Flag Counter

Flag Counter

Friday, October 14, 2022

هل بدأ العد التنازلي لإنهيار النظام المالي العالمي؟(٢)

البنك المركزي الأمريكي أو بنك الإحتياطي الفيدرالي الذي تم إنشائه سنة ١٩١٣م لم يكن أول محاولة من أجل إنشاء مؤسسات مماثلة في الولايات المتحدة بل سبقه إنشاء بنك الولايات المتحدة الأول سنة ١٧٩١م وبنك الولايات المتحدة الثاني سنة ١٨١٧م حيث بدأ ظهور الأزمات الاقتصادية وازدياد مستوى الدين العام الحكومي. ولعل مايميز بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي عن غيره من البنوك المركزية هو أن تأثيره على مجريات الأحداث الاقتصادية عالمي يتجاوز حدود الولايات المتحدة والسبب هو الدولار الأمريكي ومركزه عملة احتياطي عالمي وهو أمر سوف يأتي ذكره لاحقا في الموضوع. ولعله محض صدفة أن الحرب العالمية الأولى قد بدأت سنة ١٩١٤م خلال سنة واحدة من إنشاء البنك.

إنَّ بنك الإحتياطي الفيدرالي الأمريكي هو مؤسسة خاصة ليس للحكومة الأمريكية أي سلطة فعلية عليها. وحتى يكون ذلك مفهوما أكثر, لابدَّ من أن أشرح بإختصار البنية الأساسية للبنك. هناك مجلس محافظين يتألف من سبعة أشخاص يقوم الرئيس الأمريكي بترشيحهم ويوافق على تعيينهم الكونغرس الأمريكي. وبينما ذلك قد يبدو من الظاهر أنَّ للحكومة الأمريكي سلطة سياسية على مجلس المحافظين للبنك إلا أنها سلطة إسمية تنتهي مع توقيع قرار تعيينهم رسميا. إنَّ عملية تعيينهم نفسها تحاظ بنوع من الغموض الإعلامي حيث من المحظور على الإعلام الحديث عن ذلك أو إطلاع العامة عليه. هناك إثني عشر مصرفا إقليميا يخضع لمجلس المحافظين حيث يمثِّل بنك الحتياطي الفيدرالي في نيويورك المقر الرئيسي الذي تصدر عنه القرارات الهامة ويراقب عمل فروع البنك الأخرى. كل فرع إقليمي للبنك يتألف مجلس إدارته من تسعة أشخاص, ثلاثة أشخاص ينتخبهم المصرفيون من بين العاملين في القطاع المصرفي وثلاثة آخرون يتم انتخابهم من خارج القطاع المصرفي, بينما الثلاثة الباقون يتم تعيينهم من مجلس المحافظين للبنك الاحتياطي الفيدرالي. الرئيس الأمريكي يعيِّن مدراء الفروع الإقليمية الإثني عشر للبنك من ممثلي النخب المالية بعد موافقة مجلس المحافظين عليهم ويمثلون المصالح الخاصة لتلك النخب.

إتفاقية بريتون وودز ١٩٤٤م تمثل علامة فارقة في تاريخ النظام المالي والاقتصادي العالمي حيث نجحت الولايات المتحدة في أن تفرض الدولار الأمريكي عملة احتياط عالمية ويعود ذلك إلى مجموعة أسباب. السبب الأول هو الولايات المتحدة خرجت من الحرب العالمية الثانية دولة عظمى وقوة عسكرية حيث بقيت بعيدة نسبيا عن تأثيرات الحرب خصوصا بنيتها التحتية والصناعية بقيت سليمة. بينما أوروبا تعرَّضت الى تدمير بنيتها التحتية ومؤسساتها ومصانعها حيث تم تسوية الكثير من مدنها بالأرض ولم يبقى فيها حجرٌ على حجر. السبب الثاني أن أوروبا كانت في حاجة الى أموال خطة مارشال الأمريكية لإعادة الإعمار. السبب الثالث هو أن الولايات المتحدة التي كانت دولة مدينة وتحولت الى دولة دائنة بعد الحرب وقد أصبح لديها أكبر إحتياطي ذهب في العالم لأنَّ عددا من الدول الأوروبية قد قامت بتهريب إحتياطها من الذهب الى الولايات المتحدة خوفا من أن تستولي عليه القوات الألمانية التي كانت تتقدم في دول أوروبا كما السكين في قالب الزبدة. وبالتالي فقد نجحت في فرض الدولار على دول العالم مقابل تغطيته بالذهب وفق معادلة سعرية ٣٥ دولار/أونصة.

إنَّ تاريخ ظهور البنوك المركزية في العالم يعود الى القرن السابع عشر ولكن عملها بقي مقيَّدا وتأثيرها محدودا بسبب هيمنة المعيار الذهبي الكلاسيكي على الإقتصاد العالمي, إصدار الدولة من النقد مرتبط بالكمية التي يمكن تغطيتها مقابل احتياطي الدولة من الذهب وفق نسبة تختلف من دولة الى أخرى وقد كانت في بعض المراحل ١٠٠% وفي الولايات المتحدة وصلت الى ٤٠% سنة ١٩٤٤م تاريخ توقيع إتفاقية بريتون وودز. إن تلك الإتفاقية قد أطلقت يد بنك الإحتياطي الفيدرالي في طباعة الدولار وتوزيعه خارج حدود الولايات المتحدة بدون أن يخشى التأثيرات السلبية حتى منتصف ستينيات القرن التاسع عشر وتحديدا سنة ١٩٦٥م. إن قيام بنك الاحتياطي الفيدرالي التوسع في طباعة العملة خلال الفترة التي أعقبت اتفاقية بريتون وودز الى زيادة حصة القطاع المالي في الاقتصاد الأمريكي من ٥% الى ١٠% وصولا إلى ٢٠% في مطلع سبعينيات القرن الماضي وصولا الى ٥٠% في مطلع الألفية الثالثة.

يتبع...


No comments:

Post a Comment