتقليص نفوذهم وسطوتهم.

العثمانيين سيطروا على بلاد مصر والشام خلال عهد سليم الأول والعراق خلال حكم ابنه سليمان القانوني في إطار الصراع الطويل مع الدولة الصفوية. سليم الأول قتل الآلاف من أهالي مصر والشام تحت ذريعة تصفية نفوذ المماليك وأجبر سليم الأول الحرفيين وأصحاب الصناعات في مصر والشام على الرحيل الى تركيا وبناء المنشآت والمساجد والقصور ولم يعودوا إلا بعد ثلاثة سنين حيث توفي وتولى الحكم ابنه سليمان. العثمانيين لم يهتموا بتحقيق أي نهضة حقيقية في بلاد مصر والشام أو العراق وكانوا ينهبون خيرات تلك المناطق خصوصا المحاصيل الزراعية ويفرضون ضرائب مرتفعة على الفلاحين ويفرضون الخدمة العسكرية الإلزامية على المواطنين. 

سليمان القانوني كان أخر سلاطين العثمانيين الأقوياء وفي عهده بدأت بوادر الضعف تظهر على الدولة العثمانية بسبب بعض القرارات لعل أهمها قانون الامتيازات الأجنبية الذي كان فاتحة الشر على الدولة العثمانية والبلاد التي تحكمها خصوصا البلدان العربية. كما حاول سليمان القانوني بعد فشله في الإستمرار في حملاته الأوروبية أن يرسل حملات عسكرية من أجل السيطرة على اليمن والمغرب ولكن قواته تعرضت الى هزائم منكرة وقتل عشرات الآلاف من جنوده. ولعل أحد أهم الأسئلة التي تبقى من دون إجابة هي محاولته غزو المغرب في ذات التوقيت التي كانت القوات المغربية رأس حربة في التصدي للإستعمار البرتغالي ومحاولاته المستمرة غزو شمال إفريقيا والزحف الى البحر الأحمر ودخول مكة المكرمة والمدينة المنورة ونبش قبر الرسول عليه أفضل الصلاة والتسليم. كما أن اليمن دولة مسلمة وأهلها مسلمون ولم يتدخلوا في شؤون الدولة العثمانية أو يتآمرون عليها.

العثمانيون فشلوا في أن يكسبوا الشعوب التي تحت سيطرتهم الى جانبهم وفشلوا في تحويلها الى قوة مقاتلة حقيقية تعمل في صالحهم على الأقل في الدول العربية حيث هناك روابط دينية إسلامية مشتركة. العثمانيون خصوصا في الدول الأوروبية التي كانت تحت سيطرتهم تصرفوا على أنهم قوة إحتلال ولم يكونوا مهتمين بأن يكسبوا ود وصداقة السكان المحليين. أما بالنسبة الى دول مثل مصر, الشام والعراق فقد كانوا يحكمون من خلال سلطة دينية تمنع أي إحتجاج أو تذمر أو شكوى من سوء الأوضاع المعيشية وإنتشار الفساد والرشوة والبطالة والبنية التحتية المتهالكة التي لم يهتم العثمانيون في البلدان العربية بتطويرها. العثمانيون تصرفوا على أنهم قوة احتلال وليس (إحلال) فقد كانت دائرة اهتماماتهم هي جمع الجزية والضرائب والتجنيد الإجباري ومصادرة المحاصيل الزراعية.

ولعل وجه المقارنة في بلدان مثل بلغاريا, رومانيا واليونان وهي دول أوروبية سيطر عليها العثمانيون فترة زمنية طويلة وحيث أنها أكثر بلدان أوروبا تخلفا وفسادا. الدول العربية التي سيطر عليها العثمانيون توقفت ساعتها الحضارية في التاريخ الذي دخلت الجيوش العثمانية الى ذلك البلد حيث انتشار الفساد والمحسوبية والواسطة والتهرب الضريبي وجميع الممارسات السلبية الاقتصادية والاجتماعية الأخرى.

الدولة العثمانية سقطت بسبب بنائها على مبادئ فاسدة وهي الأسباب ذاتها التي سقطت بسببها الإمبراطورية الرومانية من قبلها, الإعتماد على المستعمرات في المحاصيل الزراعية و الخدمة العسكرية وإنتشار الترف والملذات في العاصمة إسطنبول وانغماس السلاطين العثمانيين في الملذات و مؤامرات القصور والحريم. الدولة العثمانية كانت لديها موارد هائلة من أجل إنشاء دولة تدوم ربما ألف سنة ولكنهم فشلوا في ذلك وشجعوا الدول الأوروبية على قضم أراضي الدولة العثمانية التي كان لقبها "رجل أوروبا المريض" حيث شَجَّعَت مظاهر الضعف الظاهرة على كل ذلك تدريجيا حتى سقوط الدولة العثمانية سنة ١٩٠٩م والغاء الخلافة العثمانية رسميا سنة ١٩٢٤م.

مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية

النهاية






No comments:

Post a Comment