Flag Counter

Flag Counter

Wednesday, October 3, 2018

الإنهيار المقبل للدولة السعودية الثالثة

إن التاريخ سوف يصدر دائما حكمه على إستمرار بقاء الإمبراطوريات والدول أو سقوطها, وحكم التاريخ لمن يقرأه  ويفهمه فهو لا يرحم. ومن خلال أحداث التاريخ, نقرأ عن إمبراطوريات ودول نشأت من القاع ووصلت للقمة لتنتهي في القاع أخيرا طال الزمن أم قصر: إمبراطورية الإسكندر المقدوني, الإمبراطورية الاسبارطية, الإمبراطورية الرومانية, الإمبراطورية الفارسية وأخيرا الإمبراطورية الإسلامية التي بدأت برجل يتيم وطفل قاصر وإمرأة ووصلت ذروة مجدها مع الإمبراطورية العباسية لتذبل وتعيد بعضا من أمجادها مع الإمبراطورية العثمانية التي انتهت بسبب حماقات حكامها وصراعاتهم الداخلية على العرش والمُلك. ولمن قرأ كتب الإقتصادي الأمريكي من أصل نمساوي جوزيف شومبيتر خصوصا كتاب "الرأسمالية, الإشتراكية والديمقراطية" فسوف يفهم كيف أن ما أطلق عليه شومبيتر "قوى التدمير الخلاق – Creative Destruction" تعمل على ملئ الفراغ الذي يخلفه إنهيار مؤسسات تجارية وأعمال ببديل مناسب لمرحلة زمنية معينة بما يسمح بإستمرار الرأسمالية في العمل وحقنها بدماء جديدة.
إن قوى التدمير الخلاق ليست محصورة في الرأسمالية بل إن التاريخ يعمل أيضا ضمن ذالك المفهوم وفي إطاره حيث تنهار الدول والإمبراطوريات ليتم ملئ الفراغ الذي تتركه دول وإمبراطوريات أخرى قادرة على التكيف مع متطلبات مرحلة زمنية معينة حيث سوف تنتهي وتنهار لتخلفها دول وإمبراطوريات أخرى وهلم جرا. إن نظرية الفراغ هي نظرية في علم السياسة يعتبر الأمريكيون هم من أخرجها لحيز الوجود حيث قامت الإمبراطورية الأمريكية بالتفكيك التدريجي لنظيرتها البريطانية وفق نظرية التدمير الخلاق فهزمتها عسكريا في حرب الإستقلال وإنتصرت عليها خلال الحرب الاهلية حيث كانت ولايات الجنوب الأمريكي تتلقى الدعم من بريطانيا بينما تتلقى ولايات الشمال الدعم من فرنسا عدوة الإمبراطورية البريطانية اللدود. الإمبراطورية الأمريكية ورثت مستعمرات نظيرتها البريطانية وحولتها لمجرد دولة تحت مسمى نظري فارغ من أي معنى حقيقي, الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس.
المملكة العربية السعودية ليست بإستثناء من التاريخ وحكمه إن طال الزمن أو قصر. الإعلام السعودي يسبح عكس التيار ويرفض الإعتراف بأن المملكة العربية السعودية في طريقها للتفكيك وأن المخططات الغربية التي يخجل أولئك الإعلاميون من الحديث عنها أو حتى الإعتراف بوجودها يتم تطبيقها بحذافيرها ضمن إطار مايعرف بإسم سايكس-بيكو2 او مخططات المستشرق الأمريكي من أصل يهودي برنارد هنري لويس والتي يقال أنه تلقت موافقة رسمية من الكونجرس الأمريكي سنة 1983. ولكن لماذا الإستغراب إن تبين صحة ذالك؟ ألا يدرسون في دوريات كليات الأركان الأمريكية ضرب الكعبة المشرفة بالقنبلة النووية في حال أحست الإمبراطورية الأمريكية بدنو أجلها على يد خصوها الإسلاميين؟ إن ما يتم تداوله عن مخططات برنارد هنري لويس  ليس إلا مجرد تخمينات لأنه وعلى الرغم من الحديث عن وجود تلك المخططات والكثير من المعلومات المذكورة في الكتب التي قام لويس بتأليفها والمحاضرات التي ألقاها, فإن أحدا ما لم يقرأ نسخة من تلك المخططات ولم يأتي بدليل ملموس على التفاصيل الوارد ذكرها والمتعلقة بكل بلد عربي خصوصا السعودية.
إن كل مايقال عن تقسيم المملكة العربية السعودية ليس إلا مجرد تخمينات. ولكن ذالك لا يمنع من إستعراضها والأسباب التي قد تؤدي إلى نجاحها من عدمه. بداية فسوف يتم تقسيم السعودية إلى دولة دينية مركزها مكة والمدينة, دولة شيعية في المنطقة الشرقية الغنية بالنفط ودولة تحكم ماتبقى من مناطق المملكة وتكون عاصمتها الرياض. وحتى بعد ذالك, تبقى عدة مسائل عالقة لا بد من تسويتها وتتعلق بمحافظات حدودية مع اليمن خصوصا جازان ونجران التي تم الإستيلاء عليها من اليمنيين خلال مرحلة الدولة السعودية الثالثة وقد يتم ضم جزء من السعودية للعراق. إن الممكلة العربية السعودية تعرضت لقوى التدمير الخلاق خلال عهد الدولة السعودية الأولى والتي إنتهت على يد الجيش العثماني بقيادة إبراهيم باشا, ومن ثم خلال عهد الدولة السعودية الثانية التي إنتهت على يد أل رشيد حكام قبيلة شمر. وحاليا, فإن السعودية تعيش مرحلة الدولة الثالثة وهي ناتج عن التحالف بين الحركة الوهابية, وهي حركة دينية متشددة نشأت على يعد محمد إبن عبد الوهاب 1745, والأسرة المالكة السعودية ممثلة بالأمير عبد العزيز أل سعود الذي تحالف مع الإمبراطورية البريطانية التي ساهمت في تمويل ذالك التحالف ودعمته بالسلاح والخبراء العسكريين بإشراف عميل مكتب المخابرات البريطانية جون فيلبي.
ولي العهد السعودي الأمير محمد إبن سلمان أعلن رسميا عن الإنتهاء من مرحلة الدولة السعودية الثالثة بتعهده العلني والصريح بالقضاء على التشدد الديني بما يعني فض التحالف القديم بين الأسرة المالكة السعودية والحركة الدينية الوهابية. ولكن المرحلة القادمة, مرحلة الدولة السعودية الرابعة, سوف تكون غامضة المعالم حيث لن يكون من السهل أن يتم ملئ الفراغ الذي تركته حركة دينية إستمرت في السيطرة على مفاصل الحياة خلال فترة حكم الدولة السعودية الأولى, ثم الثانية ومن ثم الثالثة لمئات السنين. خلال مرحلة الدولة السعودية الرابعة, بدأ الأمير السعودي الشاب بالتفكيك التدريجي للمؤسسة الدينية حيث أن المرحلة القادمة تتطلب التكيف مع معايير ومتطلبات جديدة في ظل عالم سريع التغير بإستمرار بما لا يتناسب مع التفكير التقليدي والنمطي للمؤسسة الدينية ممثلة بالحركة الوهابية. البداية كانت بالسماح بقيادة المرأة للسيارة والسماح للنساء بالترشح في الإنتخابات البلدية المحلية والسماح بتوليهم مناصب رسمية. هناك مشاريع يتم الإعلان عنها, بعضها تم تنفيذه, إلى تغيير تدريجي في طبيعة المجتمع السعودي المحافظ: إفتتاح دور السينما, الحفلات والمهرجانات الغنائية ومستقبلا منح المرأة السعودية دورا أكبر لتلعبه في الحياة العامة في المملكة.
هناك الكثير من التغييرات الإيجابية التي تحدث في دولة بقيت على حالها لعقود طويلة, كما أنه هناك الكثير من الخطوات السلبية التي سوف تعجل بالإنتقال من مرحلة الدولة السعودية الثالثة إلى الرابعة بطريقة سوف تخلف الكثير من الفوضى. إعتقال وسجن ناشطين سياسيين أو أكاديميين او حتى مواطنين ليس لهم أي نشاط سياسي بسبب تغريدة على تويتر او مقال منشور هناك أو هناك والتشدد في الأحكام التي قد تصل في المتوسط إلى عشرة سنين أمور تنذر بسوء العاقبة. كما ان أحكام الإعدام ضمن قوائم جماعية وبطريقة فجائية بدون أي محاكمات علنية يتمتع فيها المتهمون بالحد الأدنى من الحقوق تعطي إشارات سيئة عن وضع الحريات وحقوق الإنسان في المملكة. في دولة كالنرويج, هناك عدد ثابت من المقاعد المخصصة لوسائل الإعلام في كل قاعة محكمة حيث يحق للصحفيين الحضور وتصوير الجلسات وتسجيلها بدون إذن مسبق. في دولة كالسويد, لا يتم محاكمة شخص وسجنه عشرة سنين بسبب نشاطه السياسي على مواقع التواصل الإجتماعي. ومؤخرا, قامت لجنة مكافحة الفساد بالقبض على عدد كبير من الأمراء وكبار رجال الأعمال بتهم تتعلق بالفساد وإستغلال المنصب حيث تم سجنهم في فندق فاخر من فئة الخمسة نجوم, الريتز كاريلتون, بعد أن تم إفراغه من النزلاء. إن إعتقال أشخاص بتلك الطريقة ومن ثم إطلاق سراح بعضهم بموجب تسويات لم يتم الإعلان عنها والمضي قدما في محاكمة بعضهم الأخر بدون معرفة تفاصيل التهم الموجهة إليهم يتعارض مع مايتم الإعلان عنه من تطوير المملكة العربية السعودية والإرتقاء بها في مصاف الأمم المتمدنة والدول المتحضرة, دول المؤسسات حيث إحترام الحريات وحقوق الإنسان.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

النهاية

No comments:

Post a Comment