وأخيرا ظهرت الحقيقة للعلن وإعترفت حكومة المملكة العربية السعودية بمقتل جمال خاشقجي أثناء شجار وقع داخل مبنى القنصلية السعودية في أسطنبول على يد فريق من 15-18 شخصا تم إرسالهم لإقناعه بالعودة. جمال خاشقجي هو صحفي سعودي تم التضييق عليه ومنعه من الكتابة في صحف بلده والتغريد على مواقع التواصل الإجتماعي فاختار المنفى في الخارج وتحول إلى مقيم دائم في الولايات المتحدة وكاتب في أحد أشهر صحفها, الواشنطن بوست. الحكومة السعودية قامت بإجراء ترقيعات هناك وهناك من أجل تجميل صورتها أمام المجتمع الدولي حيث أقالت بعض المسؤولين رفيعي المستوى وتوعدت بمحاكمة المتسببين بالحادث داخل السعودية وذلك أمر مفهوم حتى لا يعترفوا أمام كاميرات الصحافة الدولية بتفاصيل تلك الجريمة النكراء حيث يدخل المعارضون سفارات بلادهم ولا يخرجوا منها أبدا.
في دول تتوفر على الحد الأدنى من احترام مواطنيها وكرامتهم, يكون مكتوبا على جواز السفر عبارات كعبارة "حامل هذا الجواز تحت حماية الولايات المتحدة الأميركية فوق أي أرض وتحت أي سماء" المكتوبة على جواز السفر الأمريكي, وعبارة "نحرك أسطولنا من أجلك" التي يقال أنها مكتوبة على جواز السفر الكندي أو جواز سفر روسيا الإتحادية وعبارة "ستدافع المملكة المتحدة عن حامل هذا الجواز حتى آخر جندي على أراضيها" المكتوبة على جواز السفر البريطاني. وأما بالنسبة لما هو مكتوب في جوازات السفر التي تمنح للمواطن العربي البائس فهي تهدد بالغرامة والتحقيق إن أضاع جواز سفره أو تذكره بأن ذلك الجواز هو ملك للدولة وأنه يحق لها أن تسحبه في أي وقت. وبسبب ذلك فإن المواطن العربي مهان في كل مكان ولا تنظر له حكومات الدول الأجنبية ولا أجهزة الهجرة فيها بأي إحترام لأنه غير محترم في دولته, فهو بالنسبة إليهم ليس إلا غاسل صحون أو عامل نظافة أو عاطلا عن العمل يتلقى إعانات الضمان الإجتماعي.
من المؤسف أن تنتهي حياة إنسان بتلك الطريقة البشعة وأن يكون دمه موضوعا للمساومة مع حكومات غربية لا تهدف إلا للإبتزاز السياسي وبالتأكيد الإقتصادي. حكومات الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا لا يهمها إلا مصالحها وعلاقتهم بحقوق الإنسان هي علاقة إسمية من أجل الشو الإعلامي بينما على أرض الواقع, تقوم تلك الحكومات بالتجسس على مواطنيها بدون أذونات قضائية وتنتهك حريتهم وحياتهم الخاصة ولديها من قوانين محاكمة الإرهاب ما يمكنها من سجن مواطنيها والمقيمين على أرضها بدون إذن قضائي وبدون توجيه تهم محدد وإخفاء الأدلة بذريعة حماية الأمن القومي بل وتلفيق الأدلة والتهم. الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إعتبر أن الخطوة السعودية جيدة وإن كان غير راضي عنها تماما, في الوقت نفسه أعلن نيته فرض عقوبات بدون الإضرار بصفقات سلاح تبلغ قيمتها ١١٠ مليار دولار أمريكي. إن الولايات المتحدة وبريطانيا على علم واطلاع منذ اللحظة الأولى لارتكاب تلك الجريمة البشعة فهم كانوا على إطلاع بنية الحكومة السعودية إرسال فريق مفاوضات لإقناع الخاشقجي بالعودة لبلاده, كما أنهم يعلمون بأسماء أعضاء الفريق ومهماتهم التفاوضية حيث يقال أن أحدهم هو طبيب تشريح. الحكومة الأمريكية والبريطانية تمتلكان نظام التجسس الذي يدعى ايكلون والذي يمكنهم من اعتراض المكالمات الهاتفية والاتصالات عبر الإنترنت بما فيها الإيميل. ويقال أن هناك إتصالات تم اعتراضها لها علاقة بالقرار الذي تم اتخاذه بتصفية الخاشقجي.
إن أخر مقال كتبه جمال الخاشقجي في صحيفة الوشنطون بوست بعنوان:"أمسُّ مايحتاجه العالم العربي هو حرية التعبير-What the Arab world needs most is free expression) وفيه يوجه الإنتقادات للمكلة العربية السعودية ويمدح قطر التي تبذل جهودها في سبيل الإهتمام بالشأن الدولي والتغطية الإخبارية العالمية. الواشنطن بوست رفضت الرواية الرسمية السعودية حول مقتل جمال خاشقجي ووصفتها بالكذب. ذلك الموضوع الأخير الذي كتبه جمال الخاشقجي ولم ينشر إلا بعد الإعلان رسميا عن وفاته تميز بنبرته الحادة في النقد حيث خشيت الصحيفة على السلامة الجسدية لأحد محرريها فيما لو كان حيا. سوف أختلف مع المرحوم جمال الخاشقجي فما نحتاجه في الشرق الأوسط هو أن تتوقف الدول الغربية عن التدخل في شؤوننا وبالتالي إعطاء ذريعة لأنظمة الحكم بقمع الحريات بذريعة حماية الأمن القومي من تلك التدخلات وهي نفس الذريعة التي استخدمتها الولايات المتحدة لإقرار قانون باتريوت إثر أحداث سبتمبر حيث يمنح ذلك القانون أجهزة الأمن صلاحيات استثنائية تحت مسمى مكافحة الإرهاب خصوصا الإعتقال بدون إذن قضائي ومراقبة المكالمات الهاتفية والتجسس على رسائل البريد الإلكتروني.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment